fbpx

هل نجحت زيارة نتنياهو بتغيير قواعد الاشتباك الأمريكية على الجبهة الشمالية مع حزب الله؟

0 57

هل سقطت – مع خسارة بايدن السباق إلى البيت الأبيض، وعجزه السياسي عن فرض شروطه على حكومة الحرب اليمينية الصهيونية – الخطوط الحمراء الأمريكية التي حددت سقف الصراع بين “حزب الله” و”الحكومة الإسرائيلية”؟

أوّلاً: في حيثيات، وعوامل سياق مجزرة “مجدل شمس”:

عدم وصول الحرب الإسرائيلية العدوانية إلى نهايتها المرجوّة لأيّ من أطرافها الرئيسيين – حركة حماس، وحكومة الحرب الصهيونية والإدارة الديمقراطية الأمريكية، واستمرار ما يترتّب على تواصل المعارك من عواقب على جبهات الحرب الثلاث، قطاع غزة، ورفح، وجنوب لبنان!!

أين العامل الرئيسي في عدم وصول الحرب إلى خواتيمها؟

في مواجهة تحدّيات هجوم طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية العدوانية اللاحقة، سعت إدارة بايدن لتحقيق حزمة من الأهداف السياسية، ارتبطت مباشرة برؤية الولايات المتّحدة لشروط تقدّم خطوات مشروع التطبيع الإقليمي الذي أطلقته الإدارة الديمقراطية في مطلع 2020، تعوّل على نتائجه لإعادة هندسة شبكة علاقات سيطرتها الإقليمية في سياق توافقي، ينهي او يجمّد أسباب الصراعات السابقة بين أصحاب مشاريع السيطرة الإقليمية الرئيسية – أنظمة السعودية وإيران و”إسرائيل” – ويفتح صفحة جديدة لبناء علاقات طبيعية بين الجميع، تشكّل في هياكلها السياسية والتنظيمية، وعلاقتها الاقتصادية البينيّة ومع شركاء الولايات المتّحدة الدوليين، أنجع نماذج السيطرة الإقليمية والعالمية التشاركية للولايات المتحدة، وأفضل آليات مواجهة تحدّيات محتملة في العلاقات الدولية، خاصة مع روسيا.

في ضوء عوامل السياق الإقليمي، نفهم دوافع تمحور سياسات وجهود إدارة بايدن، في مواجهة عواقب الهجوم والحرب، على هدفين رئيسيين:

1- منع انتشار النزاع إقليميّا، سواء عبر حرب مباشرة بين “إسرائيل” و”إيران”، أو حرب شاملة ضد حزب الله، لما قد ينتج عنهما من مخاطر مؤكدة، قد تؤدّي على المدى القريب والمتوسط إلى تقويض جهود وخطوات مشروع التطبيع الإقليمي الذي تشّكل “إسرائيل” والنظام الايراني، بالإضافة إلى السعودية، مرتكزاته الرئيسية!.

2- تفهّم المبررات الإسرائيلية العدوانية لغزو القطاع، وتقديم كلّ أشكال الدعم، بشرط عدم غزو رفح، حرصا على بقاء حماس (توافقا مع مصالح النظام الإيراني)، ودور سياسي لحماس – يشكّل عاملاً رئيسياً في استمرار لعبة “التسوية السياسية الفلسطينية” التي يشترط النظام السعودي وصولها إلى نتيجة ما للتغطية على خطوات التطبيع مع “إسرائيل”!!

خلال أشهر الحرب المميتة، نجحت جهود بايدن على صعيد منع حرب مباشرة مع إيران، وحصر سقف الاشتباك القائم مع حزب الله، دون أن تنجح في وقف الحرب وكبح جماح حكومة اليمين تجاه رفح، وسعيها لتفكيك حماس، وإنهاء دورها السياسي، في سياق إسقاط مؤسسات السلطة الفلسطينية، وبالتالي إنهاء ملف التسوية وما نتج عنه من وقائع بعد 1993 لمصلحة قضية الشعب الفلسطيني المركزية – بناء مؤسسات دولة وطنية موحّدة على القطاع والضفة والقدس الشرقية!

هذا العامل الأمريكي يفسّر أيضا عدم قدرة حكومة الحرب على حسمها لصالح أهدافها رغم تفوقها العسكري النوعي، وتحويلها إلى حرب “استنزاف” طوية الأمد، علّها تحقق أهدافها المرجوة بشكل تدريجي![1].

ثانياً: أحاول رصد السيناريوهات المحتملة في تجيير سياسات حكومة الحرب اليمينية لدماء أطفال “ملعب” مجدل شمس، وفي ضوء حيثيات الحدث المحزن، خاصة وجود رئيس حكومة العدو في زيارة غير عادية لواشنطن، حددت طبيعتها الاستثنائية عوامل سياق الحرب الإسرائيلية المدمّرة على القطاع وما ظهر من تناقض في المصالح والسياسات بين الشريكين حول سبل مواجهة عواقب الحرب، وآليات وضع حد لها!.

الاتهام السياسي الذي وجّهه نتنياهو بعد الهجوم الغادر على مجدل شمس لحزب الله من واشنطن يُعطي مؤشّرات مهمّة حول الطريقة التي يحاول فيها رئيس حكومة الحرب استثمار الجريمة.

السيناريو الأوّل، يعتمد على فرضية نجاح حملة نتنياهو السياسية والدبلوماسية في واشنطن قبل حصول الجريمة برفع الخط الأحمر الذي وضعته إدارة بايدن على خطط إسرائيلية مبيّتة لغزو لبنان، وبالتالي، من الطبيعي أن يجد في الجريمة فرصة ذهبية، سواء كان له يد في ارتكابها، تهيئة لمسرح الحرب، أم حصلت جرّاء صدفة سيئة، وخطأ في حساب طرف آخر!

إذا صحّت فرضية المقدّمة والاستنتاج، من الطبيعي توقّع تسخين كبير في حرارة الحرب مع حزب الله، وتوقّع كلّ المسارات الممكنة في نزال حاسم بين العدوين اللدودين، سيتحمّل عواقبه المميتة أنصار وأعضاء وجمهور الحزب بالدرجة الأولى، كما سكان الجنوب، وجميع المقيمين على التراب اللبناني، وقد يصل بأزمة النظام السياسي اللبناني إلى مآلات تشبه ما بعد غزو بيروت، 1982، وسيناريو وصول الراحل “بشير الجميل” إلى كرسي بعبدا!

السيناريو الثاني، يفترض عدم نجاح زيارة نتنياهو إلى واشنطن في تغيير قواعد الاشتباك التي وضعها بايدن، وحماها، بأوراق الترغيب والترهيب التي تمتلكها بلاده. هنا نكون أمام حالة ردّة فعل عدوانية انتقامية، يحدّد سقف أهدافها الإسرائيلية قواعد الاشتباك القائمة، كما ردّات فعل الحزب، ويستمر الصراع تحت سقف الخطوط الحمر الأمريكية، ويدفع المدنيون في كلا الجانبين أثماناً خاصة، لهذه الجولة الخاصّة!!.

بكل الأحوال، من الطبيعي أن يحاول طرفي الصراع تسجيل نقاط داخلية، تعزز أوراق قوّتهما المتآكلة بسبب استمرار معارك الحرب الجارية، وما تخلّفه من خسائر باتت عبئاً ثقيلاً على الرصيد السياسي الداخلي، وعجز الطرفين عن وضع حد لها بفعل تعقيدات الحرب على القطاع ورفح!!

التساؤل المحيّر الذي يخطر ببال الجميع:

إلى متى ستستمر حالة الاشتباك القائمة طيلة عقود؟ لماذا يحرص أطرافها على بقاء الصراع في حالة “اللاحرب واللا سلم”، رغم حقيقة أنّ الجميع يدفع أثمانها الباهظة؟

إذا كان ثمّة عدّة عوامل في استمرار حالة النزيف القائمة، فأيّ منها هو “المُتحكّم”، وكيف يمكن معرفة طبيعته في مصالح وسياسات الدولة الأقوى، القادرة على حسم الخَيار ات -صاحبة أكبر وقوى مشروع سيطرة إقليمية؟

السلام لأروح الضحايا، والقصاص العادل من قتلة الأطفال، وسارقي أحلام شعوب المنطقة بالسلام، وبحياة إنسانية كريمة!


[1]– مع اقتراب الحرب من نهايتها، ووفقاً لموازين قوى الحرب، تستطيع حكومة الحرب اليمينية الصهيونية دون تردد مواصلة الحرب من أجل تحقيق أهدافها المعلنة: القضاء على “حماس”، عسكرياً وسلطوياً؛ تحرير ما يمكن من المخطوفين؛ خلق وضع جديد في غزة يمنع تحوُّل القطاع إلى قاعدة للهجوم على إسرائيل، مستقبلاً..”

هي استراتيجية حكومة اليمين، وترى أنّه على إسرائيل، بعد استنفاد فرص تحقيق صفقة لتحرير المخطوفين، أن تسعى للقضاء على “حماس”، عسكرياً وسلطوياً، بكل ما أوتيت من قوة، عبر الاستمرار في توجيه قوات كبيرة من أجل استكمال مهمة معالجة البنى التحتية لـ “حماس”، واستبدال سلطتها بحكم عسكري إسرائيلي، كمرحلة أولى، يوفّر شروط نقل الصلاحيات إلى أطراف فلسطينية لا علاقة لها بحماس، وإلى إدارة دولية – عربية موقتة تهتم بمسألة إعادة إعمار القطاع..

مشكلة هذه الاستراتيجية تكمن في أنّ إمكان تطبيقها يستحيل من دون أن تُلحق ضرراً بالعلاقات مع الولايات المتحدة وبالتالي “شرعية إسرائيل في المجتمع الدولي”.

يبدو جليّاً أنّ العقبة الرئيسية هي سياسية، ترتبط بمصالح وسياسات الولايات المتّحدة الإقليمية المختلفة. المغزى الأمريكي الفعلي لاستراتيجية بايدن هو الإبقاء على “حماس” بصفتها القوة المسيطِرة في غزة، والتنازل عن المسعى لمنع تعاظُم قوتها من جديد، وكذلك فكرة محاربة الأصولية، في توافق تام مع مصالح النظام الإيراني، وجزئي مع رغبة السعودية في التوصّل إلى تسوية سياسية عبر حكومة “وحدة وطنية”، وهي تتعلّق بمجملها بمصلحة واشنطن المرتبطة بأجندات مشروع التطبيع الإقليمي.

استراتيجية نهاية الحرب التي تريدها واشنطن هي التوصّل إلى “هدنة “مؤقتة، وفقاً لشروط حماس، تتضمّن تحرير المخطوفين، ووقف الحرب، وخروج الجيش من غزة في أقرب وقت ممكن، وهي الاستراتيجية التي ستؤدي، وفقاً للمؤيدين لها، (تتبناها عائلات المخطوفين، ومحللون كبار، وأطراف في اليسار الإسرائيلي، وكثيرون في المجتمع الدولي، وبحسب النيويورك تايمز بعض كبار القادة في الجيش)، إلى وقف إطلاق النار على الحدود الشمالية، كما تعهّد حزب الله، وإلى وقف تآكل التأييد الدولي لإسرائيل، وتخفيف التوتر مع الولايات المتحدة، مع احتمال الدفع قدماً بالتطبيع المنشود مع السعودية.

المبررات: لا يمكن تحرير المخطوفين، وخصوصاً الذين ما زالوا أحياء بطريقة أُخرى، ويأتي هذا الاعتبار فوق أيّ اعتبار آخر. علاوةً على ذلك، إسرائيل ضربت “حماس” والمؤيدين لها من سكان غزة بقوة، لذلك، من الصعب على الحركة إعادة بناء قوتها في المستقبل المنظور، ولن تملك القوة التي تجعلها قادرة على القيام بهجوم 7 أكتوبر من جديد.. بالإضافة إلى ذلك، ليس في إمكان إسرائيل تحمُّل عبء استمرار الحرب، ومن الأفضل وقفها الآن، وأنّه من الصعب القضاء على “حماس” كفكرة، لذلك، من الأفضل، من وجهة نظرهم، نشوء أيّ حُكم في القطاع غير الحكم الإسرائيلي، أو الفوضى في “اليوم التالي للحرب”. وتطبيق هذه الاستراتيجية معناه إعلان إسرائيلي لا مفرّ منه، أن “حماس” هي المنتصرة في الحرب.

ما بين الاستراتيجيتين:

حتى الآن، يبدو عملياً أنّ الاستراتيجية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي، وتؤيدها المؤسسة الأمنية، تعتبر أن الجهد الأساسي في غزة ورفح يجب أن يكون عبر الاستمرار في الضغط على “كتائب حماس” من أجل تفكيكها في نهاية الأمر، عبر الاقتحامات والهجمات المركزة التي تكلّف المدافعين ثمناً مؤلماً، قد يشمل ضرب كبار قادتها.. وتدفع القيادات إلى قبول صفقة المخطوفين التي اقترحتها إسرائيل. على الصعيد السياسي، ستواصل إسرائيل تسهيل الجهود الإنسانية، وتحاول الدفع، بالتدريج، نحو نشوء بنية للحكم لا علاقة لها بـ “حماس”، مع تفضيلٍ للعناصر التي لا تنتمي إلى “فتح”، لكن من دون استبعادهم. وبحسب هذه الاستراتيجية، سيستمر الجيش في تحمُّل المسؤولية الكاملة عن ” أمن” غزة، وسيبقى موجوداً في محور فيلادلفيا إلى حين التوصل إلى حل مع مصر يمنع التهريب، وفي ممر نتساريم، وكذلك في المنطقة المحيطة بالقطاع.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني