مقابلة السيد آدم حض الاقتصاص باليد
تهرب الدراما السورية في العام 2020، من مواجهة القضايا الواقعية الحياتية في السياسة والاجتماعي والاقتصادي إلى الدراما البوليسية في أكثر من عمل درامي منها “مقابلة مع السيد آدم، ويوماً ما”، بالإضافة إلى الخطوط الدرامية البوليسية في أكثر من عمل منها “ورد أسود، سوق الحرير، الحب جنون”.
وتعود أسباب هذا الهروب إلى قضايا عدة منها الرقابة، وكيفية القول في الخطاب الدرامي السوري بعد كل هذه السنوات من الحرب والصراع الميداني العسكري المباشر بين النظام وداعميه، والمعارضة العسكرية الفصائلية المعتدلة والجهادية، وتمحور الدول الإقليمية والعالمية حول مصالحها على الأرض السورية.
ويأتي توظيف بعض صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي للمعارضة التشابه في صور الضحايا، إذ قالت الصفحات أن الصورة المستخدمة في العمل الدرامي هي للناشطة الراحلة رحاب علاوي، والتي استشهدت بسبب تعذيبها في سجون النظام السوري بعد اعتقالها في العام2013.
بينما ينفي صناع العمل وفي مقدمتهم مخرجه وكاتبه فادي سليم أن يكون قد حصل ذلك لأن للأعمال الدرامية تقاليدها وتوثيقها الواقعي المبني على عمليات التصوير والإخراج والمونتاج مباشرة لا تحتاج إلى هذه الفرضية.
ويمكن القول إنه من حق كل طرف أن يستغل أخطاء خصمه أو حتى الإيحاء بها، ويوظفها بالطريقة التي يراها مناسبة وصولاً إلى كتابة المواد الصحفية في أكثر من موقع ومجلة وجريدة بحيث يخدم موقفه السياسي والقانوني والإنساني.
حكاية العمل تتناول جريمة قتل يقوم بها الشاب (سدير مسعود، معتصم)، الذي تمتلك والدته شركة، وهو على علاقة مع زميلته في الدراسة المصرية التي يوظفها بها بعد عودته من الدراسة إلى الشام، لكن الفتاة تحمل منه، ويختلف معها حول رغبتها في إبقاء الجنين، بينما هو يرفض استمرار الحمل، وفي لحظة المواجهة بينهما يدفعها إلى الخلف، فتسقط ميته، وحتى يتم إخفاء الحمل يجري الطبيب عملية إجهاض (تجريف)، ويتبعها سلسلة عمليات استئصال للأعضاء، لكي يوحي للتحقيق أن القتل جرى بسبب تجارة الأعضاء.
إن الوصول إلى هذه الحقائق البوليسية في إطار التحقيق من منظار تحقيق جرمي وفحص طب شرعي – حيث لعب هذا الدور”علي صطوف، دكتور نزار” –لم يكن بسهولة، وإنما مر بمحطات حتى الوصول إلى كشف هذه الحقائق وإثباتها.
هذا الشاب معه فريق عمل جرمي يبدأ من محامية الشركة (رنا شميس، ديالا) وزوجها المحامي (لجين إسماعيل، يوسف) حيث يعملان في شركة محاماة خاصة بهما، إلى جانب (طبيب شرعي مفصول بسبب الأمانة، كفاح الخوص)، ومعهم محام آخر(شادي الصفدي، جبران)، هذا الفريق يعمل وفق حاجة القضية الجريمية حسب توجهات (معتصم، ديالا)، بينما فريق التحقيق (الأمني/ البوليسي) حسب المواقع والرتب (رئيس قسم التحقيقات، أكرم الحلبي، الضابط المسؤول عن فريق التحقيق” محمد الأحمد، المقدم ورد”، وإلى جانب ” وسيم الرحبي، ناصر”، و” كرم الشعراني، عاصم”).
وكان قد استعان المقدم ورد بالدكتور(غسان مسعود، آدم عبد الحق) الذي قدم رؤيته الطبية والتشريحية بقتل الفتاة سالي نتيجة الحمل، لكن ديالا طلبت من زوجها يوسف ابن الدكتور آدم تغيير نسخة التقرير بعد حذف قصة حمل سالي، وطلبت منه تسليم النسخة الجديدة إلى معتصم الذي أخفى النسخة التي قدمها الدكتور آدم، وحتى يضمنون سكوت آدم خطفوا ابنته (حياة) المريضة بمتلازمة داون، وهددوه بقتلها إذا صرح بأن التقرير غير دقيق، وبذلك اختفت قضية الحمل من التقرير الطبي، وبقيت في رأس المقدم ورد الذي استدعى الدكتور آدم لمكتب رئيس قسم التحقيقات، واعترف أنه أخطأ في التشخيص الطبي الشرعي، وعادت حياة إلى بيت والدها ليلة واحدة فقط وماتت نتيجة عدم العناية الطبية في مرحلة الاختطاف.
ويقضي آدم حزنه عليها بعد دفنها في قريته التي لا يظهر أحد من سكانها وتبقى (ريما، ضحى الدبس) زوجته في القرية لكي ترد على هواتف (يوسف، وديالا) بأن حياة ما زالت على قيد الحياة، بينما “أبو يوسف، الدكتور آدم” دخل مرحلة الانتقام لموت حياة من شخصية المساعد (معتصم) الذي قتله بطريقة باردة وطبية، ووجه رسالة واضحة إلى فريق التحقيق بأن (الفساد/الرشاوى) موجودة في قسم التحقيقات، وتابع آدم عملية التصفية بقتل (أبو جابر، ذي الساق المبتورة) شنقاً موجهاً تحدياً جديداً لفريق التحقيق، لكن المفاجأة جاءت بمقتل المحامي جبران على يد ابنه يوسف عندما كان يرغب بالخروج من سوريا إلى لبنان، وهنا يأخذ فريق الجرائم (آدم، ومصطفى، وديالا، ويوسف) استراحة درامية بوليسية تخفف من ضغط المتابعة البوليسية لدى المشاهد.
ويستأنف عمله تجاه والدة معتصم على أساس أنها رأس الخيط في عملية تحديد بقية فريق الإجرام، ومع دخول فريق التحقيق نحو البحث في سجل وأرشيف يوسف جاد الحق إلى جانب حماية الأستاذة الجامعية (تولين البكري، ريتا)، وشريكتها في السكن. وبهذا يكون فريق التحقيق قد دخل على أول مفاتيح خيوط الجريمة الخاصة بالمحامي رامي.
وبغض النظر عن كيفية كشف خطوط التحقيق، وإلى أي مدى سوف يصل في الطريق المفتوح أمام الدكتور آدم للانتقام وارتكاب مجموعة من الجرائم تحت مبرر حبه لابنته “حياة”، وعدم وضع ملف مقتل حياة في يد البوليس الجنائي في العمل الدرامي هو سياق آخر خاص في التحريض على الجريمة والانتقام باليد المباشرة وليس في ظل القانون الجنائي على الأقل، وهذا يوضح تقدم الذات الفردية السوبرمانية في تحقيق الانتقام وإشباع غريزة الانتقام الإنساني في عودتها إلى أساسها “الحيواني”، وليس أنسنة الإنسان بالمعنى الإنساني.
وتشكل القسوة أداة أساسية في مشهدية حركة الأحداث التي يستقطبها العمل الدرامي مقابلة مع السيد آدم، ويقدمها بأسلوب المتابعة البوليسية الشقية التي تحبس الأنفاس ليعيد تكوينها بشكل مؤثر وفاعل بالمشهد خصيصاً عند (مشاهد مصطفى المصطفى الذي يراقب المحامي رامي من السيارة وحديثه على الهاتف مع خاله آدم).
فالمخرج يعيد توظيف القسوة معتبراً أن شكل الحياة الذي يجسده بصرياً في عمليات القتل الدرامية المبرمجة دون أي حالة الاسترخاء جزء من التقنيات الحديثة للتعبير البصري عن القسوة والجريمة المنظمة.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”