أزمة أوكرانيا.. فرصة لبايدن لتسليح ثوار سوريا وهزم الروس، يجب ألا تضيع
التدخل الروسي بشؤون أوكرانيا الداخلية، يقف خلفه حلم بوتين باستعادة ماضٍ منقرضٍ، أي استعادة حجم ووزن كتلة الاتحاد السوفياتي السابق، التي تآكلت نتيجة نشاز سياسات الشيوعية البائدة. ويقف خلفه أيضاً مرض النرجسية (تضخيم الذات)، الذي يعصف بذهن ونفسية هذا الديكتاتور، الذي يقود دولة كبيرة اسمها روسيا الاتحادية بطريقة المافيات.
إن محاولات بوتين وجوقته السياسية الروسية، بفرض رؤياه، حيال النطاق الجيو سياسي المحيط ببلاده (روسيا)، إنما تشبه محاولات إبليس بدخول الجنة، فهذه المحاولات تجري في ظل واقع مختلف، عما كانت عليه الظروف قبل سقوط الاتحاد السوفياتي، فالعالم الحر استطاع تحرير أوربا الشرقية من ربقة الاستبداد الروسي والشيوعي السوفياتي، وهذا لن يكتمل بالمعنى التاريخي والاستراتيجي بغير التحاق روسيا بالعالم الحر.
فالعالم الحر بمبادئه الديمقراطية وحرياته، يتوق إلى التخلص من التهديدات المستمرة التي تمارسها أنظمة الطغيان السياسي ضد شعوبها والشعوب الأخرى، والتي يمثّل نظام بوتين والصينيون قلعتها ورأس حربتها ضد الأنظمة الديمقراطية، أو التي تسعى لبناء نظام مؤسسات ديمقراطية.
إن مطامع بوتين في أوكرانيا وفي سوريا وفي غيرهما، تكشف عن رغبته بمحاولة ليّ ذراع واقع التطور العالمي، وليّ ذراع النظام الغربي الديمقراطي، لصالح أضغاث حلمه، باستعادة ماضٍ شيوعي منقرض، نظامٍ شمولي لا قيمة فيه للفرد الإنساني، ولحريته، وإبداعه، هذه السياسة الروسية حشد لها بوتين أكثر من مئة ألف جندي، ينتظرون الأوامر لاجتياح بلد آمنة اسمها أوكرانيا، بلد اقتطع منه بوتين شبه جزيرة القرم، ويعمل على إثارة الاضطرابات في أكثر من إقليم فيه مثل إقليم الدونباس، الذي توجد فيه أقلية روسية.
ولكن، هل السياسة الأمريكية التي يتبناها جو بايدن الديمقراطي صحيحة؟ وهل هي كافية حيال الدور الخطير للروس في سوريا وفي أوكرانيا؟، وهل هناك استراتيجية أمريكية للتصدي للتمدّد الروسي المهدّد لمصالح الولايات المتحدة والغرب الأوربي؟
إن الجواب على هذه الأسئلة، يقتضي تتبع سياسة جو بايدن الخارجية، بخصوص منع التمدّد الروسي خارج الجغرافية الروسية، ويقتضي تسليط الضوء على مسألة، أن جذر الصراعات في سوريا وأوكرانيا وليبيا وغيرها من مناطق التدخل الروسي، يقف خلفه انحياز روسي لاستمرار أنظمة الاستبداد ورموزها المشابهة لطغمة بوتين المافياوية.
إن الخطأ الذي لا يزال بعيداً عن المراجعة بسياسة بايدن في سوريا، هو خطأ مستمر للحظة في سياسته نحو أوكرانيا، وكأن الأمور بمثل هكذا ممارسة سياسية، تتطلب مقايضة دور روسي متاح لبوتين في سوريا، مقابل تخفيض ومنع وقوع هجوم روسي في أوكرانيا المسالمة، والتي من حقها تقرير مسارها السياسي الدولي وفق خيارات شعبها.
إن الرئيس جو بايدن مطالبٌ بتغيير هذه السياسات، وربما كان من الأنسب اعتماد سياسة استنزافٍ لروسيا في أكثر من ساحة صراع، لإضعاف هذا التغوّل المهدّد للأنظمة الديمقراطية، والذي تمارسه قيادة بوتين بصلف وعنجهية.
إضعاف التغوّل الروسي في الشرق الأوسط، يتطلب وضع استراتيجية أمريكية وغربية متكاملة، لاستنزاف الروس في هذه المنطقة الهامة من العالم، ونرى أن تبدأ هذه الاستراتيجية، بضرورة قيام إدارة بايدن بتدريب وتسليح قوى الثورة السورية الصديقة للديمقراطية والغرب، والعمل على تسليحها بأسلحة تصلح لحرب استنزاف حقيقية للروس وحلفهم في سوريا.
إن قيام إدارة بايدن بهذا الجهد يستلزم حملات إعلام نوعية، تنهض بها قوى التغيير الديمقراطي ضد الدور الروسي المعادي للشعب السوري، وللغرب الديمقراطي، فبدلاً من سياسة غض الطرف عن تطبيقٍ أعمق لقانون “قيصر الشهير”، تتناسى إدارة بايدن أهمية تطوير علاقاتها مع قوى الثورة السورية، وتسليحها للقيام بمهامها الوطنية، ومهام مقاومة الاستبداد لأهداف تخدمها استراتيجياً، مثل تسليح وتدريب قوى الثورة السورية لتحرير بلادها من الاحتلال الروسي البغيض، ومن الاحتلال الإيراني الأكثر وحشية ودموية.
إن تسليح قوى الثورة السورية ينبغي أن يكون أولوية أمريكية لدى إدارة الرئيس جو بايدن، فالتسليح الجاد هو شكل من أشكال تعدد جبهات تواجه الروس في سوريا، جبهات تستنزفهم عبر حرب عصابات تحرير وطني ثورية مدروسة.
سياسة غض الطرف، التي تتبعها واشنطن، ويرسم أولوياتها المستر بريت ماكغورك، هي سياسة تطيح بجهود نشر الديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان، التي قامت على مرتكزاتها الحضارات الغربية والأمريكية العظيمة، وهذا يجب إعادة النظر فيه، من خلال استنزاف روسيا وإيران في أكثر من ساحة صراع.
إن السماح بمرور شبكة الكهرباء من الأردن عبر سوريا إلى لبنان يضعف مصداقية إدارة بايدن، فهذه الإدارة، حين تسمح بهذا المرور، فإنها تسمح بزيادة عمر التوحش لنظام الإبادة الذي يقوده بشار الأسد، وهذا يتيح لأنظمة الطغيان في موسكو وطهران إلى ملاقاة خطر النظام الشمولي الصيني، المحمول على عربة اقتصادها، والذي يجتاح بسلعه الرخيصة وذات الجودة المتدنية جوانب عالمنا، لتشكيل كتلة معادية للحريات والديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان.
إن إدارة الرئيس جو بايدن مطالبة بتفعيل قانون قيصر حيال نظام دمشق، ومطالبة باستنزافٍ حقيقي للروس في مناطق تدخلهم الدولية، وأن تفعيل قانون قيصر يحتاج إلى وضع النظام الأسدي برمته تحت مطرقة المحاسبة على الجرائم التي ارتكبها ضد الشعب السوري.
إن بقاء الروس في حميميم السورية، يعتبر غض طرف عنهم، للتمدد اللاحق لهم، والذي من شأنه مضايقة أوربا، الحليف الأكبر لأمريكا. ويعتبر تشجيعاً غير مباشر للهجوم على أوكرانيا، ما يزيد من جبروت بوتين، ويمنحه قناعة أكبر بأنه قادر على استعادة ماضٍ سوفياتي منقرض.
إن الولايات المتحدة الأمريكية مدعوة لمناصرة الشعب والحكومة الشرعية الديمقراطية في أوكرانيا، ومدعوة لنصرة الشعب السوري الثائر ضد نظام طغيان الأسد، وهذه المناصرة بكل أنساقها السياسية والاقتصادية والعسكرية من شأنها التعجيل بهزيمة نظام بوتين المهدّد لقيم الحرية والديمقراطية في العالم.
فهل تذهب سياسة جو بايدن نحو استراتيجية أكثر فعالية في استنزاف تحالف الطغيان الذي تقوده روسيا البوتينية؟ سواءّ في أوكرانيا أو في سوريا أو ليبيا أو غيرها من مناطق يحاول بوتين تثبيتها في لعبة الصراع بين نظامه وأنظمة الغرب الديمقراطية؟
إن انتخابات نوفمبر القادمة تحتّم على إدارة بايدن النظر اعتماد سياسة عدم دفع المكافآت للروس والإيرانيين والطغاة، وتحتّم عليه المحافظة على قيم الحضارة الأمريكية، التي تتعرض اليوم لأخطار روسية وغير روسية.
فهل ستفعل ذلك إدارة بايدن، أم أنها ستقع في شرك سياستها المتغاضية عن قهر الشعوب الباحثة عن حرياتها.