هل الديمقراطية شرط للنمو الاقتصادي
لطالما تاقت الشعوب المقهورة والمحكومة من أنظمة استبدادية متسلطة لنظام ديمقراطي حر يضمن لها الحريات والتعبير عن الرأي والعدالة في توزيع الثروات وكثير من الشعارات التي رفعت ومازالت ترفع من قبل الثوار والمعارضين أياً كان انتماؤهم الفكري من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وتنادي بتحقيق العدالة الاجتماعية.
وفي اللاوعي الجمعي لدى الثائرين تترسخ فكرة أن النظام القمعي الاستبدادي يتوازى حتماً مع الفقر والفساد والتخلف الاقتصادي والعكس صحيح.
لكن إذا نظرنا بعمق أكثر إلى تجارب الدول ونجاحاتها الاقتصادية نجد أن هناك ما يقال في تلك (المسلمات الشعارتية الثورية)
في البداية يجب أن نفرق ونميز أنواع الأنظمة الاستبدادية فهنالك ديكتاتورية الحزب الواحد (الصين مثالاً)
ديكتاتورية الفرد أو الأسرة الحاكمة (الأنظمة الملكية في الخليج مثالاً)
ديكتاتورية مختلطة بين الحزب والفرد (ستالين في الاتحاد السوفييتي سابقاً)
ديكتاتورية المجانين المطلقة (القذافي في ليبيا وموغابي في موزانبيق. محمدوف في تركمانستان…. وكيم في كوريا الشمالية… الخ)
وهنالك الديكتاتور الوطني (المستبد العادل). صدام حسين في العراق سابقاً ونيكولاي تشاوشيسكو في رومانيا سابقاً)
الديكتاتورية الفرد والطائفة والعسكر والحزب (آل الأسد مثالاً)
ديكتاتورية النخبة الدينية (إيران – نظام طالبان سابقاً)
ديكتاتورية المجالس والنخب العسكرية (مصر حالياً والبرازيل سابقاً)
إذاً ليس هناك شكل محدد للديكتاتورية أو التفرد في الحكم ولكل نظام ديكتاتوري ملامح لطريقة الحكم والتعامل مع الشعوب وبالتالي طريقة إدارته ونجاحه أو فشله في الملف الاقتصادي.
لذلك نجد كثيراً من الأنظمة السابقة بالرغم من كونها لا تحمل معالم الديمقراطية الحديثة بشكلها الغربي (النموذجي كما يدعون) لكنها حقق قفزات علمية واقتصادية على مستوى الاقتصاد الكلي.
وأنظمة ديكتاتورية أخرى رافق التخلف والفساد الاقتصادي استبدادها السياسي والأمني على رقاب الشعوب.
الصين مثلاً والتي تحكم منذ 70 عام تقريباً في نظام الحزب الواحد استطاعت بعد موت ماوتسي تونغ أن تبدأ بخطة نهضوية كبيرة ونقلة صناعية نوعية ترافقت مع ثورات اجتماعية وطبقية نقلت الصين من دولة زراعية متخلفة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم والأول من حيث الإنتاجية.
كذلك الأمر بالنسبة للحكم الفردي في دول الخليج مثلاً على علاته لكن لا يخفى على أحد أنه حوّل تلك البلدان من البداوة والصحارى إلى مدن عامرة وشعوب متعلمة في أحسن جامعات العالم صحيح أنه استفاد من طفرة النفط لكن هذا يحسب له إذا ما قارناه في دول نفطية غنية كفنزويلا وليبيا سابقاً التي تتمتع بأنظمة (تقدمية ثورية) لكنها أفقرت وجهلت شعوبها.
كذلك الأمر في نظام ستالين في الاتحاد السوفيتي سابقاً والذي يعتبر النظام الأشد دموية على مر التاريخ والذي قتل ما يقارب 20 مليون مواطن في معسكرات الاعتقال وغيرها لكن لا يخفى عن الجميع أنه استطاع تحويل روسيا وملحقاتها لدولة صناعية نووية عظمى.
الأمثلة تطول جداً وهنا لابد أن نشير ونفرق بين النهوض الاقتصادي للدولة وبين رفاهية الفرد فقد نجد دول ذات نمو اقتصادي كبير لكن شعوبها ترزح في الفقر والمعاناة…
بالمقابل نجد دولاً تتمتع بأنظمة ديمقراطية برلمانية ضربت أعلى الأمثلة في الفساد والتخلف الاقتصادي وليس ببعيد عنا (العراق ولبنان حالياً) ورومانيا والبرتغال وبعض دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا..
هذا يقودنا إلى تغيير بعض المسلمات لدينا عن الحكم الرشيد والذي يجب أن يكون حكم دولة المؤسسات والعدل وهذا لا يكون سوى بتعميق الوعي لدى الأفراد، الوعي السياسي والاقتصادي والمعرفي والإيمان بسلطة القضاء واستقلاليته ونخبة تقود مشروعاً تنموياً تسخر له كل الطاقات والإمكانيات لتحقيق ازدواجية رفاهية الشعب وقوة الدولة.
فالديمقراطية ليست هدفاً بل وسيلة للوصول إلى الحكم الرشيد العادل الذي يضمن حسن توزيع الثروات وتحقيق العدالة الاجتماعية أياً كان شكل الحكم لكن لابد من وجود رقابة شعبية على موارد الدولة وأجهزة رقابية مستقلة.
ولابد من التركيز على مدنية الدولة وفصل السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية وتعزيز الانتماء للوطن أولاً والابتعاد عن تقديس الأشخاص والحكم على الأفعال وليس الأشخاص والشعارات.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”
في السطر الأخير قلت كل شيء قكل ما ذكرت عن مدنية الدولة وفصل السلطات هي مستلزمات الديمقراطية..ولا يوجد دكتاتورية استمرت فيها التنمية بمفهومها الاقتصادي المنعكس على حياة الناس.. أما تجربة الصين فهي استثنائي إذ يؤمن الحزب الشيوعي المناخ العام للاستثمار الذي يعمل بأساليب رأسمالية.. بالطبع في الحياة لا يوجد تماثل أو تطابق..