fbpx

مغالطة الحرب الأهلية دلالاتها وآثارها

0 110

تتردد على ألسنة ومسامع السوريين مجموعة من المصطلحات يُنظر لها مجموعة من مراكز البحوث والدراسات، وتُنشر كأوراق بحث لباحثين سوريين وغير سوريين تُعبر عن موقف عدد من الأطراف الفاعلة في الملف السوري ويتم التسويق لها على أنها حقائق صالحة للبناء عليها في أي مقاربة للحل في سورية، بينما تحمل في طياتها مغالطات خطيرة وخاصة المصطلحات التي تتعلق بتعريف وتأصيل النزاع في سورية وأهمها واخطرها مصطلح ’’الحرب الأهلية‘‘ ومصطلح ’’الإرهاب‘‘ وحيث أن لكل مصطلح من هذه المصطلحات دلالات سياسية وقانونية تنعكس على حقوق السوريين الأحرار وعلى مصير الثورة وعلى المجتمع السوري بشكل عام، مما يقتضي تعريف كل مصطلح ودلالته وآثاره القانونية.

أولاً: الثورة: الثورة هي انقلاب جذري على الوضع القائم سياسية واجتماعيا ودستوريا تقوم به مجموعة من المواطنين من انطلاقا من حقها بممارسة حقوقها وحرياتها الأساسية والسياسية التي أقرتها المواثيق والمعاهدات الدولية والدساتير السورية المتعاقبة، وهي أحدى مظاهر الممارسة السياسية كما تعتبر “الثورة المسلحة” إحدى مراحل السلوك الثوري وخيار مشروع عندما تغلق أمامهم ابواب التغيير الشرعية بسبب ممارسات الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية واستبدالها بنظام حر ديموقراطي يحقق العدالة والمساواة ويكرس المواطنة واحترام الحقوق وكرامة وحرية المواطن وتعزيز الروح الوطنية بما يحقق وحدة المجتمع وتماسكه وصيانة وحدة اراضي البلاد والدفاع عنها وارساء مبادئ توزيع السلطات والفصل بينها، والثورة حق مشروع للشعوب التي تعاني من الاستبداد والفساد والظلم والقهر وانتهاك الحرمات وهو صراع بين شعب ونظام حكم تقوده طعمة من المجرمين والفاسدين.

وعليه يستند التأصيل لمشروعية العمل الثوري على جميع المستويات ’’العسكرية والقانونية والسياسية‘‘ وهي أهم الثوابت التي يجب أن يتمسك بها كل حر، فهي مصدر شرعيته ومستند حقوقه القانونية وضمانة لتحقيق أهداف الثورة وانتصار قيمها ومبادئها كونها تنبع من المطالبة بالحقوق الأساسية التي أقرتها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية وأهمها حق الشعوب بتقرير مصيرها وحماية حقوقها في الحرية والكرامة..

ثانياً: الإرهاب: ويأتي بعدة صيغ ومفردات منها “العصيان المسلح” و’’العصابات الإرهابية‘‘ حيث تُعتبر الثورة بنظر النظام المجرم مجرد أزمة داخلية بين السلطة الشرعية ومجموعة من المتمردين الذين يشكلون مجموعات إرهابية مسلحة تعمل لصالح أجندات أجنبية معادية على انتهاك سيادة الدولة وتفكيك وحدة شعبها وتقسيم أراضيها، تعتمد هذه الجماعات الإرهاب وسيلة لذلك، ويترتب على هذا التعريف ما يلي:

– إن الثورة هي عصيان مسلح وضرب من ضروب الإرهاب الدولي وبالتالي فإن ما يقوم به الثوار هو خروج عن القانون والدستور وان حربه على الإرهاب تتفق مع القانون الدولي.

– إن ما يقوم به النظام هو حق قانوني يكفله القانون الدولي والدستور والقوانين الوطنية، مما يشرعن كل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها ضد الشعب السوري.

– اعتبار النزاع أزمة داخلية يفرض على المجتمع الدولي احترام سيادة واستقلال البلاد وعدم التدخل في شؤونها، ما يعني استفراد النظام بالشعب الثائر والتنكيل به بعيداً عن الرقابة الدولية والإفلات من العقاب.

– تنقلب مسؤولية بشار الأسد وأركان نظامه من مسؤولية جنائية التي تقوم على العقوبة وجبر الضرر ورد الحال على ما كان إلى مسؤولية تقصيرية الناتجة عن الإهمال وعدم اتخاذ الحيطة والحذر وتعطيه الحق بالتمسك بأحكامها والتي تقوم على نظريات ”مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه والمسؤولية عن حراسة الأشياء والمسؤولية عن حراسة الحيوان وعن أعمال التعسف باستعمال الحق والتذرع بأحكام الدفاع المشروع وحالة القوة القاهرة وحالة الضرورة وفعل الغير وتطبيق القانون وتنفيذ الالتزامات الدستورية“.

– تنتهي الأزمة إما بالقضاء على العصابات الإرهابية أو باستسلامها والخضوع لقوانين وتشريعات النظام ومحاكمات وأحكام قضائه الجائر.

وهذا هو الخطر الجسيم الذي يحاول النظام السوري تكريسه من خلال تمسكه بحقه في محاربة الإرهاب ومحاولة اقناع المجتمع الدولي بدعمه في هذه الحرب باعتبار أن هذا الإرهاب مصدر كل الشرور في العالم ويهدد الأمن والسلم الدوليين وهو ما دفع الكثير من الحكومات وأجهزة الاستخبارات الدولية للتعاون معه ما أطال بقاءه وتسبب يتفاقم مآسينا.

ثالثاً: الحرب الأهلية: النزاع غير الدولي يختلف عن النزاع المسلح الدولي بسبب الوضع القانوني للكيانات المشاركة أطراف النزاع ليست دولاً ذات سيادة، وإنما حكومة دولة ونفس الدولة الواحدة في النزاع مع وجود فصيل مسلح واحد أو أكثر على أرضها. وتعتبر الحرب الأهلية إحدى صور النزاعات الداخلية أطرافها، جماعات مختلفة من السكان كل فرد فيها يرى في عدوه وفيمن يريد أن يبقى على الحياد خائناً لا يمكن التعايش معه ولا العمل معه في نفس الحيز الجغرافي. وتتعدد وتتنوع الأسباب المقدمة لنشوء الحروب الأهلية سياسية، دينية، طبقية، طائفية، عرقية، إثنيية، مذهبية، إقليمية، استقر العرف الدولي على أن الحل الأكثر نجاعة لها على مدى العصور التفاوض السلمي.

ومفاهيم النزاع المسلح الداخلي والحرب الأهلية والتمرد والعصيان وهي ليست فئات خاصة يُعرفها ويعترف بها القانون الإنساني وتثير تساؤلات سياسية وقانونية أيضاً فهذه النزاعات متباينة إلى حد بعيد في ملامحها سياسياً وقانونياً وعسكرياً وفي الواقع، يتقابل في مثل تلك المواجهات، الجيش وأجهزة تنفيذ القانون المحلية، من جانب، مع أفراد ومعارضين أو جماعات مسلحة من غير الدول منظمين إلى حد ما ويعتبرهم القانون الوطني مجرمين. ومن الطبيعي أن تحجم الدولة التي تتعرض سلطتها وسيادتها للهجوم من الداخل عن الاعتراف بوضع من يهدد سلطتها كخصم. وتميل الدولة المعنية في أغلب الحالات إلى إنكار وجود نزاع والتذرع بوضع من الاضطرابات يجيز لها قانونياً تجريم أعمال الجماعات المعارضة المسلحة وحشد كل قوى تنفيذ القانون والأجهزة العسكرية المحلية تحت اسم النظام العام.

تتصف الحروب الأهلية بالضراوة والعنف وبالنتائج الاقتصادية والاجتماعية المدمرة على المدى القريب، والمؤثرة بعمق على المدى البعيد، لأنها تشمل مناطق آهلة بالسكان وتكون خاضعة لهجمات متقطعة وغير منتظرة، وتفرق بين الأهل والجيران فتشل الحياة الاقتصادية وتمزق النسيج الاجتماعي، ويحتاج المجتمع إلى عدة عقود من الزمن لإعادة البناء والتوازن والوئام.

أخطار تمرير هذا المصطلح:

  • لا يُطبق القانون الإنساني حتى الآن في حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية ولا يقيد حق الدولة في اللجوء إلى القوة سوى الاتفاقيات الإنسانية الدولية المعنية بحقوق الإنسان والتي لا تزال فعاليتها المباشرة محدودة.
  • إن الذين يحملون السلاح ضد دولهم – سواء أكانوا أفراداً أم جماعات مسلحة من غير الدول وهذا ينطبق على ’’الثوار السوريين‘‘ – يخضعون للقانون الوطني وبالتالي حرمان المقاتلين من الامتيازات القانونية باعتبارهم مذنبون بارتكاب أنشطة جنائية أمام القانون المحلي. وهم يدخلون فئة المدنيين الذين يشاركون مباشرة في الأعمال القتالية، وبالتالي يصبحون أهدافاً مشروعة أثناء وطوال الوقت الذي يشاركون فيه بشكل مباشر في الأعمال القتالية.
  • في النزاعات المسلحة الدولية تحمي المعاهدات والاتفاقيات الدولية المدنيين من عنف المتحاربين أو تحظر الاغتصاب أو التعذيب أو التدمير المتعمد للمستشفيات أو الكنائس أو المتاحف أو الممتلكات الخاصة أو تحرم الأسلحة التي تسبب معاناة غير لازمة عندما تخوض دولتان تتمتعان بالسيادة حرباً، بينما في الحروب الاهلية تمتنع عن فرض نفس الحظر أو توفير نفس الحماية عندما ينشب العنف المسلح “فقط” داخل أرض بلد ذي سيادة.
  • تشكل الحروب الأهلية فرصة لتدخل الدول الكبرى أو المجاورة في مجريات الأمور الداخلية للدولة المعرضة لمثل تلك الحروب التداخل الصراعات الدولية والإقليمية مع الحرب الأهلية، ما يدفع الحكومة إلى معاملة الفريق الثائر كطرف في حرب أجنبية غير عادية وذلك بغية التحلل من الالتزام بقواعد الحرب، كحماية الأسرى وتجنب محاكمتهم كخونة وعدم اللجوء إلى الأخذ بالثأر.
  • تثير الحروب الاهلية صراعات واصطفافات عقائدية وإثنية وعرقية وطائفية وفكرية وطبقية ”تنعكس سلباً على أساليب وآليات حلول إنهاء الحرب الأهلية وتتجلى بالتمسك بالهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية والانتماء العرقي أو الطائفي الإثني أو المذهبي أو الطبقي أو الديني على حساب الانتماء الوطني وتكريس المحاصصات الطائفية والعرقية والدينية على حساب الوحدة الوطنية وابتداع مفاهيم مستحدثة لا تتناسب مع أخلاقيات وعقائد وعادات المجتمع تطيح بالتراث الحضاري للشعب.
  • خلق أزمة دستورية وقانونية من خلال تكريس مفهوم الحرب الأهلية حيث ظهرت نتيجة هذا الافتراض الخاطئ عدة مصطلحات ومفاهيم لا علاقة لها بالثورة لا من حيث الشكل ولا المضمون يتم فرضها مضامين دستورية وتكريسها كنصوص عليا مقدسة لا يجوز المساس بها مثل “العلمانية، الجندرة، فصل الدين عن الدولة، الهوية العرقية والإثنية، حقوق الأقليات وحمايتها”، مبادئ فوق دستورية.
  • وحيث أن المجتمع الدولي أقر بأن التفاوض هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب الأهلية الأمر الذي يبيح له فرض حصرية الحل على السوريين بما يسمى الحل السياسي ونقل السلطة والذي تمت قرصنته من قبل روسيا عبر مسار سوتشي واستلام ومؤتمر الرياض2 الذي انبثقت عنه اللجنة الدستورية والتي ظهر دورها في تخريب الثورة والتعدي على ثوابتها وكشفها من خلال تمرير المفاهيم التي تخدم مصالح النظام والمجتمع الدولي والدول المتصارعة في سورية على حساب الثورة والثوار.
  • تقوم العدالة في الحرب الأهلية على قاعدة “الجميع شركاء في المسؤولية والجميع شركاء في تحمل النتائج” يعني يتساوى الجاني والضحية بالمسؤولية الجنائية بالتالي عدم إمكانية محاسبة الجميع جنائياً ما يجعل الخيار الوحيد للحل هو “جبر الضرر” ومن أبرز تطبيقاتها:

– العدالة التصالحية: التي تتعلق بجرائم الدم والجراح والاعتقال التعسفي والتغييب القسري والاغتصاب والتهجير القسري والحصار واستخدام الأسلحة الكيميائية، وهي نقيض العدالة الانتقالية التي تقوم على المحاكمة الجنائية والتعويض وجبر الضرر ورد المظالم.

– العدالة التعويضية: وتتعلق بجرائم الاعتداء على الأموال المنقولة وغير المنقولة وينحصر حق المتضرر بالتعويض إذا تم التصرف بهذه الأموال من قبل المعتدين، وهو تكريس لعمليات غصب العقارات والاستيلاء عليها بموجب القوانين العقارية وعمليات التزوير مثل قانون 10 لعام 2018 والمرسوم 66 لعام 2012 وقانون التطوير العقاري وقانون تملك الأجانب وقانون تملك الشركات الأجنبية وقانون إعمار العرصات وقانون إزالة الأنقاض وغيرها من القرارات الأمنية.

– العدالة التوزيعية: وتعني توزيع المسؤولية عن الأضرار في الأرواح، والممتلكات والأموال على الجناة والضحايا والمجتمع.

– تحل لجان المصالحات ولجان التفاوض والوجهاء محل القضاء والمحاكم مما يفتح باب سطوة أصحاب النفوذ والمال والسلطة والقوة على حساب العدالة والقضاء والذي يفترض فيه الحيادية والشفافية والاستقلال، وتمتد عمليات المصالحة عشرات السنين بينما التقاضي أمام المحاكم أسرع وأكثر عدلاً وإنصافاً.

إن افتراض الصراع في سورية بأنه حرب أهلية، افتراضٌ لا يستند الى أي دليل منطقي وبالتالي فإن أي مقاربة للحل تبنى على هذا الافتراض هي مقاربة غير منطقية لن يكتب لها النجاح ومصيرها الإهمال، وإن احتكام أصحابها إلى قوة مجلس الأمن أو الدول الكبرى لفرض هذه المقاربة وبناء أي حل سلمي على أساسها سيزيد أمد وقوة الصراع وسيحوله فعلاً إلى حرب أهلية مستقبلاً.

أهم وأخطر ما يكرسه مفهوم الحرب الأهلية، ويتلاقى مع مفهوم النظام للثورة بأنها عصيان مسلح، وحرب على الإرهاب هو براءة السلطة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية باعتبارها ضحية الحرب، وأطرافها الطامعين بالاستيلاء على السلطة ونزعها من يدها الأمر الذي يوجب عليها تحمل مسؤوليتها الدستورية والقانونية ويفتح الباب لمشاريع الحل القائمة على تفكيك الشعب والتراب السوري إلى مكونات عرقية واثنية وطائفية ودينية وإعادة إنتاج سورية جديدة بنظام حكم جديد قد يكون تقسيمي وقد يكون فيدرالي وقد يكون شكلاً مستحدثاً تبتدعه عقول أعداء الثورة والشعب السوري.

إن أصحاب هذه النظرية يشبهون “بروك روست” قاطع الطريق اليوناني، الذي تقول الرواية إنه كان صاحب طريقه خاصه جداً في التعامل مع ضحاياه، فقد كان يستدرج ضحيته ويُضيفه ويُكرِم وفادته، وبعد العشاء يدعوه إلى قضاء الليل على سريره الحديدي الشخصي، الذي لا مثيل له بين الأَسِرة إذ كان يتميز بميزةٍ عجيبة.. هيَ أن طوله يلائم دائماً مقاسَ النائم أياً كان، غير أن بروك رست لم يكن يتطوع بتفسير كيف يتأتى لسريره أن يكون على مقاس الجميع على اختلاف أطوالهم، حتى إذا ما اضطجع الضحيةُ على السرير بدأ بروك رست عمله، فجعلَ يربطه بإحكامٍ ويشد رجليه إن كان قصيراً ليمطهما إلى الحافة أو يبترهما بَتراً إن كان طويلاً ليَفصِل منها ما تجاوز المضجع، حتى ينطبق تماماً مع طول السرير وظل هذا دأبه الى أن لَقيَ جزاءه العَدل على يد البطل الإغريقي ثيسيوس الذي أخضعه لنفس المَثُلة، فأضجعه على السرير ذاته وقطع رقبته لينسجم مع طول سريره.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني