fbpx

أتراه سعد الحريري يخرج الزير من البير

0 319

ها هو ذا سعد الحريري يعود إلى رئاسة الوزارة للمرة الرابعة وبعد استقالات ثلاث سبقتها إذ بدأت الأولى بعد اغتيال والده بأربع سنوات وتسعة أشهر في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2009 بتكليف ثان من الرئيس ميشيل سليمان بعد فشل التكليف الأول الذي كان في تموز من العام نفسه.. ومنذ ذلك الحين، أيضاً، أخذت الأوضاع اللبنانية تتردى، وأخذ سعد الحريري ينوس بين السعودية من جهة، وشيعة إيران قتلة والده من جهة ثانية، واستمر الأمر عشر سنوات كاملة وصلت خلالها الأوضاع اللبنانية إلى الحضيض ما دفع الشعب اللبناني للنزول إلى الشارع في 17 تشرين الأول من عام 2019 ثائراً على أوضاع لم تعد تحتمل إذ أوصلتها الطغم الطائفية إلى حافة الهاوية على غير صعيد يأتي الاقتصاد ومرآته الليرة اللبنانية التي تعكس، على نحو أو آخر، في انخفاضها وارتفاعها حقيقة وتيرة صعود المؤشر الاقتصادي أو نزوله، وقد انخفضت الليرة اللبنانية إلى أدنى مستوى لها منذ الاستقلال إلى ذلك الوقت، ولا تزال مستمرة في الانحدار الذي لم يأت متدرجاً بل أتى في السنوات الخمس عشرة الأخيرة أي بدأت مع حادث اغتيال رجل الأعمال والسياسي رفيق الحريري..

خلقت الاحتجاجات أزمة سياسية عميقة فمنذ أن قدّم سعد الحريري استقالته من رئاسة مجلس الوزراء في 19 ديسمبر 2019، وبدا متجاوباً مع مطالب المحتجين بتشكيل حكومة من المتخصصين المستقلين. والأزمة لاتزال قائمة إذ إن بقية السياسيين ممثلي الطوائف ظلوا على مواقفهم لم يتزحزحوا عنها حتى الساعة. 

وإذا كانت هذه الطغم الطائفية، قبل اغتيال الحريري تنهب وتنمِّي، فإنها بعده، ومع تسلط “حزب الله” بما حققه من نصر إعلامي محلي في العام 2006، وعربي إلى حدِّ ما. مستغلاً ذلك “النصر الخلبي” بالتغطية على جريمة اغتيال الحريري.. والقول بأنه خلّبي لأنه انتهى إلى جلب قوات اليونيفيل التي منعت “المقاومة” من عبور الحدود أو القيام بإطلاق رصاصة واحدة وهذا ما حصل فعلاً. تماماً كما هو الحال مع اتفاقية فصل القوات السورية. وقد اقتصر نشاط المقاومة على إرهاب الناس فحسب، والمساهمة مع الآخرين بنهب الدولة اعتماداً على “الأتاوات” والعمولات (من خلال المركز الذي يحتله ممثل الطائفة أو الحزب ورأياه مناسباً لمصالحهما) ناهيك بالإتجار في الممنوعات كافة، وغسل الأموال الأمر الذي قاد لبنان، في السنوات الخمس الأخيرة إلى ما هو عليه الآن من أحوال لا يحسده عليها عدوه.. فقد افتقد اللبنانيون ضرورات الحياة الأساسية من ماء وكهرباء وصحة وتعليم وحتى جمع القمامة من الشوارع أعجز تلك الحكومات التي تتالت بعد اغتيال الحريري.. وحتى رغيف الخبز صار مهدداً، وربما يفتقد أو يغدو، بعد حين، صعب المنال، فلدى تفجير مرفأ بيروت في الرابع من شهر آب لهذا العام 2020 احترقت معه آلاف أطنان القمح.. كل ذلك جعل خروج الناس إلى الشارع يتجدد مع الشعار نفسه الذي ينم عن وعي ويدرك أن لا دولة في لبنان ولا مؤسسات وهي المعدودة بين البلاد العربية الأكثر حرية ولكنها حرية الطوائف وديمقراطيتها لا حرية الشعب إذ كشف التفجير عن عجز وإهمال واستهتار وفساد متجذر واستخفاف بحياة الناس ما أدى إلى استقالة رئيس الوزراء حسان دياب الذي جاء على أنه مستقل وأنه سيلبي رغبات الشارع، فشكل وزارة مصغرة أطلق عليها وزارة كفاءات لا علاقة لها بالأحزاب السياسية، لكنها لم تر النور إلا بعد استشارات سياسية وافقت عليها الأغلبية من ممثلي الطوائف، بمن فيها الثنائي الشيعي طبعاً، وصدرت مراسيم تشكيلها في الحادي والعشرين من كانون الثاني/يناير لهذا العام 2020 أي بعد ثلاثة أشهر من نزول جماهير الشعب اللبناني إلى الشارع لكنها استقالت بعد تشكيلها بنحو سبعة أشهر في العاشر من شهر آب/أغسطس 2020 بعد أسبوع من تفجير المرفأ.. وأوحى الرئيس المستقيل حسان دياب في كلمة الاستقالة القصيرة بأن الأزمة عميقة ومتجذرة وهي عند حزب الله تحديداً ونظيره “بري”.

في 30 أغسطس 2020، رشّح تيار المستقبل الدبلوماسي مصطفى أديب عبد الواحد بينما كان يقوم بمهامه كسفير لبنان في ألمانيا. حظي أديب بدعم الأحزاب اللبنانية الكبرى، بما فيها حزب الله، حركة أمل، والتيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي، وكان المرشّح الوحيد للمنصب. وقد حظي بدعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضًا حتى قيل إنه مرشحه، وكان ماكرون قد قام بزيارة إلى لبنان من أجل محادثات بهدف إقامة إصلاحات ومعالجة المشاكل في البلاد وعلى رأسها الفساد. وفي 31 أغسطس 2020، سمّى 90 نائبًا من أصل 120 مصطفى أديب أمام الرئيس ميشال عون الذي أعلن تكليفه بتشكيل الحكومة اللبنانية بعد الاستشارات النيابية، وكان ذلك قبل ساعات قليلة من زيارة ماكرون الثانية إلى لبنان. وفي 26 سبتمبر 2020، أعلن مصطفى أديب اعتذاره عن تشكيل الحكومة، وجاء ذلك عقب لقاء الرئيس اللبناني ميشال عون في قصر بعبدا، وقال في كلمة متلفزة «مع وصول المجهود إلى مراحله الأخيرة تبين لي أن التوافق لم يعد قائماً وحرصاً مني على الوحدة الوطنية فإني أعتذر عن متابعة مهمة تشكيل الحكومة». وأوضح أديب «فور شروعي بالاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة أعلنت كتل سياسية عدة بأنها لن تسمي أحداً وأبلغت الجميع أني لست بصدد اقتراح أسماء قد تشكل استفزازًا لأي طرف»، مؤكدًا «اعتذاري يأتي بسبب عدم تلبية شروطي من الكتل السياسية بعدم تسييس التشكيل»

يتضح اليوم أن الحريري متفائل وقد التقى ميشيل عون رئيس الجمهورية وأخبره بإيجابية نتائج الاستشارات ولكن ما حصل كله يقول بأن هذا النظام الطائفي قد تهرّأ، وانتهى عمره، إذ هو وراء البلاء والمصائب كلها فما الذي ينتظره الشعب اللبناني اليوم غير البؤس والمزيد من الاحتقان.. صحيح أنَّ ثمة من يقول بأن أمريكا وراء دفع الحريري إلى القبول بالترشح.. وبالطبع حين تكون أمريكا تكون المملكة السعودية.. فهل الغاية انخراط لبنان في طبخة التطبيع إياها ومدخلها قضية ترسيم الحدود مع إسرائيل.؟

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني