أحاديث الطفولة واللجوء والنزاعات
من الجيد أن يصحو الإنسان في صباحه، ويبحث في جواره على من هو أقل أملاً في الحياة لكي يمنحه القوة ليهدم جدار العسر ويعيد بناء الأمل من جديد.
لقد فعلت هذا فعلاً هذا الصباح، عندما أخبرتني في يوم سابق جارتي التركية بأنها تريد الذهاب إلى حي بعيد – فنحن نعيش في مدينة غازي عينتاب كثيرة الأحياء والأزقة – لتبيع بعض الزيت، مما جنته في موسمها هذه السنة، قالت لي حينها ذلك الحديث الذي دار بيننا، أن صاحب المطعم أخبرني بأنه يعرف بعض العائلات السورية التي لا أعتقد بأنه قد سمع بحكاياتهم شخص ما.
عزمت في صباح اليوم التالي إلى ذاك الحي فهي وأنا لا نعرف شيئاً عنه إلا ذلك المطعم العنتابي الصغير
وقفنا نسأله أين تسكن العائلات السورية القريبة من هذا الشارع فهو يعرف الجميع ويعرف أحوالهم أتراكاً وسوريين، أجابنا على الفور وأرسل معنا صبيه اللطيف يدلنا على البيوت وتفتح لنا فتاة كهيئة شمس ربيعية وأخوها الودود ابن العشر أعوام لأقول لهم صباح الخير وأقول اسمي بهدوء.
وأتابع: سمعت أنكم تسكنون هنا، إن أردتم أن تخبروني أمراً عن مدرستكم أو أي شيء آخر فأنا أسمع فقالت لي “ورد” بحزن لقد تركت المدرسة لأنها بعيدة عن بيتنا ولا أحد يحبنا فيها، تركتها لأذهب أنا وأخي للعمل في معمل لصناعة الأقمشة، كنت أنتظر العام الدراسي هذا بعد انقضاء العام الفائت بسبب جائحة كورونا،”واليوم لا مكان لي في المدرسة”.
تلك الجملة تعود لذهني مراراً، كيف لطفلة أن تكمل تعليمها في تلك الظروف العنيفة ولديها أب فقد صحته وقدرته على العمل وإعالة أسرته بسبب إصابته في قدمه أثناء رحلة التهجير والدخول إلى الأراضي التركية جراء القصف الذي طاله مع عائلته في عام 2012؟
ومتى تنهي رحلة التعلم والدراسة والمطالعة وتتقن اللغات والرياضيات تصبح امرأة شابة متعلمة مع إخواتها ولديها أم أنهكتها سنوات التعب والعمل وتارة تتحدث عن محاولات الهجرة وتارة تتحدث عن وهن عظامها وهي ذاهبة للمشفى فإن لهذه الأم صوت يحكي الصبر والإيمان بتلك الأحوال العصبية لحال عائلتها للمرض والفقر كل له نصيب منه!
فالإنسان له حاجة من العلم كحاجته إلى الهواء والماء والطعام، فللعقل خواء أيضاً لا يمتلئ بخير إلا بالمعرفة والعلوم.
في قضايا التعليم والطفولة والنزاعات دائماً ما يذكر الإنسان بأنه خليفة ﷲ على الأرض وعليه السعي للعلم كسعيه للعمل فلا عمل جيد بلا تعليم جيد.
كيف ننجو من مستقبل بلا ندم ونحن نرى في حاضره آباء وأمهات تنظر إلى ما تصنعه الأيام بأطفالهم وهم في عمر الزهور؟
وكيف لنا أن نرمم الأمل من جديد في عيون صغار سورية في طفولة عنوانها اللجوء؟
وحبذا لو نفكر كيف سنذهب إلى زمن بأقل مقدار من الخيبة عما ذهب من عمر أطفالنا وهم في حاضر العمالة؟
فما هي الحلول اليوم لطريق علم أفضل لصغيرات سوريا وماذا نفعل؟