fbpx

أردوغان يدافع عن تركيا في إدلب

0 820

تأمّل أردوغان أن يكون لقاءه مع بوتين، كفيلاً بإعادة الأوضاع إلى حدود اتفاق سوتشي 2018. على الأرض، دفع بآلاف الجنود والعتاد إلى إدلب؛ مجزرة الجنود. وتقدّم قوات النظام السوري، التي قضمت مناطق واسعة مشمولة بذلك الاتفاق، أعطته ذلك الحق.
ما منع أردوغان من تحقيق تقدّمٍ عسكريٍّ كبير، غياب الدعم الأمريكي والأوربي لخطوته تلك، وشراسة التهديدات الروسية ضد خطوته السابقة. أُربِك أردوغان، ولكنه لا يستطيع التخلي عن اتفاق سوتشي، ولا العلاقة مع الروس، وفي الوقت ذاته يخشى تقدم النظام، – روسيا وإيران – كذلك نحو حدوده؛ فهذا سيعني انفجاراً كبيراً في قضية اللاجئين وانتقالها إلى داخل تركيا، وكذلك مهاجمة روسيا المناطق التي تسيطر عليها تركيا “عفرين، درع الفرات، ونبع السلام”. الوضع هذا، يجبر تركيا على سياسات مدروسة بدقة، ولقاءات مستمرة بين مسؤولي البلدين، العسكريين خاصة، حيث أن الحرب أصبحت تخاض بإشرافٍ روسيٍّ من ناحية وتركيٍّ من ناحيةٍ أخرى؛ أي لم يعد للنظام وللفصائل المعارضة، أي هامش فيها.
خاب ظنّ أردوغان باللقاء الأخير، واستمرت المفاوضات لأكثر من ست ساعات متتالية، وحينما خرجوا على الإعلام باتفاقٍ رديء، كان واضحاً أن لا اتفاق حقيقيّ بينهما، وأن الأتراك ليسوا راضين عنه، ولكن ضعف موقفهم إزاء الروس، وغياب الدعم الدولي، أجبرهم عليه.
لم يُعلَن عن تراجع النظام إلى حدود سوتشي كما كان الأمل، ولم يعلن عن كيفية عودة المهجرين إلى بيوتهم، ورفضت روسيا إقامة منطقة آمنة أو حظرٍ جويٍ هناك، ولم يقبل بوتين إشراك الدول الكبرى في المناقشات الجديدة حول إدلب. وتشدّد حيال زج تركيا بآلاف الجنود، ووجودها الغير شرعيٍّ في إدلب حسب زعمه، وحمايتها الفصائل المتشدّدة، وأكّد على أن نص الاتفاق يتضمن حق روسيا بمحاربة الجماعات الإرهابية، بينما لا يتضمن حق الأتراك بمحاربة الفصائل الطائفية الشيعية التابعة لإيران.
لم تستطع تركيا فرض “أوهامها” حول إدلب، ولكنها رفضت سحب قواتها.
النظام لم يتراجع، والأتراك كذلك، والكلام عن ممرٍ آمن، تجاهل الـ (M5) نهائياً، وكأن النظام لم يأخذه مؤخراً، والممر يحيط فقط بـ (M4)، وهذا يهدّد مناطق واسعة، ما تزال تحت سيطرة الفصائل المعارضة. وبالتالي يشير أغلب المحلّلين أن الاتفاق ليس نهائياً، وقد يتعرض للفشل مع أيّة تحركات عسكرية جديدة، ومن الطرفين، حيث ترغب روسيا بالسيطرة على مدينة إدلب، ويسعى الأتراك إلى إعادة الأمور إلى حدود اتفاقية سوتشي 2018!
تركيا التي تستهدف محاربة الأكراد في سورية، لن تتخلى عن إدلب لصالح روسيا.
المقصود هنا أن تركيا تريد أن يكون في سوريا نظاماً سياسياً، لا يهدّد حدودها، وهذا ما دفعها لإرسال جنودها إلى إدلب، الذين لن ينسحبوا حالياً، وقد رسمت حدود تقدمها في المناطق التي تسيطر عليها.
دولياً، تتابع تركيا الضغط على أوربا عبر اللاجئين، ولن تتوقف عن ذلك قريباً، فهي عملياً من تَحمَّلَ قسطاً كبيراً من أزمة اللجوء، ومنذ سنوات، وهي من تمنع تدفقهم إلى أوربا؛ ومع التأكيد أن ذلك عرَّضَ ويعرّض كثيراً منهم لويلاتٍ كبيرة، هم هاربون منها أصلاً في سورية. المقصود هنا، أن لتركيا حقوقاً على أوربا، والأخيرة، ما زالت تتعامل معها، وكأنّها دولة هامشية في دول الاتحاد الأوربي، أو ليست على قدم المساواة معها. بكل الأحوال بوتين يعزل الأوربيين عن الوضع السوري، طالما ما زالوا يرفضون وجهة نظره حوله، ويؤكدون ضرورة تغيير النظام والعودة إلى جنيف1، وتركيا تحاول جذب أوربا لدعم سياساتها؛ وبعيداً عن كل ذلك، ما زالت أمريكا تراقب المشهد بأكمله، وتثبت مواقعها على الأرض السورية، وترفض التسليم لروسيا بالتقدم في إدلب مؤخراً، وتدعم الأتراك إعلامياً وسياسياً هناك. مجمل التحليلات، تؤكد أن الاتفاق الأخير بين بوتين وأردوغان، ليس اتفاقاً جاداً، وهو قابل للانهيار في أية لحظة. الشيء المؤكد أن تركيا لن تسحب جيشها من هذه المدينة، ولن تتخلى عن أية منطقة جديدة، عدا البلدات المحيطة بـ (M4)، حيث سيتم فتح الطريق الدولي بين حلب واللاذقية ، وهذا ربما يتضمن نقاطاً سرية، لم يعلن عنها بعد، وهي بدورها ستشكل عناصر خلاف متجدّدة بين الروس والأتراك.
روسيا التي تعرف جيداً أوضاع المناطق التي سيطر عليها النظام في كل سورية، والمناطق التي لم تثر عليه، وهي بأسوأ الأحوال، وتعلم رفض أوربا وأمريكا لإعادة تعويم لنظام، تخطئ في البناء على نتائج مسار آستانة وسوتشي، وتخطئ في تجاهل المطالب التركية، والتي كان لها دوراً مركزياً في استعادة حلب ودرعا وغوطة دمشق وحمص وحماه، والآن تحاول انتزاع إدلب. تخطئ لأنّها تحاول احتكار سورية بمفردها، بينما سورية أصبحت قضية إقليمية ودولية ومنذ عام 2011.
صحيح أن أوروبا وأمريكا، لا تدعمان تركيا عسكرياً، وهما متورطتان في الصمت تجاه دمار سورية، وتخريب البنية الاجتماعية السورية، والمقتلة سورية المرعبة، التي لم تُفضَح حقائقها بعد، لكنهما لا ترغبان في سيطرة روسية كاملة على سورية، سيما أنهما، تفرضان على روسيا عقوبات اقتصادية كثيرة.
روسيا وحلفاؤها، ما زالوا يسعون إلى تهميش تركيا، والأخيرة أصبح وجودها في إدلب مانعاً لانتقال المشكلات إلى داخلها، وحمايةً لأمنها القومي، وعدا ذلك، تشكل تركيا عنصراً متقدماً في تقوية الموقف الأوربي والأمريكي مع روسيا، في سورية وسواها. والسؤال هنا، وبعد رداءة الاتفاق الأخير بين أردوغان وبوتين، هل يمكن أن تحدث جولةٌ جديدة من الحرب في إدلب؟ وباعتبار أن القمة كانت مانعاً لتطوّر الحرب وانتقالها إلى الحرب المباشرة بين روسيا وتركيا، فهل سنشهد حرباً محدودة بينهما في حال تجدّدت الاشتباكات هناك؟ سياسة حافة الهاوية تسمح بهكذا استنتاج، وبوتين وأردوغان وصلا إلى تلك الحافة، واستمرار التفاوض لساعات طويلة يؤكد أن خلافات كثيرة ما زالت عالقة بينهما، وستظل؛ هذا الوضع يعني أن التوافقات الاستراتيجية بين الدولتين، ليست محصنة جيداًّ.
النقطة المركزية في التحليل أعلاه، أن القضية لم تعد سورية، والخلافات بين روسية وتركيا أصبحت تخص الدولتين، وأمن تركيا، وبالتالي لدى الدولتان تخوفاتهما، ولن نتكلم هنا عن أهمية سورية في السياسة الروسية، وأن السيطرة عليها، ستسمح لروسيا بإمساك ورقةٍ قويةٍ في مواجهة أوربا وأمريكا، وفي التقاسم الدولي الجديد لمنطقتنا وللعالم، وهذا حديث آخر.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني