fbpx

أحد عشر عاماً مضت!

0 214

أحد عشر عاماً مضت على الاستنزاف السوري في ثورته اليتيمة، ثورة عنوانها الرئيس القتل والدمار والتهجير الجماعي، وليس فقط وتكالب المحاور الإقليمية والدولية في حربها على بطولة وشجاعة الأفراد السوريين، أجل الأفراد الملايين وليس “المجتمع السوري” – المُنتَج الذي لم يولد بعد – ولا تزال “نخبته” السياسية بشتى أصنافها العضوية منها والمؤدلجة تغرد بعيداً عن تغريبة السوري المريرة.

إن الوعي المقارب، ولنقل المطابق للواقع، بعيداً عن الأمنيات والرغبات وإنتاج هوية الاختلاف الفكري والسياسي والعقائدي والتي تمثل بمجموعها العام هوية أمة محمولة على الوعي الكوني وربطه بالمصلحة الوطنية كضرورة موضوعية هي المحددات الأساسية للنخبة الوطنية عامة فكيف هي الثورية؟ فالعقل العربي النخبوي المبني على قرارات الزعامة والنخوة والفزعة دون الأخذ بمعايير العصر وأساليب العمل المنظم من حيث قياس الإمكانيات والمعطيات المحلية والدولية ومدى تقاطعها او تعارضها، هو ذات العقل الذي هُزم أمام إسرائيل في القرن الماضي بعد أن تغنى برمي اليهود في البحر رافعاً شعارات الوحدة والحرية الواهية. “نخبة” المجتمع السياسية في ذلك الوقت من “قوميين ويساريين” وغيرهم، هم اليوم إما أصحاب سلطة مطلقة وديكتاتوريات محلية وهياكل حزبية ودشم عسكرية تدمر كل الوطن، أو كنتونات معارضة متحاجزة فيما بينها، لا خلاف جوهري بينها وبين أصحاب السلطات سوى باستفادة الأخرى من تذرر وتشتت المجتمع وعدم انضوائه في مؤسسات مدنية متكاملة وهنا تتكرر الهزيمة المؤلمة التي فندها المرحوم ياسين الحافظ منذ عقود خلت في نقد الأيديولوجيا المهزومة.

الفرد السوري أثبت كل أصناف البطولة والشجاعة الفردية ولربما العشائرية والأهلية والمحلية سواء في مواجهة الآلة العسكرية البرية والجوية، المحلية منها أو الميليشياوية الدخيلة إقليمية كانت أو دولية، بينما على الضفة الأخرى تغرق “النخب السياسية” في فوضى التفاصيل والاجتهاد والرأي والرأي المضاد في دوامة الإفحام بالمقولة أو الرد بالمثل أو إثبات الهوية الوطنية من خلال تخفيض مستواها لدى الآخرين، ويدخل الجميع في فوضى الصراخ والاستعطاء للدول الكبرى للتدخل، ويحدث التدخل ولكن بالطريقة التي هزمت الجميع مرة أخرى!!

اليوم تقف النخبة السياسية السورية أمام واقع مرير لهزيمتها الأيديولوجية ذاتها، النخبة التي غرقت في نزاعاتها البينية الكتلية وتشتيت قوى الثورة وربطها بمحاور متنازعة أيديولوجيا فيما بينها وكأن السلطة قاب قوسين أو أدنى من سقوطها، بينما الفرد السوري أُسقط بيده أمام الحصار والقصف والجوع والخذلان ليجد ملاذه فيمن يوهمه بالحماية ليصبح بديلاً عما يُفترض بالنخبة السياسية المعارضة ملؤه مؤسساتياً وانتماء وفعلاً.

التدخل المتعدد الأصناف في سوريا وعلى رأسه روسيا وحلفائها أقام الحرب على السوريين ككل مجتمعياً ومشروعاً للدولة الوطنية سياسياً، تحت عنوان محاربة الإرهاب والتطرف المتمثل بداعش وهذا ما لم تدركه النخبة السورية وقواها المعارضة صيرورةً. فسواء كانت داعش صناعة استخباراتية أو منظومة عمل متعددة الأهداف أو حالة مستقلة بذاتها، فإنها مؤشر واضح عن قصور الرؤية السياسية للنخب السورية في تعاملها مع الثورة والداخل السوري. ولم تقف المسألة هنا بل تجاوزتها المعارضة “المؤدلجة الكلاسيكية” التاريخية بحوار سياسي مع الروس، دون الأخذ بموازين القوى وطرق التفاوض. حدث هذا مراراً ويتكرر اليوم بأكثر من طريقة، فلمكر في التاريخ ثمة من يبرر القوة الروسية وهذا صحيح لكنه لم يدرك لليوم معنى قوة السوريين خلال سبع سنوات مرت على تدخل روسيا العسكري فيها! ولم يدرك من الوعي المطابق سوى التمسك بفكرته دون الأخذ بمتغيرات ميزان القوة خاصة وأن روسيا اليوم في أحلك لحظاتها الدولية، ويمكنإاضعافها محلياً. وهذه الـ إذا مشروطة بالوعي المطابق لحاجيات المرحلة الحالية من التغير السياسي ولو بأدنى مقوماته بغية فتح الطريق لما بعده، ما يشترط عمل سياسي تفاوضي مختلف.

النخبة السورية لم تستطع أن تثبت قدرتها على إنتاج الحوامل المدنية المتماسكة في الداخل السوري ولا مقومات المشروع الوطني، كما لم تحدّ من فورة الذاتية المفرطة في نزاع أصحاب المشاريع الأيديولوجية، ليبرالية كانت أو إسلامية وما بينهما من خط عريض، وكل منها يدعى لليوم أن مشروعه هو المشروع الوطني الأمثل وبالضرورة على الجميع الانضواء تحته وإلا كُفّرت سياسياً أو أيديولوجيا أو معتقدياً وفي أماكن ومرات عدة حدث الاقتتال العسكري. لتغرق في تنافس سياسي ضحل لإثبات هوية على حساب أخرى ناسية عن عمد مرة وعن عبثية تاريخية أخرى، المساهمة في ملء الفراغ السياسي والفكري في النسيج المجتمعي والمساهمة الفعلية في بناء المؤسسات المدنية والمجتمعية عبر مد الجسور الوطنية بلا شروط أيديولوجية أو سياسية سوى الهوية الوطنية والانتماء والاختلاف بالرأي وأخلاق التعايش والحياة الحرة الكريمة كحاجيات موضوعية لأي عمل ثوري متكامل وفعل ضرورة راهنة لخوض مفاوضات قاسية باتت اليوم أسهل.

اليوم، وعلى بوابة العام الثاني عشر للثورة المسحوقة، بات القرار الوطني لكل السوريين مرهوناً للدول المانحة ومكثفاً بيد الروس والأمريكان وكليهما يوظفان التطرف الإسلامي لمنع قيام دولة وطنية سورية! فأين هي النخبة السورية من هذا وذاك؟ ألم يحن موعد موقعة تحررية مختلفة؟ موقعة قوامها الفكر المقارب للواقع بحاجياته الراهنة، لا وفق التصورات المسبقة. فكر يقدر الواقع العالمي وانعكاساته المريرة على الوطنية السورية، خاصة في شتات المشاريع المقترحة عليهم. ولنقل فكر سياسي يعاكس مسارات الهزيمة النفسية والعسكرية، وينتقل بها تدريجياً لنقاط كسب سياسية تقوم أساساً على قدرة من بقي من السوريين في فوهة الحدث والبحث في اليات تكامل الجهود العامة مع الأخذ بعين الاعتبار موازين القوى الدولية والإقليمية وتغليب تبايناتها لمصلحة الهوية الوطنية.

ذات يوم ودع السوريون بعضهم بعضاً بذات الحب والدفء ولسان حالهم كان يردد: نحن قتلتنا آلة العسكر، اجتثتنا المشاريع البديلة من قوى تطرف وميليشيات طائفية، وليس فقط بل لا زالت تعمل فينا ذهنية الثأر والتكفير السياسي والمعتقدي، والأدهى من ذلك تفرد أصحاب المشاريع السياسية الضيقة التي تحاك على مقاس صاحبها، بينما الجميع يسقط في يدهم ما لم يتكاتفوا على محامل وطن يريد أن يصبح دولة للجميع.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني