آخر أيام بشار الأسد
بشار الأسد انتهى، وانتهى الوجود الإيراني في سوريا، وكذلك وجود حزب الله، هذه هي النتيجة التي يمكن قراءتها بمجرد رؤية الملف السوري في هذه اللحظات بصورة واقعية بعيدة عن نظرية المؤامرة، والتي تعتبر بحد ذاتها إشكالية معقدة، لأن نظرية المؤامرة وعبر التاريخ بقيت تحول دون القدرة على فهم الواقع بصورة موضوعية، لأنه وبمجرد الاستناد إلى نظرية المؤامرة، تصبح جميع الأمور تجري خارق السياق، وخارج نطاق القدرة البشرية على التأثير والفعل، وهذا منطق غير واقعي ولا يمكن من خلاله الوصول إلى نتائج دقيقة.
لماذا الآن:
مشكلة التمدد الإيراني في سوريا هي واحدة من أعقد المشاكل (الصامتة) التي تهيّج العقل الأمني على مستوى دول العالم، والتي تتطلب تعاملاً حذراً معها، فمسألة إدراك تأثير إيران على السلم العالمي لم يكن أمراً سهلاً، ومسألة كبح جماح إيران ومنعها من الاستمرار على ما هي فيه، يتطلب تعاملاً حذراً، وبغاية الدقة. فالخطر الإيراني يتجاوز مسألة التموضع داخل سوريا، ويتجاوز مسألة فتح الطريق أمام السلاح الإيراني عبر الطريق البري من طهران إلى بيروت وبلا رقيب، نحو واقع ظهر في السنوات الأخيرة، عندما تكشفت علاقة حزب الله (أداة إيران الشرق أوسطية) بالمافيا الدولية، والدور الإيراني من خلال دبلوماسيين إيرانيين يحاكمون الآن في أوروبا بتهم تتعلق بالاغتيالات لمعارضين إيرانيين، حيث يشتبه أن إيران تعاونت مع مافيا محلية لهذا الغرض.
هذه المسائل تتعلق بمفهوم الأمن في الغرب، ومفهوم قدسية الحريات، وتمادي الإيرانيين والقيام بمهمات قذرة على الأراضي الأوروبية، يضاف إلى ذلك دور حزب الله وعلاقته بالمافيا في أمريكا اللاتينية، وبالتالي مجمل هذه المسائل هي على الطاولة الآن، قبل الحديث عن التهديد الإيراني للملاحة في الخليج العربي ومدى تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي، ودور الحوثيين وتمددهم نحو مضيق باب المندب.
مع تمادي المليشيا التابعة لإيران في العراق، بات لزاماً على القوى الدولية الفاعلة أن تحد من هذه الظاهرة، والسبب أن إيران أسقطت فكرة الدولة في العراق، وسوريا ولبنان واليمن وغزة، بمعنى أن العالم لم يعد قادراً أن يتحمل هذا النوع من الفوضى على امتداد جغرافيا واسعة، يشكل الاستقرار فيها أحد أهم ركائز الاقتصاد العالمي.
إيران اليوم في الشرق الأوسط، وفي الممرات المائية، وفي أمريكا وأوروبا وغيرها من خلال خلاياها الأمنية، وما يعنيه ذلك أن الخطر الإيراني لا يختلف عن خطر القاعدة أو داعش، بل يزيد عليه.
لماذا سوريا الآن؟؟ الجواب لأن إسقاط الأسد هو أول خطوة لابدّ منها من أجل تفكيك خطر المشروع الإيراني على العالم أجمع، وهو عمل سهل، ويمر وفق القانون الدولي، وبالتالي هو بداية حل للمسألة السورية.
ما بعد بشار:
بما أن المعادلة هي أن تقويض المشروع الإيراني يبدأ من سوريا، فمسألة رحيل الأسد (عبر أي شكل) هي أفضل الطرق وأكثرها اختصاراً، لأن العالم لا يريد إحداث تغيير في السلوك الإيراني بشكل مباشر، فنحن لسنا أمام جزيرة غرينادا، وإنما أمام عالم متبدل، يميل إلى الحلول السياسية أطول فترة ممكنة، وبما أن إيران غير مستعدة للحوار رغم الضغوط الاقتصادية الهائلة عليها، فالخيارات تبدأ من سوريا، ولكننا نشاهد في نفس الوقت، أن العراق ولبنان، يمران بنفس الأزمات السياسية وبذات التعقيدات الاقتصادية، وهي التعقيدات التي بتنا نشاهدها في سوريا، في البيئة التي من المفروض أنها الداعم الأكبر للنظام، ويأتي ذلك كله أمام عجز الإيرانيين عن تقديم مزيد من الأموال للاستمرار بالسيطرة على طوابير المليشيا التي تبدأ من العراق وصولاً إلى سوريا ولبنان وغيرها.
الخيارات القادمة في سوريا واضحة وليست بذلك الغموض، فهناك مرحلة انتقالية، وهناك دستور بمعالم جديدة، لا يكون للروس فيها اليد الطويلة، وإنما هناك دور أممي قادم، وظيفته إعادة هيكلة سوريا الجديدة بعيداً عن أجواء الاحتقان الطائفي، وغير ذلك، وهي مهمات معقدة وصعبة، لكنها ليست مستحيلة، من هنا، يتوجب علينا رؤية واضحة للمشهد السوري، الذي أصبح في قلب المشهد السياسي العالمي، وبالتالي ما كان يقال حول تمدد النظام في الأشهر الأخيرة، والدعم الروسي والإيراني غير المحدود له، لم يكن ذلك ليعني أن المجتمع الدولي سيعيد النظر بهذا النظام ويعيد الاعتراف به من جديد. فالنظام كان يدرك أن هناك متغيرات سياسية قادمة سوف تسحق قمة الهرم، وبالتالي حاول تأخير هذه المسألة من خلال تلك الحرب، لكن ما لا يعيه النظام، أن الإدارة الامريكية في ظروفها الحالية، لا يمكن لها تأجيل هذا الملف إلى ما بعد الانتخابات الامريكية القادمة خلال أشهر، فالضربة لإيران ستبدأ برأس الأسد.
أخيراً يبقى أن نقول، دعوكم من توجيه الاتهامات لإسرائيل، فالنظام استمر لهذه السنوات لأمرين، الأول أن المعارضة عجزت عن صنع البديل، والثاني، أن العالم لم يكن يعرف حجم الخطر الإيراني على السلم العالمي.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”