هواجس ومخاوف مشروعة لدى السوريين حول قدرة هيئة تحرير الشام السيطرة على المشهد السياسي السوري
أحاول المشاركة بإبداء الرأي، وأنا المتابع الجدّي للمتغيرات التي طرأت على بنية هذا التنظيم في السنوات الاخيرة، وكيف تربّع على سدة القرار في المشهد السوري اليوم!.
السياسة تتبع التحولات العميقة التي تحدث في المجتمعات، وغالباً لا تصنعها، وعندما تتجسد هذه التحولات على الأرض واقعاً مفروضاً، تحاول الدول المعنية والمتأثرة بارتداداتها، تطويعها حسب مصالحها.
تحدّثت بالتفصيل بمنشور سابق حول البيئة المناسبة لظهور الجماعات الجهادية، التي تحمل الفكر الديني السلفي المغلق، والمتمثلة بالدول (المفككة والمتداعية) التي تعبث بها الحروب ومصالح المتربصين، وخير مثال على ذلك: ظهور ونشأة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” وجبهة النصرة التي تحوّلت إلى مسمّى جديد هو هيئة تحرير الشام، (هناك بالتأكيد جماعات أخرى لكنها تلاشت أو ذابت ضمن هذين التنظيمين).
ونتيجة لتسارع الأحداث وتدحرجها، يكون تركيزنا اليوم على سوريا، ولندع العراق (المؤجّل)، والذي ستصله كرة الثلج قريباً!.
لنتفق أولاً، إن داعش والنصرة، ما كان لهما أن يتجسدا واقعاً في سوريا لولا أمرين:
– تفكك الدولة السورية بعد انطلاقة الثورة.
– دعم كبير من جهات دولية.
لنعد بالحديث عن الاحتلالات في سوريا:
– تركيا التي تراقب وتساهم بترتيب البيت الداخلي السوري لضمان مصالحها، في بلد يجاورها غبر حدود تمتد إلى ما ينوف عن تسعمائة كيلومتر، وتتهيأ لسحب قواتها العسكرية لحظة اطمئنانها.
– إيران ومشروعها الفارسي الذي تحطم على صخرة العناد السوري والثورة، وانكفأ نحو العراق.
– روسيا التي جاءت تبحث لها عن موطئ قدم في المتوسط، بدأت بسحب أسطولها البحري والعسكري البارحة من قواعدها في سوريا.
يتبقى لدينا مربط الفرس: الولايات المتحدة الأمريكية! فهي من أهم الدول المتدخلة والمعنية بما يحدث في سوريا، يقودها بالدرجة الأولى حرصها على ذراعها العسكري المتقدم في المنطقة، وأعني إسرائيل ومصالحها.
إسرائيل، وعلى مدار الأربعة عشر عاماً السابقة، شاركت بشكل مباشر بكل ما حدث ويحدث في سوريا، أقصد: أن تكون سوريا دولة مفككة ومتهالكة بقصد إضعافها عسكرياً واقتصادياً عبر استنزاف الجيش وإشغال السوريين بحرب مستدامة، لذلك كان من مصلحتها ظهور هذه التنظيمات الراديكالية لخلط الأوراق والمساهمة بتدمير البنى الاجتماعية وتفكيكها.
لنتفق أولاً:
إن كل ذلك ما كان ليحدث لولا مباركة النظام السوري ودعمه الكلّي والمخابراتي المتمثّل بإطلاق سراح الآلاف من حملة هذا الفكر من سجونه ومعتقلاته في بداية الثورة، هؤلاء الأشخاص الذين شكلوا نواة هذا المشروع الديني السياسي بالاتفاق والتنسيق مع المالكي في العراق، والذي قام بنفس الفعل تماماً.
اليوم هو يوم آخر مختلف، سقط النظام وخرجت إيران وروسيا، وتركيا تتهيأ!
الواقع السوري يشهد تبدلات عميقة تميل نحو الاستقرار ورسم خرائط سياسية جديدة وانفتاحاً على العالم، واقعاً طارداً للفكر السلفي والديني المغلق. بعد أن كان جاذباً له في مرحلة سابقة.
العودة للسؤال حول الهواجس التي تدور في مخيلة الكثير من السوريين اليوم، حول مستقبل هيئة تحرير الشام، وإمكانية هيمنتها على المشهد السياسي والعسكري في سوريا، تشاركهم هذه المخاوف الكثير من الدول الإقليمية، أقول:
من الواضح لكل مراقب أن الهيئة وعلى (الجانب الإيديولوجي)، شهدت تحولاً جوهرياً وعميقاً في السنوات الأخيرة، هذا التبدل، رعته وساهمت به دول كثيرة!.
أنا شخصياً لا أعول بتفاؤلي فقط على هذا التبدّل، بل على الفكرة التي تقول إن هذه التنظيمات الراديكالية والتي خلقتها الأنظمة لتدير مصالحها عبر ضبط سلوكها وتوجيه أدائها في زمن سابق، وبعد سقوط النظام وخروج إيران وروسيا، لم يعد بالنسبة لإسرائيل وأمريكا أي مبرر لوجودها بعد أن فقدت داعميها، وليس من مصلحة أي دولة اليوم أن تكون سورية بيئة خصبة لنشوء مثل هذا الفكر وإعادة تدويره من جديد.
ومن السذاجة القول إن سوريا التي تتخلق اليوم كمضغة، والتي حطمت الاستبداد والحكم الشمولي بعد هذه التضحيات العظيمة، تقبل بتكرار هذه التجربة مرة أخرى وترضخ لحكم (الحزب القائد للدولة والمجتمع)!.
كل ما أوردته هنا في هذا الإسهاب والتفصيل، فقط لأقول إن تفاؤلي ليس مجرد أمانٍ ورغبات، بل يتكئ على حقائق تجسًدت على الأرض لفترة طويلة، وباتت واقعاً يحيط بنا من كل جانب.
وانا متفائلة ايضا بالمرحلة المقبلة اذا ضمنت المرحلة الانتقالية كل مكونات الشعب السوري المتنوع وتكون الحكومة حكومة تكنوقراط تنتخب من قبل الشعب وبارادته لان الشعب السوري اصبح على درجة من الوعي وفهم الواقع بعد سنين المعاناة والالم