أحمد الشرع والطريق إلى الرئاسة
في سوريا، التي مزقتها الحرب والصراعات منذ سنوات، يتطلع الكثيرون إلى مستقبل مختلف، حيث يمكن أن تظهر قيادة جديدة قادرة على انتشال البلاد من أزماتها المتعددة. أحمد الشرع، شخصية قد تنال القبول إذا تبنى رؤية وطنية شاملة. لكن كيف يمكن لأحمد الشرع أن يصل إلى رئاسة سوريا؟ وكيف يمكنه الحفاظ على السلطة في ظل تعقيدات الواقع السوري والإقليمي والدولي؟
الطريق إلى الرئاسة
أعتقد أن على السيد أحمد الشرع أن يدرك أن النجاح في قيادة سوريا يتطلب قاعدة جماهيرية واسعة تشمل جميع مكونات المجتمع السوري. ولا يمكن قيادة بلد كسوريا بدون استيعاب تنوعه الديني والطائفي والإثني. وأيضاً يجب أن يقدم برنامجاً سياسياً متكاملاً يعكس تطلعات الشعب بمختلف أطيافه. والأهم التركيز على مفاهيم المواطنة والعدالة الاجتماعية والكرامة سيكون حجر الزاوية في بناء هذه القاعدة.
انعقاد المؤتمر الوطني يشكل فرصة ذهبية للشرع لتقديم نفسه كزعيم يوحد السوريين بمختلف انتماءاتهم. من خلال هذا المؤتمر، يمكنه أن يثبت أنه قادر على إدارة المرحلة الانتقالية، ويضع أسساً لدولة ديمقراطية حديثة. هذه الخطوة لن تعزز فرصه في الوصول إلى الرئاسة فحسب، بل ستوفر له قاعدة شعبية ودعماً دولياً يساعده في مواجهة التحديات الكبيرة التي تنتظر سوريا الجديدة.
لكن الكلمات وحدها لا تكفي. الشرع بحاجة إلى بناء علاقة قوية مع القوى العسكرية الفاعلة على الأرض، خصوصاً في الشمال السوري (قسد، الجيش الوطني)، والعمل على إعادة تشكيل هيئة تحرير الشام ضمن مشروع وطني أوسع. التعامل مع هيئة تحرير الشام يتطلب نهجاً براغماتياً. يمكن فتح قنوات حوار تهدف إلى إعادة دمج العناصر غير المتشددة في الجيش الوطني المستقبلي، مع تقديم ضمانات للسلامة والاستقرار.
إقليمياً، تركيا تمتلك تأثيراً حاسماً في الملف السوري، ما يجعل بناء علاقة استراتيجية معها ضرورة لا غنى عنها لأحمد الشرع في مسعاه للوصول إلى الرئاسة. ويجب على الشرع أن يستلهم التجربة التركية، ويتبنى سياسة تستوعب مصالحها، خاصة فيما يتعلق بضمان أمن الحدود، مكافحة التهديدات الأمنية، والعمل على تسهيل إعادة اللاجئين السوريين بطريقة آمنة تحافظ على كرامتهم وتخفف العبء عن الجانب التركي.
بالتوازي مع ذلك، ينبغي أن يسعى الشرع إلى تعزيز علاقاته مع الدول العربية، وخصوصاً الخليجية، التي يمكن أن توفر دعماً مالياً وسياسياً لإعادة إعمار سوريا وضمان استقرارها. لتحقيق ذلك، يجب أن يوازن الشرع بين مطالب تركيا الاستراتيجية ومصالح دول الخليج، بما يضمن الحفاظ على استقلال القرار الوطني، مع تقديم تطمينات للأطراف الإقليمية بأن سياساته تتماشى مع تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وعدم جعل سوريا بؤر للتوتر من جديد.
هذا النهج يضع الشرع في موقع يمكنه من كسب الدعم الإقليمي الضروري للوصول إلى الرئاسة، مع ضمان عدم التنازل عن المصالح الوطنية السورية.
دولياً، لن يكون الوصول إلى السلطة ممكناً بدون دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. يتطلب ذلك تقديم رؤية سياسية واقتصادية تتماشى مع المصالح الدولية، مع الحفاظ على السيادة الوطنية. الشرع بحاجة إلى إظهار نفسه كزعيم قادر على التوازن بين القوى الكبرى دون الانحياز المفرط لأي طرف.
الطريق إلى الرئاسة في سوريا يمر عبر بناء تفاهمات إقليمية ودولية، وتركيا تحتل مكانة خاصة في هذا السياق. إذا نجح أحمد الشرع في تحقيق التوازن بين رضا تركيا ودعم الدول العربية والغربية، فسيكون قد قطع شوطاً كبيراً نحو تحقيق طموحه السياسي.
التحديات أمام القيادة
هيئة تحرير الشام تمثل تحدياً كبيراً. التعامل معها يتطلب مهارات سياسية فائقة. يمكن عرض خيارات لإعادة دمج عناصرها في المجتمع مع نزع السلاح تدريجياً، لكن هذا يجب أن يتم بحذر لضمان عدم زعزعة الاستقرار.
إقليمياً، العلاقة مع إيران وروسيا وتركيا ستظل معقدة، الشرع بحاجة إلى سياسة خارجية متوازنة تحافظ على المصالح السورية دون التورط في النزاعات الإقليمية.
دولياً، الولايات المتحدة وأوروبا قد تكون داعمة، لكنها ستضع شروطاً لتحقيق الإصلاحات، يجب أن يظهر الشرع التزامه بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية لكسب هذا الدعم.
وأخيراً، ملف العدالة الانتقالية سيكون من أصعب الملفات، يجب أن تتعامل القيادة بحكمة مع هذا الملف لضمان تحقيق المصالحة الوطنية دون إثارة الانقسامات.
استراتيجيات الحفاظ على السلطة
للحفاظ على الجمهورية الوليدة، أعتقد أن على السيد أحمد الشرع أن يتبع استراتيجيات تضمن استقرار حكمه وتمنع حدوث ثورة مضادة قد تهدد هذه الجمهورية، ومن الضروري أن يضمن تطبيق الدستور الجديد الذي يضمن فصل السلطات الثلاث: التشريعية، التنفيذية، والقضائية، ويعزز حرية الإعلام كسلطة رابعة، وأن تكون الحكومة وحدة وطنية، تضم شخصيات من جميع المكونات السورية، بما في ذلك المعارضة السياسية والمجتمع المدني، ليضمن بذلك دعماً شعبياً ويحبط أي محاولات للتحدي السياسي أو العسكري.
من أجل تجنب ظهور أي ثورة مضادة، يجب التركيز على إعادة إعمار سوريا وتحقيق العدالة الاجتماعية، خاصة من خلال تحسين مستوى معيشة المواطنين وتوفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون المؤسسات الحكومية مستقلة وقوية بما يضمن حماية البلاد من الانقسامات السياسية والطائفية، وتمنع تداخل المصالح الفئوية التي قد تهدد الاستقرار.
تعزيز العلاقات الإقليمية والدولية مع القوى المؤثرة مثل تركيا وأمريكا وروسيا والدول العربية سيكون أمراً مهماً لضمان عدم تحول سوريا إلى ساحة نزاع إقليمي، يجب أن يحافظ أحمد الشرع على استقلال القرار الوطني في نفس الوقت، بما يمنع التدخلات الخارجية التي قد تؤدي إلى تقويض سلطته. علاوة على ذلك، تعزيز الثقة الشعبية من خلال الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية سيكون أمراً محورياً لتفادي أي تحركات معارضة قد تؤدي إلى ثورة مضادة.
الحفاظ على جيش موحد ومهني هو شرط أساسي لاستقرار البلاد، الجيش يجب أن يكون خالياً من أي توجهات طائفية، مع دمج الفصائل العسكرية السابقة في صفوفه ضمن برامج تأهيلية.
نحو سوريا جديدة
السيد أحمد الشرع أمام فرصة تاريخية إذا تمكن من الجمع بين رؤية وطنية جامعة وقدرة سياسية على الموازنة بين المصالح المحلية والدولية. الطريق إلى الرئاسة شاق، لكنه ممكن إذا ركز على بناء الثقة مع الشعب السوري، وحشد الدعم الإقليمي والدولي، والعمل على إصلاح المؤسسات.
الحفاظ على السلطة بدوره يتطلب استراتيجيات مستدامة لتحقيق العدالة الاجتماعية، تحسين الاقتصاد، وإعادة بناء الدولة على أسس الديمقراطية والمواطنة. بهذا النهج، يمكن لسوريا أن تستعيد مكانتها كدولة فاعلة ومستقرة في المنطقة.