fbpx

هل تشفى العلاقات الزوجية من فيروس كورونا؟

0 275

أرخت أزمة وباء فيروس كورونا مؤخراً بظلالها على العالم بأسره، واحتار العلماء في كيفية التخلص من هذا الوباء وفي معرفة أسراره وخفاياه، ولذلك وجدت الحكومات في الحظر الصحي وقاية مؤقتة ريثما تصل إلى حلول ناجعة للخلاص، وبالتالي بات العالم وجهاً لوجه أمام حقيقة واحدة: “البقاء في البيت”.
البقاء في البيت كلمة بسيطة جداً في منظورها العام وقد فرح بعضهم بفحواها في البداية وظن أنها إجازة يستمتع فيها بالنوم والطعام والتمتع بمشاهدة التلفاز، ولكن بعد مدة قصيرة بدأ الضجر والتأفف من حياة رتيبة مملة لا جديد فيها، وفوق هذا وذاك الأسرة كلها مجتمعة في مكان واحد تستخدم المرافق المنزلية في الوقت ذاته، الزوج الذي اعتاد الخروج كل يوم وترك أعباء البيت ومسؤولية الأولاد على عاتق زوجته، صار ملزماً بتحمل الضجيج وصخب الأطفال وصراخ أمهم أيضاً، المرأة التي اعتادت الخروج للعمل وإرسال الأولاد إلى المدرسة توجّب عليها أن تتحملهم طوال اليوم بالإضافة إلى تحمل تأفف زوجها الذي كان يصل إلى البيت في معظم الأحيان بعد نوم أطفاله.
طريقة أكابرية للجلوس على المائدة
“لا يكفي أننا في الحجر الصحي لا خروج ولا دخول ولا زيارات ولا رحلات، وفوق كل ذلك يتأفف البيك ولا يعجبه العجب، يتدخل في كل شاردة وواردة في المنزل وأتحمل سخطه مقدرة الظروف، لكن أن يتدخل في حديثي مع صديقاتي على الهاتف ويتهمني بالكذب والمحاباة فهذا كثير جداً”، هذا ما قالته عن زوجها منال محمد (47) سنة، وهي ربة منزل مقيمة في ديسلدورف.
وأضافت: “لقد اكتشفت بعد عشر سنوات زواج، أن زوجي يكره طريقتي في الأكل ويحاول تعليمي طرق جديدة لكيفية الجلوس على المائدة بطريقة (أكابرية) كما يقول، وينتقد طريقتي في الحديث على الهاتف، و يتهمني بالفوضوية والغباء، تخيلي الآن فقط لاحظ كل تلك الأشياء!”.
أنهت منال حديثها ملوحة بالطلاق: “لابأس تنتهي هذه الأزمة ويفرجها الله”.
الخرس الزوجي هو الحل
تضحك أم عبدالله (44) عاماً وتقيم في برلين و تتحدث عن زوجها فتقول: “لم أعد أهتم بكلامه، فبعد شهر واحد من هذه العطلة الإجبارية، اكتشفت أننا يجب أن نعتاد الصمت سمعت كثيراً عن مصطلح الخرس الزوجي لكني لم أكن أعرفه، ولم أكن قد جربته، لكنني الآن فهمته تماماً ووجدت أنه الحل السحري لإيقاف الحرب الكلامية الشرسة، تصوري الآن فقط اكتشف زوجي أنني قصيرة وممتلئة، وراح يحاسبني على لقمة الأكل وحجته أنه يريد مصلحتي كي لا يزيد وزني أكثر خلال فترة الحظر الصحي!”.
تتابع أم عبدالله كلامها: “الأكثر إيلاماً أنه بات يتدخل في طريقة تربيتي للأولاد مرة يتهمني بأنني دللتهم زيادة عن اللزوم ومرة يتهمني بالقسوة في معاملتهم، احترت معه وكرهت حياتي بسببه، أعجبتني عبارة كتبتها صديقتي على فيسبوك (النساء دوماً يشتكين من أن أزواجهن سرقته فلانة أو علانة، يا عمي زوجي موجود تعالوا اسرقوه) بعد هذه الأزمة صرت أتمنى أن تسرقه امرأة وأتخلص من نكده”.
هوس جنسي
تزوجت رندا الجاسم (21) سنة “تدرس اللغة الألمانية ومقيمة في كولن” قبل عدة أشهر قبل أزمة فيروس كورونا، وكانت سعيدة جداً مع زوجها كما تقول، ولكن مع توقف زوجها عن العمل وجلوسه الدائم في المنزل تغيرت الأمور وصار يتأفف من كل شيء وغير مستعد لعمل أي شيء في البيت غير عمله في السرير ليلا نهاراً حتى “كرهت نفسها”، حسب تعبيرها.
تتابع رندا حديثها قائلة: “أحب زوجي كثيراً، وقد تزوجنا بعد قصة حب دام ثلاث سنوات كنت في بداية حياتي سعيدة معه، صباحاً نخرج من المنزل معاً، هو يذهب لعمله وأنا إلى مدرسة اللغة ونلتقي مساءً، لم يكن لدينا أية مشاكل، طبعاً عدا بعض النقاشات البسيطة حول تعامل حماتي معي أو عدم إتقاني لفنون الطبخ، لكن الآن صرت أتهرب منه، وكأن كورونا لعنة حلت بنا فقد اكتشفت كم هو اتكالي ولا مبال، ولمست بخله العاطفي وهوسه الجنسي ولا يهمه رأيي بالعلاقة الحميمة وإن كنت بمزاج يسمح بذلك أم لا وإذا اعترضت يغضب ويتهمني بالبرود”.
أضافت رندا بحزن كبير: “أشعر بأن علاقتنا على كف عفريت إذا استمر الحظر الصحي مدة أطول”.
لا مساجد في رمضان ولا تراويح
ومع بداية شهر رمضان في ظل وباء كورونا تعقدت علاقاتنا أكثر وبدأت تزداد وتيرة العصبية مع الصيام وإغلاق دور العبادة والمساجد التي كان يمضي فيها الرجال كثيراً من الوقت.
هذا ماتحدثت عنه أم تامر وهي ربة منزل في الـ (٥٠) من عمرها وتقيم في أمستردام مع أسرتها فقالت بغضب: “صدقيني أخاف من ارتكاب جريمة بحق زوجي، فهو يتدخل في كل شيء حتى الجلي والطبخ ولاتتصوري كم أكره دخول الرجل إلى المطبخ لأنه يقلبه رأساً على عقب، لم أعد أجد أغراض الطبخ وأدوات المطبخ”.
تتابع أم تامر حديثها بغضب كما بدأته: “تباً لكورونا اللعين الذي حبس الرجال في البيوت وأغلقت حتى المساجد، ستكبر المشكلة أكثر في رمضان إذ لا صلاة تراويح ولا دروس دينية، وبلا سيجارة وفنجان قهوة يعني ستزيد ضيقة خلقه أكثر وعليّ التحمل، لا أحب التشكي ولكني اختنقت”.
نادمة على الطلاق
في الحظر الصحي صار الوقت أطول والليل أكثر وحشة فكان لابد من مراجعة حياتية وإحصاء إيجابيات وأخطاء السنوات الماضية.
“مع أزمة كورونا والحظر الصحي والتزام البيت مع الأولاد شعرت كم الوحدة صعبة، وبصراحة هذه المحنة جعلتني أفكر كثيراً بقصة طلاقي من زوجي وأشعر بالندم”، قالت سحر(٣٩) عاماً مقيمة في مدريد وتعمل نادلة في أحد المطاعم العربية.
تابعت سحر كلامها: “اكتشفت أنني خربت بيتي بدون أسباب موجبة رغم أني في وقتها كنت أراها كبيرة جداً، ولا يمكن تحملها”.
وأضافت: “ليته معي الآن نختلف ثم نتصالح… أين المشكلة إن غضب قليلاً أو تأفف؟ كان بإمكاني استيعابه والتخفيف عنه، أعترف لك أنني كنت كلما علا صوته يرتفع صوتي أكثر وهكذا تكبر المشكلة أكثر فأكثر حتى وصلنا إلى طريق مسدود خاصة مع تدخل الأهل والأقارب”.
أردفت سحر قائلة: “ليته معي الآن وليغضب كما يشاء، أتوق الآن لوجوده وغضبه، أتوق لمصالحته لأضع رأسي على صدره فأشعر بالأمان وأغفو قربه”.
شرقية موجعة
وكما يبدو فإن فيروس كورونا كشف الغطاء عن المفاهيم المتأصلة في هوية الإنسان والتي كان يجملها أو يخفيها أحيانا بشعارات براقة سقطت عند أول امتحان.
“فقدانه لعمله بسبب جائحة كورونا غير طباعه كثيراً فصار حاد المزاج غاضباً من كل شيء، يضرب الأولاد لأتفه سبب، يلعن كل شيء، يركل بقدمه كل مايعترض طريقه، وأحياناً ألمح الدموع في عينيه”، تقول لامار (٢٨) عاماً، وهي ممرضة تعمل في مستشفى خاص بالقرب من روتردام.
وتتابع: “إنه شخص طيب جداً وكريم لكن الحظر الصحي وتوقفه عن العمل جعله يشعر بالضيق والغضب، خاصة لأنني ما زلت أذهب للعمل، ويضطر هو للبقاء في البيت مع الأولاد يجهز لهم الطعام ويغير ملابسهم ويتحمل خلافاتهم مع بعضهم، فهذه أطول فترة يمضيها معهم، وأول مرة يبقى في البيت وأنا خارجه، يبدو أن شرقيته أوجعته كثيراً”.
تضحك لامار وهي تختم حديثها: “ليس بيدنا كل ما يحدث معنا، الوضع أكبر مني وأكبر منه وعلينا
أن نصبر حتى تمر هذه الفترة العصيبة، لذلك أحاول ضبط نفسي قدر استطاعتي، فأنا أحبه كثيراً ومقدرة لحالته النفسية ولا أستطيع القول إلا: كان الله بعوننا جميعاً”.
مابين إيجابيات الحظر الصحي الذي ساهم بترميم ثقب الأزون ومابين سلبياته التي أفقدت ملايين البشر وظائفهم، تبقى العلاقات الاجتماعية مثار جدل بين صدّ ورد هل كان للفيروس دوره الإيجابي أم السلبي في تلك العلاقات؟ وهل سيشهد العالم بعد تلك الأزمة انقلاباً كلياً للمفاهيم والأعراف الاجتماعية؟!

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني