fbpx

هل تخسر السعودية آخر أوراقها

0 113

لم أؤمن يوماً بدور إيجابي للمملكة السعودية في دعم ثورات الربيع العربي، وأخص الثورة السورية المشبعة بالتصميم على الحرية والكرامة لأنها متناقضة شكلاً ومضموناً مع جوهر النظام السعودي، ولأن هذا النظام أهم رديف وظيفي للعصابة الحاكمة في خدمة المشغل الدولي، وتزييف الوعي والتلاعب بمصير المنطقة، والتحالف مع ألد أعدائها ومنهم الإيراني لمنعها من استعادة أي دور، بل أي جزء من دورها الحقيقي في استرجاع قراراتها السيادية والاستفادة من ثرواتها وبناء ثقافتها.

ولا أقول إن السعودية ستخسر موقعها، فقد ازاحتها الثورة السورية من حيث يدري أصحابها أو لا يدرون عن أجزاء مهمة من دورها السياسي التخريبي، وهذا ما فات المعارضة التقليدية – وقد فاتها الكثير جداً – حين وثقت بها؛ إنما أتكلم عن آخر ورقة يمكن أن تتستر بها هذه المملكة، فإذا ما وضعت يدها علناً بيد العصابة الحاكمة فإنها قد قطعت آخر خيط لها مع شعب المنطقة كله، ولن تجد سبيلاً إلى أحرار سورية مهما كان مستوى درجة وعيهم السياسي، وسيتأكد السوريون أن خيارهم الوحيد أن يتابعوا ثورتهم من خارج نطاق الأنظمة الإقليمية الوظيفية مجتمعين أو منفردين.

ولقد تعرضت في لقاء سياسي حواري تحت عنوان: “الزلزال السياسي السوري وهشاشة الصفائح الرسمية” – منشور على اليوتيوب – للفكرة السياسية التي تحمل هذه الإضاءة عنوانها، وارتأيت أن أزيدها بسطاً وشرحاً بناءً على نقاشات وتعليقات أعقبت سماع اللقاء.

توجه الدولي الإقليمي نحو السوريين بعد ثورتهم العظيمة يستزلمون أفراداً منهم ضمن تصور واضح وخطط للسيطرة على المشهد السوري حيث فقدت العصابة الحاكمة هذه السمة الوظيفية التي كانت توفر على النظام الدولي جهداً هائلاً في قمع السوريين طوال عقود.

وتتوزع خانة الاستزلام على مجموعات وصفات عدة بدءاً من البساطة والحماس، مروراً بالانتهازية والوصولية والتكسب، وليس انتهاءً بحب الظهور والسلطة وتغليب الحزبية والجهوية، ولا تختزل هذه الخانة بالعمالة والخيانة.

وتندفع مجموعات الاستزلام بشكل محموم بكل أفرادها تجاه بعضهم بعضاً بوعي ودون وعي، ويتآزرون بمواقف وسلوكيات وكلام قلما يكون متماسكاً أو متوازناً انتصاراً لمشغليهم أو لجهاتهم أو لأوهامهم وجهلهم، وينبري كل فرد منهم ويشهر ما لديه إذا تم انتقاد أحد الرسمي الوظيفي العربي أو غير العربي، فيلصقون بالكلام الذي لا يروق لهم الصادر من أصحاب الخط السيادي ما يفرغه من مضمونه لحساب إقليمي أو جهة ما. ومما يؤكد قصورهم السياسي فضلا عن أمر آخر اجتماع اتهاماتهم المتناقضة على نص أو موقف سيادي سياسي واحد، فتصم كل مجموعة واقعية مستزلمة هذا النص أو الموقف بوصمة مناقضة لأخرى دون أن ينتبهوا أو يقرؤوا تناقضهم المفصول عن بعضه ببضع كلمات ليس إلا.

وكان هذا الاستزلام أحد أهم الأسباب التي استطاع الإقليمي الوظيفي من خلالها أن يشتت الثورة السورية، وأن يدخل فيها ما ليس منها، وأن يمرر مسار أستانة المشؤوم، لكن الزلزال الجغرافي في السادس من شباط خلط أوراق الحالة الوظيفية مرة مئة، فلم يعد بإمكان تركيا – التي كنا نرجو ألا يصاب أهلها بما أصيبوا به – قيادة مسار التطبيع مع العصابة الحاكمة، ولابد من بديل يقود التطبيع ويشكل رافعة للعصابة قبل فوات الأوان، ووحدها السعودية القادرة على ذلك، إذ إن ما يسمى بالمبادرة العربية لا قيمة لها دون المملكة، وإن الاختباء وراء الإمارات أو مصر أو الجزائر لم ينجح؛ ولابد لنا من الوقوف ضد هذا المسار من قبل أن يبدأ علانية، وعلينا التيقن أن المملكة ليس في جعبتها إلا مزيدا من الإذلال وإخضاع المنطقة وإخراجها عن أي سياق تاريخي مهم. وجميع الادعاءات للدفاع عن المملكة لا تقوى ولا تصمد أمام الحقائق، وتبدو التبريرات واهية ومضللة، بل إن بعضها أو أغلبها يدعو إلى السخرية والاشمئزاز، وأهمها ادعاؤهم أنهم يريدون عزل المجرم عن إيران!.

ألم يكونوا رأس حربة عربية في تسليم العراق ولبنان لإيران؟!

وإذا كان هذا النظام يتمتع بالصفات والمزايا العربية الأصيلة أو بعضها كما أوهم صغاراً كثر، فكيف يرضى ويقبل بالإهانات التي لا تعد على كل المستويات، وفي كل الأروقة؟! ما هذا إلا دليل على أنهم من طينة واحدة، ويتكاملون الأدوار.

وإذا كان يحمل كما يدعي لواء الإسلام فكيف هرول مرة بعد مرة نحو إيران الطائفية من أربعة عقود حتى الآن، وبعد كل مرة يستنفر أزلامه ويوهم البسطاء أنه ضد مشروع الملالي في المنطقة، ولكن سرعان ما يتوافقان ويتلاحمان ويتقاربان بعد توقعهم بأنهم أدوا المهمة؟!

ولماذا وقفوا إلى جانب الروسي الذي جاء لينقذ الإيراني المكسور أمام الثورة؟!

وإذا خرج منهم ومن أزلامهم من يقول لنا: إن السياسة لا علاقة لها بالقيم، ولا يوجد فيها صديق دائم وعدو دائم، لماذا إذا يسبغون عليهم أوصافا إيجابية وقيما رفيعة؟! أليس هذا تناقضاً وتضليلاً للوعي السياسي؟ ولماذا يراد من أعظم ثورة أن تثق بهكذا أنظمة وتهادنهم وهم يقيمون علاقة مع ألد أعدائنا من الملالي وسواهم؟ وكيف نستجدي حلولا سياسية تنصف ثورة الكرامة من أنظمة تضع يدها بيد المجرمين وتقويهم وتدعمهم؟!.

إن هذه الأنظمة مهما تذرع المتذرعون لا تنتمي إلينا ولا ننتمي إليها بأي معنى، فكل ما يهدد بقاءها في السلطة، أو يمس وظيفتها أمام المشغل الدولي يبيح لها ضدنا ما لا يتصوره عقل من الرزايا والدنايا والجرائم، وما زال كثيرون ممن يتعاطون الشأن العام من أصحاب الواقعية السياسية يكابرون على هذه المسألة فيجرون المآسي والويلات، ويزيدون المعاناة في المنطقة كلها، ويطيلون أمدها.

كل الخطوات والإشارات تؤكد أن الطريق معبد نحو القابع في دمشق، وهذه الطريق التي لم تغلق يوماً ستفتح بزيارة رسمية سعودية علنية، أو بحضور المجرم “هاوية الرياض”، ووحدها الرياض التي يمكن أن تتيح هذه العودة بهذا الزخم فهي المسؤولة الأكبر والأولى عن هذه الجريمة التي لا تغتفر، فما هي خياراتنا بعدها إن تمت وقبيلها؟.

لا يصورن أحد لنا أن المطاف بهذه العلاقات بلغ نهايته، وأنهم تمكنوا من إجهاض ثورتنا، وأن شيئاً لم يكن، لأن خسارة ما تبقى من النظام العربي الرسمي والسعودي تحديداً الذي لا يقل مافيوية عن العصابة المجرمة في دمشق المحتلة إذا ما طبع معها هي خسارة مزدوجة ومتعددة ولن تعوض، فمن جهة فإن جميع هذه الأنظمة غير قادرة على الإمساك بأيدي بعضها للنجاة سوية كما في سبعينيات القرن الماضي وما بعدها، فكثير من الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية قد تغيرت، والعلاقات قد توضحت؛ وغير قادرة في الوقت عينه على التخلي عن بعضها بحكم أدوارهم أمام المشغل الدولي، ولا تتمتع بالأريحية ذاتها في أداء الأدوار على نحو ما سبق؛ ومن جهة ثالثة لم تعد تثق بمواقف وقدرات وإمكانيات بعضها بعضاً بفعل دور شعب المنطقة ومواقفهم الجريئة والواعية؛ ولا تستطيع كذلك أخذ العصا من المنتصف؛ إن اليد النتنة التي تصافح المجرمين وخصوصاً في سورية بعد هذه التضحيات العظيمة لن تتمكن من القرب من أيادي أحرار سورية لرائحتها الكريهة، ولن تقنع إلا الأصاغر الذين لا يفكرون إلا في أمعائهم.

تبعاً لقدرتنا على العمل في الشارع السوري في كل أماكن وجوده على حد سواء وتأسيساً على التوعية السياسية السيادية وإجراءاتها فإنها يمكن أن تطيح بآخر فريق من أزلام المنظومات الحاكمة، فلم تتمكن روسيا وإيران ثم القاهرة والإمارات ثم تركيا وكذلك قطر والأوروبيون من تطويع الشعب السوري مباشرة أو عبر الأدوات، فهل تتمكن السعودية من ذلك عبر صناعة مسار مع المجرم وتقوده لتعويض مسار أستانة التي كانت أهم من أعدت له إقليميا وساعدت الضامن الثلاثي في الرياض 1 و2، أو أن السوريين سيتصدون لهذا المسار المحتمل، ويبرزون المزيد من إصرارهم ضد التطبيع مع المجرم أيا يكن داعموه؟.

ستضع الخطوة العربية بقيادة السعودية باتجاه العصابة المجرمة الواقعية السياسية على المحك، فهل ستدخل سورية بما يشبه أوسلو فتتحول الفصائل أو أغلبها إلى أذرع تنسيق أمني ضد إرادة الشعب السوري، أو ستدخل بمعترك طائفي تلويني يقارب الوصفة اللبنانية أو العراقية مع اختلافهما عنها؛ أو أن السوريين سيقصرون الطريق ويخطون خطاً سيادياً يؤسسون فيه لما يناقض الواقعية الانبطاحية التي زاد عمرها عن قرنين من الزمن، ويتحررون من أوهامها؟.

وفي الختام فإن ما أتوقعه أن المسار السعودي سيفشل ويتعرى أزلامه، كما فشل مسار أستانة المشؤوم وبانت أزلامه، وكل من تسول له نفسه التطبيع مع المجرمين لن يحصد إلا الخيبات والسقوط السياسي والأخلاقي بلا ثمن، والزمن بيننا، وكل محاولات التفشيل والمحاوطة والإجهاض التي كانت تلبس لبوس الأخوة والصداقة والتاريخ المشترك وحقوق الإنسان والشعارات الرنانة انكشفت على نحو فاقع، ولم تحقق أهدافها.

فلتسقط كل المنظومات الرسمية الوظيفية غير مأسوف عليها، الشعب يريد الكرامة والاستقلال رغم أنوفكم جميعا أنتم ومشغلكم الأميركي.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني