fbpx

نماذج تربية الطفل السوري في ظل الحرب

0 423

تطرح مسألة تربية الأطفال في زمن الحروب والكوارث أسئلة محددة، تتطلب أجوبة تتعلق بإمكانات الواقع في هذه الظروف، هذه الأجوبة يمكن اشتقاقها مما تتركه الحرب من آثار على الأطفال، ومن توفر القدرات المطلوبة للتصدي لعملية تربية الأطفال في ظل هكذا ظروف، وضرورة أن تكون هذه الآثار أقل ضرراً عليهم، بدلاً من أن تكون أكثر خطراً على حياتهم ومستقبلهم.

إن نتائج الحرب قد تظهر أثناء فترة الحرب، أو قد تظهر لاحقاً، على الذين نجوا من هذه الحرب، ولكن رافقتهم المشاكل النفسية، التي قد تصاحبهم إلى مراحل متقدمة من العمر، هذه المشاكل لا تُحصر، ولكن أغلب حلولها عند الأهل والمجتمع.

لقد كان تعليم الأطفال في المخيمات الأسوأ، إذ تفتقر منشآت التعليم إلى الكهرباء والماء والتدفئة والنظافة وأدوات التعليم، وعدم استيعاب الأماكن المخصصة للتعليم لأعداد الطلاب.

لقد واجه الأطفال السوريون واقعاً تربوياً وتعليمياً بائساً، ومستقبلاً غير مؤكدٍ، فقلة المساعدات،

وعدم اهتمام المانحين بمناطق النزوح والمخيمات الحدودية، أدى إلى تدهور التربية والتعليم لهؤلاء الأطفال، وبالتالي وجود عشرات الآلاف من الأطفال السوريين في كل مناطق النزوح والمخيمات الحدودية خارج قاعات التدريس.

لقد كان الجزء الأكبر من هذه المشكلة ذا طبيعة اقتصادية، بالإضافة إلى النظام التعليمي المثقل بالأعباء، والذي كان يُرهق كاهل الطفل، في ظل ظروفٍ وشروط حياةٍ، لا تتناسب مع حجم وطبيعة ما يقدم له من علم وطرائق تربية.

منذ بداية النزاع السوري، وجد أهالي التلاميذ السوريين صعوبات في التحاق أبنائهم في المدارس التركية، وكان هناك عدم تساهل من قبل السياسات القائمة مع هؤلاء الطلبة، في المدارس. فمثلاً: استصدار الأوراق الرسمية (الكملك)، أو شهادة إتمام مرحلة سابقة من الفصل الدراسي السابق لهم في بعض الدول، أعاق الآلاف من الأطفال من الالتحاق بالتعليم، فهذه الثبوتيات كان من الصعب جداً على السوريين الحصول عليها، بعد خرجوهم من منازلهم المدمرة.

لهذا أقرّت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في تقريرها السنوي الصادر مؤخراً، أن حالة سوريا من أخطر الأزمات الإنسانية في عصرنا، وأبرز المتضررين فيها هم الأطفال، بسبب استمرار العمليات القتالية، وتجدد النزوح بين فترة وأخرى، وتراجع قدرة المجتمع على الصمود.

وأشارت اليونيسيف إلى أن نصف الأطفال السوريين من عمر 5 إلى 17 بدون تعليم، وأكدت “لينا الكرد” مسؤولة إعلام اليونيسيف، أن اليونيسيف وشركاءها يلتزمون بالاستجابة للاحتياجات الإنسانية للأطفال، ومنها خدمات التعليم. فقد قامت المنظمة عام 2019 بإلحاق 1.4 مليون طفل بالتعليم الرسمي داخل سورية، وكذلك أكثر من 1.1 مليون طفل تمّ إلحاقهم بالتعليم الرسمي في دول الجوار.

ففي تركيا، أقامت منظمة اليونيسيف ورشات عمل كثيرة، تهتم بوسائل الإعلام، وحقوق الطفل،

تطرقت إلى الآليات العلمية والمعرفية، التي يجب على وسائل الإعلام اتباعها، أثناء تعاطيها مع

الأخبار المتعلقة بالأطفال، وخاصة اللاجئين والمهجرين السوريين، الذين تجاوز عددهم في تركيا مليون طفل، منهم 335 ألف طفل خارج التعليم المدرسي، فقامت بتقديم المساعدات والدعم النفسي لهؤلاء للأطفال. وشدّدت على العمل الإعلامي أثناء التعاطي مع قضايا الطفل، وتأثيره على الطفل السوري المهجر في بلاد اللجوء، وأن يواكب العمل الإعلامي ماهية وشروط اتفاقية حقوق الطفل، والبروتوكولات المتعلقة بها.

تعتبر التربية الاجتماعية عن طريق الأنشطة واكتساب الخبرات لرياض الأطفال، وتعليمهم التفاعل الاجتماعي عن طريق اللعب، والطرق الأخرى، ركيزة رئيسة في بناء نفسية صحيحة لدى الطفل، وهذه الألعاب والطرق، والتي تعتبر من الأشياء المهمة للطفل، لأن هناك علاقة بين اللعب والتعليم من جهة، ومراحل نمو الطفل من جهة أخرى، وهذا له انعكاسات كبيرة، تؤثر في شخصيته ونموه، وكذلك في تهيئته للتعلم والقراءة والكتابة.

هذه الأنشطة يفتقدها الأطفال في هذه المنظومة البيئية غير الملائمة لهم، فالأطفال في المناطق

المحررة شمال سوريا، يعيشون كارثة حقيقية في مجال التربية والتعليم، بسبب تزايد نسبة النزوح، وتزايد الهجوم على المناطق المحررة، والذي سبّب ارتفاع نسبة المتسربين من المدارس، فمنذ عام 2011 ولد نحو أربعة ملايين طفل سوري، لم يلقوا سوى العنف والتشرد وفقدان أسرهم ورعايتها، وتعليمهم أبسط حقوقهم.

إن وضع برامج وأنشطة عديدة ثقافية وتربوية وحقوقية، تدفع نحو حوار مجتمعي، يساهم في استنهاض المبادئ والقيم الايجابية عند المجتمعات، ومشاركة الأطفال في برامج فعّالة تعزّز قدرتهم على الاندماج وإيصال رسائل سامية.

معظم الباحثين يتفقون، على أن الوظيفة الأساسية للأسرة، تتجلى بتوفير الدعم النفسي والاجتماعي، عن طريق تزويدهم بالإحساس بالأمان، وبالطمأنينة والحب، وبالتقدير والتشجيع. حيث تُعد الأسرة المصدر الأساسي لإشباع حاجات الطفل من الأمن والطمأنينة، باعتبارها مصدر خبرات الرضا لديه، ومصدر الاستقرار والاتصال بالحياة.

كذلك تلعب مجالس الآباء والمعلمين دوراً مهماً في تكامل العملية التربوية بين أسرة الطفل ومدرسته، وتكون هذه المجالس فعّالة إذا خُطط لها، ويتمّ فيها البحث في المشكلات، التي يواجهها التلاميذ.

إن إقامة نشاط بين كل من الأهل والمعلمين والتلاميذ من أجل خدمة البيئة، وحل مشكلات التلاميذ، تعتبر من النشاطات العملية التي تساعد في تحسين نفسية الأطفال والتخفيف من آثار الصدمات، التي لحقت بهم نتيجة الحرب.

من هذا المنطلق تعتبر حقوق الطفل أولوية هامة على مستوى البناء المجتمعي، وهي أكثر أهمية من أي عمل اقتصادي أو اجتماعي أو حتى سياسي، ولذلك يجب تأمين بيئة بعيدة عن التحريض والاستثمار السياسي، وخطاب الكراهية، وتغيير الصورة النمطية للمجتمعات المحلية الرافضة للثقافات المختلفة.

بناء على ما تقدم، يجب أن نضع في اعتبارنا الحاجة إلى توفير رعاية خاصة للطفل، كما ذُكر في إعلان جنيف لحقوق الطفل لعام 1924، وإعلان حقوق الطفل، الذي اعتمدته الجمعية العامة في العشرين من تشرين الثاني نوفمبر عام 1959، والمُتضمن في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يضع باعتباره إجراءات وقاية ورعاية خاصة، وحماية قانونية مناسبة، قبل الولادة وبعدها، وكذلك الاهتمام بالحضانة والتبني.

إن نموذجاً واقعياً لتربية الطفل السوري في ظل اللجوء والنزوح، يحتاج بالضرورة إلى استراتيجية تقرأ الواقع بعين علمية فاحصة، وليس بإجراءات سريعة، تأتي كرد فعل على واقع مؤقت.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني