fbpx

نقد العقل الثوري بين الثورة والهدم

0 124

تشهد المناطق المحرّرة حالة من الصدام بين مكوناتها الثوريّة والاجتماعيّة سواءً على المستوى الداخلي للمكوّنات أو على مستوى العلاقة مع الآخر تُنذر بإقبال المنطقة على صراع صفري بينها لا رابح منه إلّا النظام السوري وحلفائه والخاسر الوحيد هو الشعب السوريّ الحرّ الذي قدّم عظيم التضحيات على أمل التخلّص من هذا النظام المجرم متوسِّما بالثوار وثباتهم وإخلاصهم على تحقيق تطلّعاته بالخلاص من الاستبداد والطُغيان، والانتقال بالمجتمع السوريّ إلى فضاء الحريّة والكرامة إلّا أنّ مسير الثورة تعثّر بكثير من المعوقات الخارجيّة والداخليّة أوصلتنا إلى الوضع الذي نعيشه من حالة انسداد الأفق سوآءا على مسار الحلّ السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدّة أو سوآءا على مستوى العمليات العسكريّة التي أصبحت مرهونة بالتفاهمات الدوليّة والإقليمية مما خلق حالة من الركون والخضوع لهذه التفاهمات التي أعطت انطباعاً لدى المجتمع الدولي بانتصار النظام بدليل حالة ’’الاستقرار‘‘ التي تعيشها المناطق التي تحت سيطرته الأمر الذي تم استغلاله في الترويج لأمرين خطيرين وهما:

الأوّل: أن حالة الاستقرار هذه تُشكّل البيئة الآمنة التي تقتضي إعادة اللاجئين في دول الجوار والمهجّرين والنازحين داخليّا إلى مناطق سيطرة النظام، ومع تزامن اعلان الأمم المتحدة عن تخفيض الدعم الإنساني للسوريّين وبسبب انخفاض التمويل لعمليات ادخال المساعدات الإنسانية التي تأثّرت بها شريحة واسعة من المهجّرين في المخيّمات في الداخل وفي ظل البطالة وعدم وجود فرص للعمل أو مصادر للدخل تؤمِّن لهم الحدّ الأدنى من الكفاف دفع بالكثير منهم للتفكير بالعودة إلى مناطق سيطرة النظام مغامرين بحريّاتهم وحيواتهم على أمل الخروج من حالة الحصار الخانق الذي يغرقوا فيه.

الثاني: أن هذا الاستقرار والالتزام بتفاهمات خفض التصعيد والهدن غير المعلنة هو البديل عن وقف اطلاق النار كبوابة للدخول في مفاوضات الحلّ السياسي في سوريّة وإنّ أي عمليات عسكريّة من أيٍ من الأطراف ستؤدّي إلى الفوضى وإحباط مساعي الحلّ السياسي وبالتالي العودة إلى مربّع القتل والتدمير واسقاط الحل السياسي الذي اعتبرته الأمم المتحدّة هو الخيار الوحيد للحلّ في سوريّة المتمثِّل بقرار مجلس الأمن رقم’’2254‘‘ لسنة 2015 الذي يقوم على مبدأ التفاوض على قاعدة التوافق بين المعارضة والنظام، مما خلق قناعة عند بعض القادة والفصائل بعدم جدوى العمليات العسكريّة وعدم قدرتهم على تجاوز التفاهمات الدولية المذكورة فتحولوا من ثوار إلى ما يُشبه ’’الشركات الأمنيّة‘‘.

وعليه فقد تكرّست في عقول البعض فكرة أنّ مفهوم الثورة باعتباره انقلاباً جذريّاً على نظام قائم – وهي المفهوم النظري للثورة – هي الانقلاب الجذري على كل ما هو قائم وهدم كل شيء يأتي أمامه، بل زاد بعضهم على ذلك هدم كل ما يُبنى حوله على صعيد الثورة، اعتقاداً منه بأنّ البناء الثوري مُكلف ومضيعة للجهد والمال وعائق أمام تقدّمه نحو هدفه بإسقاط النظام فأصبح عالة على نفسه وعالة على من حوله وعالة على الثورة لمّا اصطدم بالواقع الذي استعصت معه الحالة الثوريّة وصمت السلاح، وحالة الانصياع للتفاهمات الدوليّة والاقليميّة التي جرّدته من حسّه الثوري وحولّته إلى حسٍّ مصلحي الامر الذي دفعه لإعادة انتاج نظريته للثورة من ثورة تقوم على التضحية إلى مجرّد انفعالات مصلحيّة تحكمه عقدة ’’المُنعِم المُتفضِّل‘‘ المتمثِّلة بشعار ’’قدّمت ما لم يقدّمه أحدٌ غيري من شهداء أو تضحيات‘‘ لتكون رافعته في إنقاذ نفسه والنجاة بها وبأهله ومكاسبه ليرسم مستقبلاً لهم خارج صعيد الثورة وربّما خارج الوطن فذهب للاستثمار والتجارة فتحوّل لديه العقل الثوريّ إلى عقل تجاري مصلحي الذي لا يعوّل عليه في شيء لا على صعيد الثورة ولا على صعيد بناء المؤسسات الثوريّة ولا في الاستثمار في مناطق المحرّرة، ولا حتى في اعادة إعمار البلاد مستقبلاً لأنّه عقل هجين سقيم لا هو بالعقل الثوري المحض ولا هو بالعقل المصلحي المحض فتتنازعه أحياناً نزعات الثورة إلى احداث الفوضى والتدمير وتهوي به أحياناً أخرى نزعات المصلحة إلى مهاوي المتاجرة والتفريط.

اللّهم احفظ لنا عقولنا وسدِّد رأينا، وثبِّت أقدامنا، وأنصرنا على أنفسنا قبل أعدائنا.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني