fbpx

ندوة رياض حجاب في الدوحة.. ماذا ستناقش وبأي نتائجٍ ستخرج؟

0 1٬403

تنعقد في الدوحة عاصمة الدولة القطرية ندوة حول الوضع العام للقضية السورية، حيث تنتظم هذه الندوة على مدى يومي 23 و24 يناير عام 2022.

هذه الندوة دعا إلى عقدها والتحضير لها الدكتور رياض حجاب، وهو رئيس حكومة سورية انشقّ عن النظام عام 2013، والذي تسنّم منصب رئيس هيئة المفاوضات السورية المعارضة بعد مؤتمر الرياض1.

ستناقش الندوة التحولات في مواقف الدول العربية والإقليمية إزاء القضية السورية، ومواقف حلفاء النظام ودبلوماسية الدول الضامنة إضافة إلى المواقف الغربية والدولية وآفاق الوساطة الأممية.

كذلك ستناقش الندوة الأداء السياسي والدبلوماسي لمؤسسات قوى الثورة والمعارضة الرسمية وغير الرسمية، وإدارة الحكم في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، وستضع تصورات وسيناريوهات متوقعة للمشهد السوري في عام 2022.

انعقاد هذه الندوة بهذه المحاور، والجهات المدعوة لحضورها، والتوقيت لها، ليس مجرد ندوة عادية، وإنما تنعقد في ظل ظروف ذاتية وموضوعية سنناقشها في هذا المقال.

حول الظروف الذاتية، يمكن القول إن الأفق بات مسدوداً أمام طرفي الصراع في سوريا، (قوى الثورة والمعارضة من جهة، والنظام الاستبدادي الأسدي من جهة ثانية). هذا الانسداد مردّه إلى تكوين بنى الطرفين، وفهمهما لطبيعة الصراع بينهما في ظلّ توازنات دولية في حالة تبدل مستمر.

فقوى الثورة ومنذ البداية لم تضع في استراتيجيتها قيمة الأطراف الإقليمية والدولية في ميزان قوى صراعها مع النظام، وهذا جعلها قيد مواجهات أوسع وأعقد من مواجهة مع النظام بمفرده. إضافة إلى أنها برّرت لنفسها الانخراط بمواجهات عسكرية وحالة حرب مع النظام، انطلاقاً مما أسمته الدفاع عن النفس.

وقوى الثورة والمعارضة التي وصلت إلى وضعها الحالي، وهو وضع عدم استقلالية قرارها الوطني، لم تفكّر باتباع طرق أخرى تواجه بها النظام وحلفه الإيراني/الروسي، ولهذا، كانت تقبل بتقديم تنازلات حيال تنفيذ القرار الدولي 2254، إذ اكتفت مؤخراً بالموافقة على التفاوض عبر اللجنة الدستورية حول صياغة مشروع دستور سوري جديد بإشراف الأمم المتحدة، وبذلك لم يعد بمقدورها، وفق بنيتها وتكوينها السياسي الحالي، تغيير ميزان القوى، لفرض التفاوض على النظام، حيث أن أغلب مكوناتها ترتبط بمشاريع أجندات إقليمية ودولية، لا تصبّ في المحصلة في مصلحة التغيير السياسي العام في البلاد.

كذلك وقع النظام بخطأ جسيم، أفقده قدرة السيطرة الحقيقية على مسار الصراع مع قوى الثورة، التي تطالبه بتغييرات عميقة في بنية الدولة والنظام الاستبدادي المفروض بالقوة على السوريين، فالنظام الذي استعان بقوى طائفية مثل حزب الله الشيعي اللبناني، وفصائل عسكرية طائفية من العراق وغيره، واستدراجه للحرس الثوري الإيراني ثم للجيش الروسي، إنما كان يقدّم تنازلات سيادية لهذه القوى مقابل دعم بقائه في السلطة.

إن ملف الصراع السوري في المرحلة الحالية وقبل ذلك بمسافة أكثر من خمس سنوات لم يبق ملف صراعٍ داخلي، بل تداخلت فيه أجندات مصالح الدول المنخرطة به، مثل روسيا وإيران والغرب بقيادة الأمريكيين وتركيا، ولهذا انتقل محور الصراع إلى الخارج، وأصبح السوريون فيه مجرد متابعين لما يُرسم لبلادهم من قبل هذا الخارج ومحصلة موازين قواه على الساحة السورية.

إن ندوة الدوحة لا ينبغي أن تكون مجرد ندوة سياسية عادية، بل هي دعوة لأوسع طيف سياسي وفكري وإعلامي، هذه الندوة ليست لمجرد تبادل الأفكار، بل هي لوضع القضية السورية تحت الضوء والشفافية والصراحة وهذه مهمتها.

إن ندوة الدوحة ليس مطلوبٌ منها تشكيل جسم بديل عن أطر المعارضة السورية الرسمية، مثل ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، وهيئة المفاوضات السورية، وفريق المعارضة في اللجنة الدستورية، بل المطلوب منها وضع أسس فعّالة لتوسيع هذه الأطر، وتحويلها من وضعها الحالي المتكئ على جهود مجتمع دولي غير مكترث بصورة حقيقية بوضع الشعب السوري، الذي يطحنه اللجوء والنزوح الداخلي وحالة الفقر المدقع، الذي يواجهه بسبب استمرار النظام في السلطة بحماية روسية إيرانية.

إن انعقاد ندوة الدوحة ربما يساعد في الدعوة لعقد مؤتمر وطني سوري شامل لكل المكونات السورية السياسية منها، ومنظمات المجتمع المدني، وكذلك الشخصيات والنخب الفكرية والثقافية والاجتماعية السورية، فمثل هكذا مؤتمر سيشكل رافعة حقيقية على طريق استعادة القرار الوطني السوري من القوى المتدخلة بالصراع.

إن نشر أعمال الندوة بصورة شفافة، وترويج مخرجاتها على أوسع نطاق، سيضع حجر أساس لإعادة إنتاج الممارسة السياسية لقوى الثورة والمعارضة بعيداً عن التجاذبات، التي لا تزال تؤثّر فيها، وكلما نقُص التأثير الإيديولوجي في المسارات السياسية الوطنية، كلما استطاعت قوى الثورة العودة بالصراع إلى سكته الحقيقية، من أجل فرض التغيير السياسي الشامل لنظام الحكم في سوريا.

إن ندوة الدوحة محتاجة إلى طرح رؤية صريحة في نقد ممارسة قوى الثورة والمعارضة، ولا ينبغي عليها إيجاد صيغ تسوية تخدم وتبّرر عجز الأطر القائمة عن أداء مهامها السياسية بصورة فعّالة، وهذه الندوة تستطيع حرث التربة الوطنية وتمهيدها سياسياً من أجل خلق مرجعية وطنية شاملة عبر التوافقات على قاعدة تغيير النظام الاستبدادي، واستبداله بنظام دولة مؤسسات، تبني نظاماً سياسياً مدنياً تعددياً، يحترم كل مكوناته ويزجها في تنمية سورية شاملة.

إن تعميق نقاشات ندوة الدوحة، يجب أن يتوج بمخرجات على صورة توصيات ضرورية وحاسمة، من أجل إخراج القضية السورية من مأزق انسداد حلّها السياسي وفق قرارات الشرعية الدولية، التي لا تزال روسيا تعمل على تفريغها من مضمونها بما يكفل لها إعادة انتاج نظام الأسد بصورة مزركشة وبتغافل علني عن كل الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين والدول المجاورة.

لهذا نجد في ندوة الدوحة بارقة أمل من أجل إعادة إنتاج وعي قوى الثورة والمعارضة بطريق وطنية فعّالة لا تتكئ على مساندات خارجية.

فهل نشهد هذه البارقة في ندوة الدوحة وهي تتسع، لتصبح طريقاً يضيء حقوق السوريين بوطن جديد متصالح مع وطنيته؟.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني