fbpx

هل يعيد حزب الله.. سيناريو 2006

0 319

ما الذي يريده حزب الله من التصعيد الذي بدأه الأسبوع الماضي ثم توقف عنه إذ كان قد أرسل عدة عناصر بهدف التسلل إلى داخل الأراضي المحتلة للقيام بعملية لم يكشف عنها، لكنها، فيما بدا، شبيهة إلى حد بعيد بما نفذه عام 2006 وأدى إلى تلك الحرب التي قادت لتدمير الجنوب اللبناني بالكامل إضافة إلى مئات القتلى وآلاف الجرحى..!

وإذا كانت أسباب تلك الحرب أسر جنديين إسرائيليين والهدف المعلن آنذاك هو تحرير عدد من أسرى حزب الله في السجون الإسرائيلية من بينهم سمير القنطار (اغتيل في مدينة دمشق (جرمانا) أواخر عام 2015) بينما السبب الحقيقي تأكيد الحزب حزباً للمقاومة لذر الرماد في العيون، والتغطية على حادث اغتيال رفيق الحريري الذي اتهم فيها حزب الله منذ الأيام الأولى، وأخذت أخذت الجريمة أبعادها السياسية العالمية، وأحيلت إلى محكمة العدل الدولية، وبرزت أسماء المتهمين الأربعة من عناصر حزب الله لم يجد الحزب غير أن يقوم بعملية يشد الأنظار إليه ويذكر بمآثره كحزب للمقاومة فأرسل حينذاك عدة جنود في الثاني عشر من تموز/ يوليو 2006 للقيام بعملية أطلق عليها اسم “الوعد الصادق” وأسر خلالها جنديين إسرائيليين، لكن إسرائيل اقتحمت الجدار الحدودي داخلة الأراضي اللبنانية، وكان حزب الله على استعداد لمجابهة العدوان فتكبد الإسرائيليون خسائر فادحة لكنَّ الجنوب اللبناني تدمر بالكامل، وتكفلت، حينئذ، دولة قطر ببناء ما تهدم.. لكن أيادي حزب الله تكبلت بالقوات الدولية..

وقد أظهر حسن نصر الله ندمه، فيما بعد، على فعلته “فلو يعرف أن ما قام به جنوده من أسر وقتل عدد من الجنود الإسرائيليين سيشعل تلك الحرب، لما كان قد أقدم عليه..” 

اليوم يعلم حزب الله جيداً أن الوضع مختلف، وإن كانت في العمق الأسباب واحدة تقريباً، إذ تحدَّى ومعه التيار الحر استقالة سعد الحريري، وتياره السياسي بمذهبه السني، ولم يذهبا إلى حل يستوعب الجماهير اللبنانية التي انتفضت احتجاجاً على أوضاع لبنان المتردية، بل ذهبا في نوع من المزايدة البائسة إلى تشكيل حكومة مشتركة فيما بينهما، علماً أن لبنان يحكمه ذلك الشكل الطائفي الذي ترسَّخ أواخر العام 1989 فيما سمي بـ: “اتفاق الطائف” الذي نص فيما نص عليه: أن تهيأ الظروف للانتقال إلى الديمقراطية، وإنهاء نظام المحاصصة الطائفية. لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، فخرج الشعب اللبناني إلى الشارع رافعاً شعار “كلن يعني كلن” ويقصد الطبقة السياسية الجاثمة على صدر الشعب اللبناني تنهب حتى لقمته ما جعل البلاد تؤول إلى الخراب على غير صعيد، فانهارت العملة اللبنانية وعجزت حكومة التحدي المشكلة ظاهرياً من المستقلين، وحقيقة من الموالين لحزب الله، وبالتالي للتيار الوطني الحر، عن مواجهة الشعب وتلبية حاجاته، ولم تعد تنفع العنتريات الفارغة، فما يحتاجه لبنان إجراء مصالحة مع الذات، ومع العالم، للوقوف في وجه الانهيار الشامل الذي يمرُّ به.. فلا يمكن لمن تسبب في خرابه وجلب له عداوة العالم إضافة إلى جرائمه التي طالت أفضل الشخصيات اللبنانية من سياسيين ومفكرين وصحفيين وهدد في العام 2008 لبنان كله إذ نشر قواته في بيروت بسبب إرادته في السيطرة على المطار والاتصالات وتبين، فيما بعد، أن الهدف من ذلك هو تهريب السلاح والمخدرات وما شابه ذلك.. 

وعلى الرغم من كل ذلك يأتي اليوم ليمثل المسرحية ذاتها..! لكنه، وفيما ظهر، أدرك في اللحظة الأخيرة أن الزمن تغير وتكرير الكذبة ثانية تعدُّ مهزلة لا لأنه اعتذر عن عمليته الأولى عام 2006 ولا لأن تلك العملية أدت إلى وضع قوات دولية في منطقة تفصل بينه وبين إسرائيل بل لأن عملية مشابهة لما حصل في العام 2006 لن تخرجه من المأزق بل قد تشكل سبباً مباشراً للفتك به وبلبنان بالكامل فالواقع اليوم يقول ما يلي:

أولاً: إن إيران (التي يتبع لها حزب الله ويقاتل تحت راية “الولي الفقيه”) في مأزق حرج (داخلي وخارجي) لعله الأسوأ منذ بدء الثورة الإسلامية وإلى الآن، فهي تعاني مشكلات جمة على صعيد السياسة والاقتصاد والمجتمع، وإذا كان وباء “كورونا” قد خفف ضغط الشعبين في لبنان والعراق على عملائها فهو قد ضاعف من أزمتها الاقتصادية وتبعاتها على الشعب الإيراني الذي هو، بطبيعة الحال، يتقلب على صفيح ساخن..

ثانياً: إن البلدان (لبنان، العراق، سورية، اليمن) التي تحالفت مع إيران أو دخلتها إيران عنوة ثم زعمت أنها في إطار ممالكها القديمة تعاني المشكلات ذاتها، وتعجز حكوماتها عن توفير أبسط الضرورات لحياة الإنسان فلا كهرباء ولا ماء ولا غاز منزلي إضافة إلى البطالة الصريحة والمقنعة وانخفضت الليرة اللبنانية أمام الدولار إلى أرقام خيالية ما فاقم الفقر وأتى بمشكلات أشد فتكاً بالمجتمع اللبناني..

ثالثاً: إن حزب الله منشغل منذ العام 2013 في سورية على أساس أن الطريق إلى القدس يمر عبر دمشق.. ولذلك هو غير جاهز أبداً.. ولو كان قادراً بالفعل لرد على الضربات الإسرائيلية المستمرة منذ سنوات على مواقع له ولإيران في سورية.. وتعلن إيران أن المعنيين في الرد هم الذين يقع العدوان على أراضيهم..! أما هؤلاء فردهم ثابت على مرّ الزمن وهو انتظار الزمان والمكان المناسبين إذ لا يقبلون بأن تفرض عليهم معركة في غير أوانها..

رابعاً: الأهم منذ لك كله أن إسرائيل هددت بضربة لا تبقي ولا تذر ولذلك تراه، أي: حزب الله قد لملم نفسه ولاذ بصمت مطبق حتى إن أجهزة إعلامه وأدواته التي كانت قبل أيام تخرج على الفضائيات وتوحي للمواطن العربي بأن إسرائيل ترتجف خوفاً ورعباً مما قد يفعله الحزب بها، إذ كيف لإسرائيل (بحسب هؤلاء) أن ترد على ألف صاروخ دفعة واحدة..! فعلاً إن حبل الكذب قصير لكنه عند حزب الله وتيارات المقاومة بأشكالها كافة أقصر مما يخطر ببال إنسان إن أخطر شيء يفعله السياسي هو تضليل الناس ويبدو أن هذه هي وظيفة حزب الله وحلفائه أجمعين..!

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني