مسرح متنقل في إدلب.. متنفس الأطفال في ظل الحرب
يعايش أطفال إدلب مشاهد الدمار، وأصوات القصف والتفجيرات التي تلقي الرعب في قلوبهم الصغيرة، لذلك تطوع شاب لتسلية الأطفال، وعرض المسرحيات الهادفة لهم، بهدف إبعادهم عن أجواء الحرب، حيث يتنقل وليد منذ أعوام بين مناطق عدة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، للترفيه عن الأطفال العالقين في دوامة المعارك المشتعلة بين الحين والآخر.
وليد أبو راشد من مدينة سراقب هو صاحب فكرة المسرح المتنقل يتحدث لنينار برس عن أهدافه: “لم يعرف أطفال إدلب من حياتهم سوى القتل والدمار، كما حرموا من اللعب والتسلية، ومشاهدة البرامج الترفيهية بحكم انقطاع التيار الكهربائي بشكل مستمر، لذلك تطوعت لتقديم العروض المسرحية لهم بهدف إسعادهم وزرع الأمل في قلوبهم.”
كان وليد مولعاً بالتمثيل منذ طفولته، وحين بلغ السابعة عشر من عمره، انضم إلى فرقة سراقب المسرحية، وفي أواخر عام 2010 نال المرتبة الأولى على محافظة إدلب في مسابقة المواهب الشابة، وكان يطمح للدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، لكن الخوف من الاعتقال من قبل الحواجز التابعة للنظام السوري حال دون تحقيق ذلك، لكنه يتدرّب باستمرار عبر السكايب مع فرق مسرحية معروفة، وفنانين وأكاديميين للاستفادة من خبراتهم.
ويشير أبو راشد إلى أنه انضم إلى فرقة “الكرفان السحري” التي تقدم للأطفال عروضاً مسرحية في مخيمات النازحين، ثم أسس لعمله الخاص عام 2018، حيث نظم أول عرض لمسرح الدمى في مخيم للنازحين في ريف اللاذقية الشمالي المحاذي لإدلب، وعن ذلك يقول: “حين رأيت فرحة الأطفال بالعرض، وتصفيقهم لي، لم أستطع حبس دموعي، وصممت على المتابعة والاستمرار بتقديم العروض مهما كانت الأحوال.”
يختار أبو راشد الأنقاض مكاناً لتقديم عروضه ليحول المعاناة والألم إلى فرح، أما في أيام التصعيد العسكري من قبل النظام وحلفائه فيمضي إلى قبو منزله الذي حوله إلى مساحة لتقديم عروضه، بديلاً عن الساحات العامة، لحماية الأطفال من القصف.
ويردف قائلاً: “أقدم العروض أيضاً في مخيمات النازحين، لدعم الأطفال نفسياً، حيث قدمت عروضاً في ريف حماة الشمالي وريف اللاذقية وريف حلب الغربي، وشاركت في مسرحية خيال الظل “كركوظ وعيواظ” في حفل افتتاح المركز الثقافي في مدينة إدلب، أما الأدوات التي أستخدمها فهي عبارة عن دمى ملونة تجسد حيوانات أو شخصيات كرتونية محببة لدى الأطفال، إضافة لوجود لوح خشبي يحوي فتحة من الأعلى على شكل تلفاز، لعرض حكايات الدمى المتحركة من خلالها.”
فور وصول أبو راشد ونصبه اللوح الخشبي، يتحلق حوله أطفال القرى والبلدات الذين ليس لهم ملجأ إلا “المسرح المتنقل”، بعد أن حطمت الحرب كل وسائل الترفيه لديهم وحرمتهم رؤية برامج الصغار التي يحبونها، منهم الطفلة نور العباس (10سنوات) نازحة إلى مخيم على أطراف مدينة سرمدا الحدودية، يروق لها حضور عروض المسرح المتنقل، وتشعر بسعادة كبيرة، وعن ذلك تتحدث لنينار برس: “يزورنا المسرح المتنقل بين الحين والآخر، وأذهب مع صديقاتي لحضور العروض المشوقة التي تحكي عن قصص حيوانات الغابة، وتعلمنا دروساً هامة في الأخلاق.”
كذلك الطفل عبد الرحمن البكري (9سنوات) من مدينة بنش، ما إن يسمع بوصول المسرح إلى حيه حتى يدفع أخاه الجالس على كرسي متحرك، ويسرعان لحضور المسرحيات مع بقية أطفال الحي، تسبقهم قلوبهم لرؤية الدمى الملونة وهي تحكي لهم القصص الممتعة، وتصدح أصوات ضحكاتهم البريئة، وعن ذلك تتحدث أمهما: “أصيب ولدي البالغ من العمر 8 سنوات بشظية صاروخ من طائرة حربية أفقدته القدرة على المشي، وبعد علاج طويل استقر به الحال على كرسي متحرك، وقد أثرت عليه الإعاقة وجعلته حزيناً ومنطوياً طوال الوقت، لكنه يضحك كثيراً، وتبدو عليه السعادة حين يشاهد عروض المسرح المتنقل.”
في المخيمات وبين أنقاض المنازل المدمرة يقاوم أبو راشد الحرب والدمار بالفن المسرحي، ولا تثنيه المعارك المشتعلة عن زرع البسمة على وجوه الأطفال، ونشر الفرح والأمل في نفوسهم بعد أن حرمتهم الحرب من حقوقهم، وعيش حياتهم بسلام كبقية أطفال العالم.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”