fbpx

يوم الهجرة.. يوم السلام الإنساني

0 94

وتصادف هذا العام يوم السابع من تموز، حيث سيبدأ فيه العام 1446 هجرية.

وفي الخبر أن الولاة كتبوا لعمر بن الخطاب اجعل لنا تاريخاً نؤرخ به، فإننا لا ندري أول الزمان من آخره، فجمع عمر بن الخطاب الصحابة وتشاوروا فقال بعضهم نؤرخ بمولد الرسول وقال آخرون نؤرخ بمبعث الوحي، وقال قوم بل بمعركة بدر وقال آخرون بفتح مكة، وقال قوم بوفاة الرسول وانقطاع خبر السماء عن الأرض… وبعد نقاش طويل اختار عمر بن الخطاب يوم الهجرة كبداية للتاريخ الإسلامي.

كان يوم الهجرة أهم أيام الإسلام حيث انتقلت فيه الأمة من القرية إلى المدينة، ومن العشيرة إلى الدولة، ومن الفوضى إلى القانون.

ولكن أهم دلالات يوم الهجرة المباركة أن الرسول الكريم خاض خمس محاولات لبناء الدولة كانت أولاها في مكة حيث قاومتها قريش بكل ضراوة وشدة، وحاصرت النبي وأصحابه في شعب أبي طالب حتى مات خيار الصحابة، ثم كانت المحاولة الثانية في الحبشة وبدا أن الحبشة أرض لجوء أكثر مما هي أرض هجرة، ثم كانت المحاولة الثالثة في الطائف حيث هاجر بنفسه عليه السلام ولكنه لم يفلح في إقناعهم بالإسلام، بل إنهم كذبوه وصدوه ورموه بالحجارة حتى سال الدم من رأسه إلى أخمص قدميه، وكانت الرابعة في الحيرة حيث فاوض أهلها على حماية الإسلام وكان فيهم هانئ بن قبيصة ومفروق بن عمرو والمثنى بن حارثة الشيباني، ولم تنجح المحاولة حيث اعتذر أهل الحيرة، وكانت المحاولة الخامسة إلى يثرب حيث خطط لها الرسول الكريم على مدى ثلاث سنوات متتالية وتوجت ببيعة العقبة الثانية ثم بدأ الناس يهاجرون إلى المدينة فرادى، حتى اكتملت الهجرة بخروج النبي وصاحبه أبي بكر وكان ذلك في مطلع شهر ربيع الأول وقد استغرقت الرحلة اثني عشر يوماً من بيت أبي بكر إلى غار ثور إلى خيمة أم معبد إلى قباء وصولاً إلى المدينة المنورة حيث استقبل بمهرجان جميل خلده التاريخ.

إن كل الذين كتبوا في السيرة من مسلمين وغير مسلمين، من منصفين وغير منصفين دون استثناء ذكروا أن المحاولات الخمسة التي قام بها الرسول كانت سلمية بالكامل ولم يستخدم فيها الرسول الكريم أي سلاح، ولا حتى سكين مطبخ!.

ولا أشك أنه لو لم تنجح المحاولة الخامسة لأمضى الرسول عشرين محاولة أخرى دون أن يريق قطرة دم واحدة حتى ينجح في تحقيق الدولة دون دماء.

بعد ذلك بالطبع حين صار النبي الكريم قائد الدولة كان عليه إذن أن يواجه مسؤولياته في حماية المدينة وهناك أسس الجيش، فالجيش جاء بعد قيام الدولة وليس قبلها، والدولة هي التي تأتي بالجيش وليس الجيش من يأتي ببناء الدولة.

وفي وعي لافت لم يشأ أن يدخل المدينة أرض هجرته بعرض عسكري أو حربي، أو طبول ودروع وسيوف، لقد دخل بطريقة أخرى تماماً، وأقام في قباء أربعة أيام يرتب أمر دخوله، وحين دخل كانت صبايا المدينة تلبسن المعصفر من الثياب وتحملن الدفوف والمزهر ويغنين مع الفراشات والزهور طلع البدر علينا من ثنيات الوداع، وجب الشكر علينا ما دعا لله داع.

أين هذا الوعي النبوي من طيش الجماعات الجهادية التي شهدتها الساحة السورية المعذبة في العشرية السوداء، حين كانوا يدخلون الرقة والموصل والدير برايات سوداء، ثم ينصبون رؤوس مخالفيهم على أسوار المدينة ويكتبون فوق مصارعهم: خلافة على منهاج النبوة!!!

من أراد منهاج النبوة فهو رسالة سلم وحب، ورحمة ووئام، لقد رأى مصارع أحبائه وأصحابه في مكة ياسر بن مالك وأبا طالب وسمية بنت خياط وزنيرة وغيرهن، وعا مع أصحابه حجيم المعتقلات القرشية في شعب أبي طالب، ولكنه لم يشأ أبداً أن يستخدم أي سلاح في مواجهة خصومه، وكان قادراً أن يرسل الفدائيين من أصحابه ليبعجوا بطون خصومه… ولكنه لم يفعل أبداً، وكان يعلّم أصحابه أن ما جاء بالسيف فبالسيف يزول، وما جاء بالحب تزول الدنيا ولا يزول.

بقي أن نقول إن التأريخ بالهجرة يعتمد السنة القمرية، ومع أن الهجرة وقعت في شهر ربيع ولكن التأريخ بدا من مطلع السنة في محرم، حيث كانت العرب تعتبر موسم الحج انتهاء سنة راحلة وابتداء سنة جديدة.

ومن المدهش أن رسالة السلم الغامرة التي بشر بها الرسول جاءت في عصر كان يمجد الحرب والغزو، ويعتبر الرزق في ظل السيف من أعظم المكاسب، وقد حاول حكماء العرب فعل شيء لوقف الحرب فلم ينجحوا فنادوا بحرمة الأشهر الحرم الأربعة ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وهي موسم الحج ورجب الفرد وهو موسم العمرة، ومن المؤلم أن العرب كانت تمجد الحرب وفي مطالع المعلقات التي هي أعظم قصائد العرب في المجد فإنها كانت في كثير من أبياتها سجلات جرائم يباهي فيها الشاعر بما صنع من الغزو والقتال والسبي، وعلى الرغم من بؤس المعنى الإنساني في أكثر هذه المعلقات، ولكن نزعة العنف الطاغية جعلتهم يندفعون إلى تمجيد هذا الشعر على الرغم من سقوطه الأخلاقي بل إنهم كانوا يعلقونه على جدار الكعبة! وهكذا كانت رسالة الإسلام في إيقاظ السلم ووقف الحرب رسالة صعبة ومريرة.

قال لي روبرت كراين ذات يوم وهو مستشرق أمريكي دخل في الإسلام عن بصيرة، وقال لي: لو لم يكن من دلائل النبوة غير أن الرسول نجح في هداية قريش لكفى، لقد كانت قريش أشد الناس عبادة للعنف والسلاح، فألزمهم كلمة التقوى، يقول كراين: ولا أشك أبداً أن الدين الذي نجح في إصلاح أهل مكة ببؤسهم وجاهليتهم قادر أن يصلح كل الأمم.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني