fbpx

أديب ميالة المُعلّق بين الشاهد والمتهم

0 150

في العشرين من شهر كانون الأول 2022 اتهمت السلطات القضائيّة الفرنسيّة المدعو أديب ميالة الذي ’’يحمل الجنسيّة الفرنسيّة‘‘ والذي كان يشغل منصب حاكم مصرف سورية المركزي، بجرائم التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وغسل عائدات جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، والمشاركة في مجموعة تشكلت أو اتفاق تم انشاؤه بهدف ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، حيث بدأت التحقيقات الأوليّة ضدّه في كانون أول 2016، وانتهت باعتقاله على الأراضي الفرنسية في 16 كانون الأول 2022، ثم اطلق سراحه ومنحه مركز ’’الشاهد المساعد‘‘ في أيار 2024.

ثم أصدرت محكمة الاستئناف بباريس في 5 حزيران 2024، قراراً بعدم جواز تطبيق الحصانات الوظيفية في حالة الجرائم الدولية، ورفضت المحكمة منح الحصانة التي طالب بها أديب ميالة.

ولبيان وتوضيح الوضع القانوني لأديب ميالة باعتباره شاهداً مساعداً وسبب نظر القضاء الفرنسيّ النظر بالدعوى ومألات هذه القضيّة نورد ما يلي:

أولاً: بالنسبة لاختصاص القضاء الفرنسي: ينصّ القانون الجزائي الفرنسي على أنّ القضاء الفرنسي صاحبة الولاية بالنظر بالجرائم التي يرتكبها المواطن الفرنسي أو أي شخص يحمل الجنسيّة الفرنسيّة خارج الأراضي الفرنسيّة، وكذلك هو صاحب الصلاحية بالنظر في الجرائم الواقعة على أي مواطن فرنسي أو على أي شخص يحمل الجنسيّة الفرنسيّة. وهو ما يُعرف اصطلاحاً بـ ’’الاختصاص الشخصي‘‘ وبناء عليه تمت ملاحقة أديب ميالة باعتباره مواطناً فرنسيّاً، وليس على أساس ’’الولاية العالميّة الشاملة‘‘ التي تتطلّب توفّر شروطاً خاصّة للملاحقة.

ثانياً: بالنسبة للحصانات: القانون الفرنسي لا يأخذ بالحصانات ’’السياسية أو البرلمانية أو الوظيفيّة‘‘ في معرض النظر بجرائم الحرب وجرائم ضد الانسانيّة إلّا لرؤساء الدول فقط وبالتالي لا مجال للمدعى عليه أديب ميالة التذرّع بالحصانة الوظيفيّة وهذا ما قررته محكمة الاستئناف الفرنسيّة.

ثالثاً: ماهيّة الوضع القانوني ’’للشاهد المساعد‘‘: من خلال إطلاعنا على بحث اكاديمي حول الموضوع للدكتور ’’ياسر محمد اللمعي‘‘ الأستاذ المساعد في القانون الجنائي في كلية الحقوق جامعة طنطا المصريّة منشور في مجلة روح القوانين العدد 120 لسنة 2023، وجدنا أنّ المشرع الفرنسي استحدث نظام الشاهد المساعد في قانون أصول المحاكمات الجزائيّة باعتباره نظاماً إجرائيّاً مستحدثاً في الإجراءات الجنائية في مرحلة التحقيق الابتدائي، وذلك في حالة ’’وجود بعد ذلك بعض الدلائل غير المؤكدة على احتمال توجيه الاتهام إليه بارتكاب الجريمة‘‘ أي عند ترجيح قرينة البراءة على قرينة الاتهام، الى حين استكمال التحقيقات وهو وضع قانوني يدور بين، وضع الشاهد العادي ووضع المتهم.

وللتفريق بين الشاهد المساعد والشاهد البسيط، وبينه وبين المتهم لابدّ لنا من تعريفهم وفقاً للقانون الفرنسي:

المتهم: هو كل شخص يتم توجه الاتهام إليه بارتكاب جريمة من خلال تحريك الدعوى الجنائية قبله بواسطة الجهات المختصة أو بالادعاء المباشر من قبل المدعي بالحق المدني، وذلك بعدما توافرت ضده أدلة وأسباب معقولة على علاقته بارتكاب جريمة ما، باعتباره الطرف الثاني في الدعوى الجنائية.

الشاهد البسيط: هو كل شخص لا يوجد ضده سبب معقول للاشتباه في ارتكاب جريمة أو محاولة ارتكابها، ومن المحتمل أن يقدم أدلة ذات صلة بالإجراءات الجنائية أي بالوقائع والظروف الواقعية التي تشكل دليلا في الدعوى الجنائية، وذلك بإذن من المدعى العام أو قاضي التحقيق وبعد حلف اليمين. ’’المادة 706 – 57 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي المعدلة بموجب القانون رقم 526-2009 والمعدل بعد ذلك بموجب القانون رقم 222 لسنة 2019.

الشاهد المساعد: كل شخص يتورط في ارتكاب جريمة ما، وذلك عندما يتوافر ضده ما يرجح احتمال اشتراكه كفاعل أو شريك في ارتكاب جريمة ما محالة إلى قاضي التحقيق، أو كان محل شكوى في دعوى مدنية من خلال المجني عليه، فيتم في هذه الحالة استجوابه في الدعوى الجنائية التي يتم تحريكها عن طريق الادعاء المباشر من قبل المدعي بالحق المدني.

رابعاً: الآثار القانونيّة لوضع المدعى عليه أديب تحت وضع الشاهد المساعد: يترتب على وضعه في هذا الوضع النتائج التالية:

  • أنّ المدعو أديب ميالة ليس متهماً.
  • وأنّه ليس شاهداً بسيطاً وبالتالي غير ملزم بأداء اليمين القانونيّة الخاصّة بالشهادة أمام المحاكم الفرنسيّة.
  • وأّنّه غير موقوف ولا توجد بحقّة مذكرة توقيف لا وجاهيّة ولا غيابيّة على ذمة القضيّة موضوع الدعوى.

وبالتالي فإنّه يتمتّع بعدد من الحقوق والضمانات القانونيّة، كما يُحرم من بعضها وفقاً للمادة ’’112و 113/3 والمادة 167 المعدلة بالقانون رقم 52 لسنة 2022‘‘ من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي حيث يستفيد من حقوق المتهم، فله كافة الضمانات القانونيّة لممارسة حقّه بالدفاع عن نفسه مثل حقّ الصمت وحقّ توكيل محامً وحقّ الاطلاع على ملف التحقيق وله حقّ إنابة الغير في تقديم أقواله وفقا لقواعد الإنابة المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية المتعلقة بالإنابة القانونية، وعدم جواز توجيه اليمين له، كما أنّه لا يخضع للمراقبة القضائية، ولا للإقامة الجبرية مع المراقبة الإلكترونية، أو الاحتجاز، أو الحبس الاحتياطي السابق على المحاكمة. كما أنّه لا يملك حق الدفع بعدم مقبولية طلب المدعى بالحق المدني الموجة إليه. وليس له حق طلب نشر قرار البراءة فيما إذا حُكم له بها، وليس له مناقشة تقارير الخبرة او الطعن بها، ولكن له حق طلب رأي خبير ثان.

كما أنه لا يمكنه الحصول على وضع ’’المتعاون مع العدالة‘‘ الذي ينظِّم احكامه القانون الفرنسي رقم ’’204‘‘ لسنة 2004 كونه لم يقم بإخبار السلطات الفرنسيّة عن الجرائم قبل وقوعها أو الجرائم التي وقعت اثناء توليه وظيفته، وأن إبلاغه لم يؤدِّ الى الوقاية من وقوع الجريمة أو تفادي الأضرار الناتجة عنها.

خامساً: مآلات التحقيق وفقاً لنصوص القانون الفرنسيّ:

يعتبر المشرّع الفرنسيّ أنّ ’’وضع الشاهد المساعد‘‘ وضعاً مؤقتاً يعتمد مركزه القانوني على مسار الإجراءات الجنائية وتوافر الأدلة ضده، بحيث يمكن أن يتطور بشكل إيجابي أو سلبي حسب كل حالة، وذلك نظرا لأن هذا الإجراء مخصص لمرحلة التحقيق الابتدائي أمام قاضي التحقيق والتي ينتهي أما بتوجيه لائحة الاتهام ضده أو بالأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في حقه، وبناءً عليه فنحن أمام ثلاثة أحوال لنتائج التحقيق وهي:

الحالة الأولى: الأمر بأن لا وجه إقامة الدعوى الجنائية ’’منع المحاكمة ‘‘: وذلك في حالة ما إذا قام قاضي التحقيق بالاستماع أو الاستجواب للشخص المعني واتخاذ كافة الإجراءات الجنائية ضد الشاهد المساعد، وانتهى إلى عدم تأكيد الأدلة التي تدين الشخص الخاضع لنظام الشاهد المساعد، وبالتالي في هذه الحالة يأمر قاضي التحقيق بألا وجه إقامة الدعوى الجنائية في حقه.

وهذه الحالة تُعرف في القانون الوطني السوري بـ ’’منع المحاكمة لعدم كفاية الادلة‘‘ وهي حالة تؤكّد وجود الفعل الجرمي ولكن الأدلة المتوفرة في ملف القضيّة غير كافية لإثبات مسؤولية الظنين عن هذا الفعل الجرمي. أو أن الأفعال الجرميّة المُسندة له لا تشكّل جريمة في القانون الفرنسيّ.

الحالة الثانية: حالة ما إذا توافرت الأدلة الكافية على الإدانة ’’الاتهام‘‘: في هذه الحالة تتوافر الأدلة الكافية أثناء سير الإجراءات على توجيه الاتهام إلى الشخص الخاضع لنظام أي تغيير مركزه القانوني من شاهد مساعد توجد دلائل محتمله ضده على ارتكابه للجريمة إلى المركز القانون للمتهم ووضعه تحت الاختبار أو الاحتجاز المؤقت لتوافر الدلائل الكافية على توجيه الاتهام بارتكاب الجريمة. ويجب في هذه الحالة على قاضي التحقيق إبلاغ صاحب الشأن بهذا الأمر قبل أن يقوم بو ضعه تحت الاختبار أو الاحتجاز المؤقت، ويحق له الطعن على هذ القرار أمام رئيس غرفة التحقيق، وكذلك يحق له طلب سماعه من جديد، وفي هذه الحالة يجب على قاضي التحقيق الاستماع إليه واستجوابه. وهذا يقابله في القانون الوطني السوري ’’قرار الاتهام‘‘ الذي يصدر عن قاضي التحقيق الذي يمنح للمتهم حق استئنافه أمام قاضي الإحالة الذي يملك صلاحية تصديق القرار أو إعادة نشر الدعوى أمامه.

الحالة الثالثة: أن يطلب الشاهد المساعد بوضعه تحت الاختبار من تلقاء نفسه، وفي هذه الحالة يطلب الشخص الخاضع لنظام الشاهد المساعد من قاضي التحقيق وضعه تحت الاختبار من تلقاء نفسه، وفي هذه الحالة يجب على قاضي التحقيق أن يستجيب لطلبه، وبالتالي يستفيد الشخص المعني في هذه الحالة بكافة الحقوق الكاملة للدفاع والتي يتمتع بها المتهم. وهو ما يمكنه من الاستفادة من عدم خضوعه للحبس الاحتياطي أو الاحتجاز او المراقبة القضائية او الإقامة الجبرية او المراقبة الالكترونية.

سادساً: آليّة الانتقال من وضع الشاهد المساعد إلى وضع المتهم:

أتاح المشرع الإجرائي الفرنسي لقاضي التحقيق سلطة المضي في تقديم لائحة الاتهام وذلك بعد أخذ أقوال الشخص المعني، أو بعد استجوابه وسماع ملاحظات محاميه من خلال وسيلتين:

الوسيلة الأولى: وهي اعلام الشخص مباشرة في نهاية جلسة الاستجواب والاستماع.

الوسيلة الثانية: الإعلام عن طريق إرسال خطاب مسجل بعلم الوصول يحدد له الوقائع والأوصاف القانونية للأفعال المكون للسلوك الاجرامي للشخص باعتباره متهما بها، بالإضافة أعلامه بأهليته القانونية لتحمل المسئولية الجنائية عن هذه الأفعال، وكذلك اخطاره بحقوقه الإجرائية والتي تتمثل في حقه في تقديم طلبات بالإجراءات أو تقديم دفوع بالطعن إلغاء هذه الإجراءات الصادرة بموجب قرار من قاضي التحقيق وذلك أثناء سير الإجراءات في الدعوى الجنائية الماثل فيها إجراءات التحقيق الابتدائي وكذلك الموعد النهائي المتوقع لإتمام هذه الإجراءات.

النتيجة: بناءً على ما ذُكِر أعلاه فإن الادعاء المقدّم ضد المدعو أديب ميالة والأدلة المرفقة بلائحة الادعاء لم ترتقِ الى مرتبة الأدلة القويّة التي تشكِّل قناعة أوليّة لدى المحقق بأن يعامل معاملة المتهم وبالتالي السير بالإجراءات القانونيّة وفقاً للنصوص القانونيّة التي تُنظّم إجراءات التحقيق الجنائي، كما أنّها لم تبلغ من الضعف لتُشكّل قناعة لديه ببراءته أو عدم أحقيّة الادعاء، مما جعل المدعو أديب بوضعيّة المعلّق ما بين الشاهد البسيط وبين المتهم، وهو ما يُعرف بالقانون الفرنسيّ بوضع ’’الشاهد المساعد‘‘ وبالتالي الاستفادة من الحقوق والضمانات التي ذكرناه أعلاه، كما أن نتائج هذه التحقيقات مفتوحة على الإدانة وبالتالي الاتهام، أو البراءة وإعلان منع محاكمته وهذا ما سيحدّده مسار التحقيقيات، ونوع وكفاية الأدلة المقدّمة من طرف الادعاء مستقبلاً.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني