fbpx

نظام الأسد وروسيا وإيران.. أدوارٌ متكاملة للالتفاف على 2254

0 295

كشفت مفاوضات جنيف في كل حلقاتها السابقة واللاحقة، عن التفاف نظام الأسد وحلفه الروسي/الإيراني على جوهر القرار الدولي 2254، الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 18/12/2015.

هذا القرار وقّع عليه الروس بعد تدخلهم المباشر عسكرياً ضد الثورة السورية، وضد الشعب السوري، إذ كانت طائراتهم تقصف بوحشية مناطق حررتها قوى الثورة، وكان هناك أهدافٌ عديدة، تقف خلف هذا التدخل.

أول هذه الأهداف كانت وضع قدم روسية في مياه البحر الأبيض المتوسط، وثانيها كان منع سقوط الأسد، وهذا يعني منع امتداد شرارة الثورة السورية إلى أرجاء منطقة الشرق الأوسط، ثم إلى الدول الإسلامية، التي يعتبرها الروس جزءاً من الاتحاد الروسي، ومن المجال الحيوي لهم.

الروس أرادوا سوريا ورقة ضغط ضد الولايات المتحدة وحلفها الغربي، لاستخدامها في مسائل صراع في مناطق وقضايا خلافية، مثل قضية أوكرانيا، والوضع الليبي، ومسألة الدرع الصاروخية، وقضايا الطاقة.

الإيرانيون تدخلوا لنصرة النظام السوري، الذي يشنّ حرباً على شعبه، من أجل وضع سوريا ضمن حلقات الدول الدائرة في القطب الإيراني الصفوي، وحدث ذلك قبل التدخل الروسي بوقت طويل.

لهذا، حين وقع الروس على القرار 2254، كانوا مؤمنين بضرورة إفراغه من محتواه، ووضع طريق جديدة لحلٍ سياسي، يريدونه ملبياً لمصالحهم، التي ذكرنا جزءاً منها، ولكن كان ينقصهم الوقت اللازم لتنفيذ مآربهم، لأنهم لم يكونوا آنذاك في وضع يفرض شروطاً.

كانت عملية تخريب المفاوضات تجري على أكثر من مستوى، منها، محاولة زجّ قوى غير محسوبة على الثورة السورية، في بنية هيئة التفاوض، مثل منصة موسكو، التي كان رئيسها قدري جميل، يشغل منصب نائب رئيس وزراء ووزير للتجارة في حكومة النظام بعد مرور عامين على الثورة.

وبعد مرور خمس سنوات على تشكيل أول هيئة تفاوض، لا يزال الحل السياسي وفق القرار 2254 بعيد المنال، وهذا يعود إلى إصرار الروس على تحقيق أغلب مطامحهم، إضافة إلى محاولة إعادة انتاج النظام بصورة مقاربة لصورته الحالية.

الروس وبعد خمس سنوات من تدخلهم العسكري المباشر لصالح النظام، وجدوا أنفسهم أمام جدار مسدود، هذا الجدار يتمثّل بعدم قدرتهم، على فرض طريق حلٍ سياسي، وفق ما خططوا له، فمخططهم، اصطدم بالرفض الأمريكي والأوربي الغربي، لأي حلٍ سياسي خارج 2254، واصطدم بالوجود العسكري التركي في سوريا، الذي له حسابات، لا تتفق والرغبة الروسية، وقد حاولوا في بدايات عام 2020 تخليص منطقة خفض التصعيد الرابعة من القبضة التركية، لكنهم اكتشفوا أن تركيا ليست في وارد الانسحاب من إدلب أو باقي مناطق وجودها في سوريا.

لهذا، فإن المخطط الروسي بتجزئة القرار 2254 إلى سلال أربع، لم يقدهم إلى تحقيقه مآربهم، بتفريغ هذا القرار من محتواه، وفرض صيغتهم للحل السياسي بدلاً منه.

فاقتراحهم بتشكيل اللجنة الدستورية وعملها، قاد بعد أكثر من سنة إلى فشل واضح، هم من يقف خلفه، إضافة للنظام وحليفه الإيراني.

وقد كشفت التصريحات الروسية، وما تضمنه بيان سوتشي لجولة مفاوضات أستانا 15، أن الأمور في حالة انتظار، لتحديد اتجاهات الموقف الأمريكي الجديد في عهد بايدن من جهة، وكسب للوقت من جهة أخرى، من أجل زيادة تعقيد المشهد السوري عبر دفع النظام لإجراء انتخابات زائفة، رفضها المجتمع الدولي والسوريون.

الروس والإيرانيون والنظام يشغل كل طرف منهم مساحة لتخريب الحل السياسي الدولي، الروس لا يريدون تمرير عمل مثمر للجنة الدستورية، وهم يدعون أنهم لا يستطيعون الضغط على النظام السوري، بل دورهم يكمن في تقديم النصيحة، وهذه كذبة كبيرة وصريحة، فلولا الروس و”الفيتوات” التي استخدموها في مجلس الأمن وهي كثيرة جداً، لحماية النظام ومنع معاقبته دولياً لانتهاكاته الخطيرة لحقوق الإنسان، وارتكابه جرائم حرب ومنها جرائمه الكيماوية، لما كان هذا النظام موجوداً اليوم في سدة الحكم بدمشق.

الإيرانيون يعلنون غير ما يبطنون، فهم يدعون أن النظام شرعي، وينسون أنه نظام استخدم القوة العسكرية بوحشية ضد المدنيين الآمنين، تحت حجة أنهم حاضنة للثورة. ليس ذلك فحسب، بل هم شاركوا في ذبح السوريين، وعملوا عبر “حرسهم الثوري”، وعبر أذرعهم الميليشياوية التي جندوها للدفاع عن نظام الأسد، وجلبوها من أفغانستان ولبنان والعراق وغيرها، على التغيير الديمغرافي وفرض دينهم الشيعي على شعب جوعوه ويساومونه على معتقداته مقابل إطعامه.

هذا الموقف الإيراني أخذ شكلاً إقليمياً لمساندة نظام الأسد، حيث حشد كل ما يستطيعه لتحويل الثورة السورية إلى صورة كاذبة تظهر بمظهر صراع طائفي كاذب سني/شيعي.

هذا الموقف الإيراني المعادي للسوريين، تقف خلفه أحلام ملالي طهران بقيام إمبراطورية فارسية تكون سوريا إحدى حلقاتها، وقد سمي هذا الحلم (الهلال الشيعي).

لهذا اشتراك إيران بمفاوضات أستانا، هو لزيادة دعم وجود نظام ضعيف في دمشق، يستطيع تلبية احتياجات إيران السياسية والاقتصادية بما يخدم مخططاتها، ولذلك هم خطرون إقليمياً، ويجب طردهم من منطقتنا العربية كلها، وتقويض حلمهم الفارسي.

أما النظام السوري، الذي انكشف بكل جلاء أمام حاضنته، التي صدّقت أنه يقودها نحو مصالحها بمواجهة باقي الشعب السوري، فقد وصل إلى طريق مسدودة، وهو موجود بحكم قوة وجود حلفائه، (الروس والإيرانيين، والميليشيات متعددة الجنسيات) وليس بقوته الذاتية، وتبينت صحة هذه الحالة، عندما كان بقوته واجتاحت قوى الثورة السورية كثيراً من جغرافية البلاد، وحررت 80% منها، ولم يستطع أن يصمد في وجهها.

النظام السوري دخل نفق نهايته منذ زمن بعيد، ولن يستطيع أن يفرض استبداده السابق على السوريين، وحاضنته بدأت حراكها المعادي له، ونهايته مرهونة بتفاهمات روسية – غربية لا أكثر، فمتى تم التوافق الروسي/الأمريكي/الغربي، سيسقط هذا النظام بسرعة البرق، ولهذا فانتخاباته، لن تزيده قوة، بل ستضعه في فوهة سقوطه، فهو عاجز عن تأمين الخبز والطاقة والخدمات وفرص العمل والأجور الطبيعية، والانفجار قريب، ولن يقدر حلفاؤه على نجدته، أو بثّ الحياة فيه.

الروس يغرقون في الوحل السوري يوماً وراء يوم، وفاتورة تدخلهم تزداد تكلفتها، وليس أمامهم غير الانصياع لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 بجوهره، وكلما مرّ زمن غرقوا أكثر فأكثر، وهذا ما يجب أن تعيه قوى الثورة والمعارضة وتزيد من أواره، بدل اليأس والإحباط الذي يتفشى في بعض مفاصلها حالياً.

السوريون يواجهون حلفاً للنظام تدعمه قوات احتلال روسية/إيرانية، فهل يفكرون جيداً كيف يطردون هذه الاحتلالات؟. سؤال بحاجة لإجابة صريحة.  

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني