fbpx

مسلسل بستان الشرق.. كوميديا بلا ضحك

0 149

السوري اليوم

ليس نقداً فنياً خالصاً وفق مدارس نقدية، بل ما أكتبه خليط من النقد الممزوج بالمواقف الأخلاقية التي يفرضها الواقع المعاش، والمواقف الأخلاقية في بعدها العميق التي يؤديها الفن في مجتمع مفكك مهدم، تشتعل منه ألسنة لهب من الحقد والقتل والضياع. فحتماً ستكون زوايا النظر إلى أي عمل فني فكري، زوايا معقدة ومتشابكة تحتاج لإجابات، أعتقد تلك مهمة الفن أن يعبر عن موقف بالكوميديا أو التاريخ أو عبر كل الاشكال و الصور فمثلاً النظام يسخر الفن والكتاب والصحيفة والفنان والصحفي والأكاديمي لخدمة أغراض السياسة (الشنيعة) وقوى الثورة والمعارضة، وتلك التي هي محسوبة على هذا الجانب سواءً كانت بعباءات دينية أو علمانية او فطرية، ومهما اختلفت التسميات وتعددت المذاهب الدينية والعلمانية والفنية لابد أن يكون انتاجها محكوم ضمن هذا الجانب، وأما الأسئلة المتعلقة بالفنانين فهي أيضاً متداخلة بين من صفق للنظام لدواعي مختلفة، الحياة والخوف والقناعات المبطنة، وبين الفنان الذي اتخذ موقفه الأخلاقي، من اليوم الأول محترماً رسالته ودوره في المجتمع والفن والثقافة.

في هذا الجانب لا يفيد كثيراً ترديد مصطلحات غير صالحة مثل الحياد، اذا لا حياد في الحق ولا حياد اتجاه قاتل وضحية، ولا مصطلح انعدام البدائل، فهذا المصطلح خطير سياسياً، فكيف الحال مع الفن، ولا يفيد مصطلح الهروب عبر كوميديا لا علاقة لها بالأطراف المتصارعة. فلو افترضنا ان هناك حقاً طرفاً ثالثاً فالغريب ان لا يوجد تياراً يحمل افكاراً متبلورة، او منهج ولم يقدم موقفه من هذه الأطراف، وغيرها من المصطلحات والتبريرات التي تجعل القائمين على أي منتج في حالة فشل ومن فشل الى فشل.

ولو دخلنا في الموضوع المراد نقده أو نقضه، نقول إن مسلسل بستان الشرق وفي حلقاته الأولى خلق هذه الأسئلة، وخلق فيها الأجوبة، إذا تفحصنا مجمله وتفاصيله والمباشر وغير المباشر منه.

كانت حلقة يا حرية تحمل رسائل مبطنة تشويهية غبر مداعبة ومخاطبة اللاشعور، والعقل الباطن الإنساني بالسخرية من فكرة الحرية وبطريقة مصطنعة، لا تحمل اية ابعاد فكرية ولا فنية ولا كوميدية، إذا اختصر صناع العمل فكرة وجوهر ثورة السوريين بحلقة تشويه فكرة الحرية، وما تحمله هذه الكلمة من معاني كبرى تتعلق بالتخلص من الاستبداد، او التطلع الى العدل والمساواة، الى سمو فكرة الحرية، التي هي جوهر الانسان وقناعاته وايمانه، وتشكل امتحان الانسان في حباته مع نفسه ومع طواغيت الظلم والفساد، للوصول الى الانسان السليم والمجتمع السليم والايمان المطلق بالإنسان والله والحياة، ثم اختصار هذه الكلمة المشعة في مسلسل بستان الشرق برجل (أندريه سكيف) يطلب حريته عندما يخرج عن عباءة صاحب الفندق الذي يعمل به، الجنرال (مازن الناطور) ويبدأ ببث مباشر وأمام الناس، بتوبيخ هذا الضابط، أنه متسلط وكان يسرق قوت الناس وأنه سيء، ما إن تفشل رحلة هذا الرجل البسيط، حتى يعود ويتسول الاعتذار من الجنرال ليسامحه في مشاهد مذلة، ويسجل فيديو اعتذار مستوحى من فيديوهات الاعتذار لحسن نصرالله أو لبشار الأسد؟ وإن سأل أحد أية فيديوهات نتحدث؟ يكفي ذكر فيديو سلوم حداد عند عودته لحضن الوطن، هذه الايحاءات في المسلسل مركبة على طريقة فبركات النظام، لا لنقدها، لكن لمحاكاة هذه الفبركات مثل فيديو مجزرة جسر الشغور التي كان منتج المسلسل أحد أبطال هذه الفبركة، كذلك يوجد المزيد من المعاني التي أراد صناع المسلسل تخزينيها في الصور الذهنية للمشاهد والعقل الباطن له عن ان من نادى بالحرية غبي لا يفهم ما يريد، من خلال حديثه عن البيجامة الحمراء إذا ماذا يعني ان يمتلك انسان بيجامة حمراء ألبسة داخلية ملونة!! لكنها الرسالة المترابطة في عملية التتبع الاعلام، بدأت بالترويج بعدم وجود بديل للديكتاتور والمجرم والسفاح؟ تبعها نقد لاذع للمعارضة لتصل الى البيجامة الحمراء؟.

قد يحاجج أهل السياسة بأن لا أخلاق في السياسة! لكن أن يتبنى أهل الفن هذه المعادلة أعتقد كما يقر تاريخ الفن، أن هذا مقتل للفن والثقافة والفكر، وهنا قد يحاجج صناع العمل أن هذا في سياق النقد والضحك واللهو. وأبين أن الكوميديا هي أخطر أنواع الفنون في إيصال الرسائل وما التجاوزات الدرامية للواقع المعيش أو التجاوزات التي يقوم بها منتجو الدراما التاريخية بتجاوزها الوثيقة التاريخية لضرورة الفن والحبكة الدرامية والإثارة والتشويق إلا مقولات خادمة للفكرة المراد ايصالها، في جميع الأحوال نحاول التقاط الرسالة وايصالها وإعلان موقف أخلاقي منها وموقف إجمالي، وحتى من زاوية نظرية الفن للفن فأنها اساءات لها حيث لم تأخذ مواصفات هذا الفن المثالي المنزه عن الأغراض والأيديولوجيا والمواقف لأنه في النظرية يريد إيصال جمالية فقط، بينما في الحالة المنقوضة أراد إيصال عكس ذلك إذ لا فن إذا لم يضحك الناس ولا أخلاق بنقد الإنسان البسيط والطالب للحرية والعدل، ولا فكر، فهي تضليل فلسفي مبنى على أسس معاكسة لجميع نظريات الفكر التي أكدت على الحق والحق المطلق في الشرائع والمواثيق وحق الناس والعباد في الحياة والانتصار لهم ضد الطغاة والطواغيت.

وفي الإطار الفني فالعمل يعاني من فشل بالقراءة الأولية ورغم وجود فنانين مهمين إلا أن النمط الدرامي الذي. وضع فيه هؤلاء الفنانون لم يكن موقفاً إذا لم تسعفهم محاولاتهم في (الضحك) والضحك كرمز للفرحة وكانت المحاولات في خلق الضحك مموجة وتفتقد إطاراً متتابعاً، فبقيت في جزر متفرقة حالت والضحك، فاضحاك الناس بمجرد كلمات وحركات على طريقة خطيب بدلة تعال نضحك، لم تسعف الممثلين في تحقيق هذا الهدف، فالكوميديا تنبع أولاً من الموقف ثم البناء عليه، وكساءه بالجمل والحركات والتعبيرات، بعد إعطاء الأوامر لينبض الضحك بإشارة البدء.

الغزل الأمريكي

في حلقة ورطة دوبلكس وسط أحداث متقطعة غير مترابطة يقحم صناع العمل رجل أمريكي ويتم اختطافه من عمال الفندق من أجل فدية ثم يعطونه هم نقود لإنقاذ حياة والده، في حلقة مستوحاة من إعلام النظام ونظرية (ما في شي) لتقزيم قضية الاختطاف، وتقزيم الدور الأمريكي وهذه رسالة سياسية متجذرة في العقل السوري الذي يعتاش على فكرة العداء لأمريكا الشكلي؟ والشيء غير المفهوم وخارج أي سياق درامي هو إقحام مشهد يذكرنا في الأفلام الغربية التي كرست صورة العربي السيء، مشهد مندرج في الحلقة للبذخ العربي وطقوس الراقصات والجواري بأزياء عربية، والموسيقا أندلسية، وتنتهي الجلقة عبر ضابط الأمن الجنائي قائلاً: (شو ما بدهم يعملوا يعلموا) دون النهاية بالحدث.

دنياك ما دامت

حلقة لتحقير الشعب السوري، في مبالغات غير واقعية وغير متخيلة، لم تخدم فكرة الكوميديا إنما تشكل صورة عن شعب سيء بمجمله، إذا يهرب المؤلف إلى حلم يحلمه فؤاد رحمة الجنرال، وقد أصابه شلل فأقعده وكيف انقلب الجميع عليه، ليصحى من حلمه ويبقى في حالة هلوسة، وإن كانت رمزية الحلقة عن النفاق للزعيم، فهي أظهرت عكس ذلك إذا تروي سوء عموم الناس حيث لم يبقى أحد في بستان الشرق إلا أظهر وجهه القبيح حتى زوجته وأصدقائه، إلا الطباخ الذي وقف إلى جانب زعيمه؟.

وأخيراً إذا كانت قضية الشعب السوري أحوج ما تكون لفن يعبر عن قضيته ومعاناته وغربته وأزماته وتطلعاته، فالمؤكد إن هذا العمل المنتج من شركة “ميتا فورا” وهي ضمن منظومة دخيلة على الفن والإعلام، والعمل السابق المنتج من قبل ذات المنظومة، كان أسوأ من الحالي وهو مسلسل وجوه وأماكن، رغم أنه مخرجة هيثم حقي، فإن هذه الأعمال أكدت على المقولات السياسية للمنظومة برمتها وهي تقود حملة تشويه جديدة للثورة والمعارضة وطالت أبعد من ذلك الشعب السوري، في الوقت الذي يحتاج فيه الشعب السوري لفن يقدم له إجابات عن الأسئلة التي تشغله، وهي تتمحور تحت سؤال لماذا وصلنا الى هذه الحالة كوطن وكمعارضة وثورة ومن هم الفاعلون الدخلاء الذين أضروا بقضية السوريين وتحكموا بمصيرهم وأرزاقهم، لإقامة إمبراطوريات فكرية وفنية وإعلامية على معاناة الشعب السوري وربما نصل إلى درجة نصل فيها للانتقال إلى شمولية سياسية أشبه بشمولية حافظ الأسد بعد هذا التمهيد في الإعلام والفن والفكر السياسي، وربما الأهم اننا سنبحث بعدها عن هويتنا وذواتنا التي يجري الاستهزاء بها، وأعتقد جازماً أن جرح الشعب السوري أرقى وأسمى من أن يكتب في مواخير السياسة.

وفي سياق النقد الفني المرتبط بالعمل فان محاكاة مشاهد قديمة في الدراما السورية لم تنفذ العمل من تفككه، مثل محاكاة مسلسل الطواريد وثنائية الفنانين محمد حداقي وأحمد الأحمد ومحاولة تطبيقها في مسلسل بستان الشرق، بثنائية حداقي والصفدي، وليتهم اشتغلوا على ذلك ربما كانت متعة الكوميديا، ومشهد ربط النقود بخيط ووضعها في الصندوق ثم سحبها في محاكاة لمشهد غوار وسندويش اللحم يبيعه ويسحب قطعة اللحم منه، ومحاكاة الزوج اللبناني في الفندق مع أبو جندل وأيضاً غير مفهوم أي دور لهذا الثنائي اللبناني زوج وزوجه زوج غيور وزوجة توبخه في كل شيء.

والحقيقة الثابتة هي أن الشعب السوري ونخبه، ما يزال يتطلع إلى فن يرتقي لمستواه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني