fbpx

نصوص غير مملحة عن امرأة تدعى لينا

0 102

1- حين أضعت روحي

شيء ما أحس إني أفتقده، شيء يتعلق بتلك الضفاف البعيدة لروحي، فأنا خرجت ذات يوم من حلقة وجعي الأكبر، فارتطم جسدي المنهك بنور الكون.

كانت الدنيا أشبه بسباق الظلال في انكسار الضوء، البشر ليسوا محايدين، بل كانوا يتصارعون على حصة أكبر من متاع هذه الدنيا، يتصارعون بطرق مختلفة، ويشحذون هممهم على صوان الوقت، ثم يتبارون باستعراض ذواتهم وغرائزهم ، لكنهم في كل مرة يخسرون شيئاً من أرواحهم، ثم يصيرون جدراناً عتيقة تنتظر لحظة الهدم.

شيء ما أحسست إني وجدته، حين اصطدمت نظرات عينيكِ بوجعي، كنتِ أشبه بغزالة أصابها الوجل، غزالة عطشى ولا ماء في الأفق القريب. فسألتك من أنتِ؟ وبعد ردح من مطر وآهات، قلت لي: هل نسيت من أنا؟ قلت وأنا أتمعن بترابك أكثر فأكثر، لا أتذكر ، ثم بكيتِ أمامي وقتذاك، عرفت أنكِ روحي التي فقدتها، حين ولجت أول مرة بوابة ذلك المعتقل البعيد.

لا أعرف كم مرُ من وقتٍ على بكائك، ولكني أعرف أن سماء مدينتنا بكت مطرها على أجسادنا الهزيلة، فلقد كان جوعٌ ورصاصٌ وبراميلُ متفجرة، وكانت شوارع تنضح بألمها جثثاً مرمية، ولا أعلم لماذا امتدت كفّي اليمنى تجسّ جسدي بحثاً عن شظيةٍ أو قتيلٍ سكنني خلسة.

قلت لك اقتربي.. ضحكتِ كسماء خلعت في التو مريولها الرمادي، وهمستِ بصوت مرتجف.. هل سنموت معاً؟ قلت لك الموت حياة بطريقة أخرى.

2- النافذة المطلة على جرحي لا تزال مشرعة أمام عبث أصابعكِ النحيلة.. فأنا يا سيدة الكلام، لا أزال أمارس الصمت.. وتأخذني دروبه إلى مقبرةٍ، أقرأ على شاهداتها، أن الموتى هم من يعبر الجرح إلى السكينة، فلا أبالي إن مضيتِ وحيدة في قفركِ السري، أو إن اطلقتِ عليّ ما شئت من جنون رغباتكِ.. لا أبالي إن امتدت أصابعكِ إلى ما تبقى من حلمي، وذرته في جنون عاصفة عابرة.

3- عفاريت “لينا” الفصل الأول من الحكاية

لم يكن قدراً حين التقيت بامرأة تدعى “لينا”، كان صيفٌ يشي ببعض لهيب، ولم يكن ثمة مفرٌ من وسواس كلما قتلته رجع بهياً كقوس قزحٍ مخاتل.

سألت لينا: ما بك حزينة؟ وما كل هذا الفراغ الموحش الذي تبوح به عيناكِ؟

لم تجب لينا بغير غصّتين وبضع دمعات، ثم قالت لي: لا أريدك أن تغوص في وحل أوجاعي. وأردفت بصوت خفيض حزين: أنا امرأة بلا جهات، فقدت بوصلة روحي منذ أن سادت لغة الرصاص في مدينتنا.

تخيّلت الرصاص، كان أشبه بأصابع عفاريت وقعت في حقل ذهول، فالموت يتسرب من النوافذ والأبواب، وربما مع سقف ينهار نتيجة دعابة تمارسها طائرات ترمي براميل الموت، أو صواريخ تتشهى حرق كل شيء.

لينا قالت لي سأخبرك بأمر، قلت لها هل خسرت فيء الروح؟

بكت لينا كطفلة تترقب موتاً أشبه بحد سكين تلامس العنق بشفرتها القاتلة، ثم تلت عيناها سيل دموع مدهشة وقالت: منذ ذلك اليوم المرعب، أحس بأن روحي ليست مستقرة، روحي ربما سكنتها عفاريت حكايةٍ كانت تقصّها علينا (حبّابة) أم أمي.

العفاريت تبعثر أعماقي، تمنعني عن تهجّد أبتغيه، فتفرّ عصافيره، ولا يبقى مكانها غير نار لا تقبل الانطفاء.

اقتربت لينا وقلت لها انظري في عيني لأخبرك شيئاً.

نظرت لينا، وكان جدارٌ من دمع شفيف يبعد نظراتها الأكيدة عن عينيّ، لكني قررت أن اقتحم جدار الدمع، وحين فعلت، وجدت مزق حكايات ذابلة، وبالقرب منها وجع يكاد يشبه سحنتي، ولكني لم أبك.

قلت للينا: تطهّري بالنار. قالت كيف أفعل ذلك، قلت اقتلي خوفكِ الأول. قالت لا أملك غير خوفي وصلاتي.

ابتعدت عن لينا، عرفت حجم المرارة حين أزّ الرصاص في روحها وقتذاك، ماتت كل أزهار القلب، ولم تبق غير كائنات غير مألوفة يسمونها العفاريت، والتي تجيد لعبة السخرية المريرة.

ابتعدت عن لينا لكني أحسست في تلك اللحظة، أن عفاريت روحها تسللت إلى دمي، وسكنت في أزقته المهدمة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني