fbpx

واقع المرأة السورية في ظل الحرب

0 667

مضت سنواتً عدّةٌ على اندلاع الحرب في سورية ، اشتدَّ سعيرها حاصدةً مئات الآلاف من الأرواح ، مخلّفةً الدّمار في البنى التحتيّة .

لقد حوّلتِ الحرب المشتعلة في سورية المجتمع السّوري إلى مجتمعٍ يضجُّ بنساء متروكاتٍ يدفعنَ ثمناً مُرّاً ، يسحبنَ ذيول القهر والحرمان والفقد ، فهنَّ إمّا ثكالى أو أرامل أو يتامى أو عوانس .

باتتِ المدن السورية مدناً بلا رجال ، فالرجال هم حطب المحرقة بسبب الاعتقال التعسفيّ من جهةٍ ، أو التجنيد الإجباريّ من جهةٍ أخرى ، ناهيك عن تفضيل الكثير من الرجال خيار السفر أو الهروب على الانخراط في حربٍ ضروسٍ غير معروفٍ متى تضعُ أوزارها .

فقدتِ الكثيرُ من الأسرمُعيلها ، ممّا اضطرّ المرأة السوريّة لأخذ دور المعيل ، ووقعت في حالةٍ معقّدةٍ نفسيّاً وقانونيّاً .

انخرطت في ميادين العمل وعملت بأعمال غير سهلة متحدّية ظروف الحرب والأوضاع الاقتصاديّة الصّعبة . تنوّعت أعمالها ، والغالبيّة منها تفوق طاقتها وتكوينها الجسمانيّ . كان قطاع الدّفاع المدنيّ (كإنقاذ الجرحى والمصابين) أحد القطاعات التي شهدت تواجداً واضحاً للمرأة السورية ، كما عملت في القطاع الطّبيّ والتعليميّ وقطاع المنظمات ، فانضمت للمجالس المحليّة ، ولاسيما في الشمال السوري المحرر .

     تعتبر النساء من أكثر الشرائح السوريّة تضرّراً في الحرب الدائرة التي لم يسلم من ويلاتها أحدٌ ، حيثُ كابدت الظروف الاقتصاديّة الصّعبة وتعرضت في سوق العمل إلى الاستغلال كقلّة الأجور ومحدوديّة فرص العمل ، وقدعملت لساعات طويلة تاركةً أبناءها وحدهم منشغلة بتأمين لقمة العيش عن رعايتهم والاهتمام بهم ، كما اضطرت في كثير من الأحيان مرغمة على قبول المساعدات التي توزعها المنظمات .

 إذن خرجت النساء السوريّات إلى سوق العمل بشكلٍ لم يعتده المجتمع السوريّ من قبل ، فبات من المألوف رؤية نساء خلف مقود سيّارات الأجرة ، أو أن يقدمن المشروبات في المقاهي سواء في مناطقهنّ أو في الأماكن التي نزحنَ إليها .

    ورغم كل ذلك استوعبت المرأة السّوريّة التغييرات التي طالت مجتمعها في زمن الحرب ولم تستسلم أمام هذه الظروف المريرة القاسية ، بل تحمّلت الكثير من المصاعب لحماية عائلتها ومؤازرتها والعمل على جبر الكسر الذي خلّفه غياب الأب أو المُعيل ، متحدّية نظرة المجتمع الذكوريّ لها .

    تعدّ تجربة النزوح تجربة قاسية ومؤلمة ركبت موجتها النساء السّوريّات علّهنّ يبعدن عنهنّ مخاوف فقدان أولادهنّ فواجهن في نزوحهنّ مصاعب شتّى طالت جميع النواحي (اقتصاديّة – اجتماعيّة – نفسيّة) لكنّ المرأة السّوريّة أثبتتْ قدرة فائقةً على التأقلم مع ظروف الحرب بالعمل والصّبر والاندفاع نحو تعلّم حرفٍ من خلال دورات التأهيل المهنيّ .

    إنّ تعرّض النساء للاعتقال والتهديد والتعذيب والعنف الجنسيّ على أيدي قوات النظام السوريّ والجماعات المتطرفة كـ(داعش) أفقدهنَّ الإحساس بالأمان والسّكينة والمودة ودفع بعضهنّ للفرار وأجبر البعض الآخر منهنّ على الزواج المبكر فظهر ما يعرف بزواج القاصرات ، وأُدخلت أخريات منهنّ إلى مراكز إيواءٍ ذات العيش المشترك فحرمنَ بذلك من أبسط حقوقهنّ في الاستقلاليّة .

    لايمكننا إنكار حقيقة أنّ تمكين المرأة السّوريّة في زمن الحرب واللّجوء يبدأ بتكثيف دورات الدّعم النفسيّ ، ووضع خطط لزيادة الدّخل ، وتأسيس منظّمات لمجتمع مدنيّ حقيقيّ تقوم بتوعية المرأة السوريّة بحقوقها ، وتمكينها سياسيّاً لتأخذ مكاناً في مراكز صنع القرار على المستويين المحليّ والدّوليّ (حيثُ إنّ تمثيل المرأة في العمل السياسيّ محدود للغاية) .

       إنّ المتأمل اليوم لواقع سوريّة يدرك كمْ تحتاج المرأة السّوريّة إلى منبرٍ تستطيع من خلاله إيصال صوتها ومعاناتها للمشكلات التي تواجهها ، فهنّ حائراتٌ هائماتٌ يدفعنَ ثمن حربٍ ضروسٍ .   

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني