fbpx

مستقبل سوريا بين الشراكات السياسية والتحديات الداخلية للقوى الديمقراطية

0 57

في ظل التحولات السياسية التي تعيشها سوريا، ومع تولي السيد أحمد الشرع قيادة المرحلة الجديدة، تجد القوى الديمقراطية نفسها أمام مفترق طرق حاسم. فبعد سنوات من المعارضة، حيث كان دورها الأساسي مواجهة النظام السابق، باتت اليوم أمام مسؤولية مختلفة تماماً، هو الانتقال من المعارضة إلى المشاركة في بناء الدولة. لكن هل هي مستعدة لهذا التحول؟ وهل ستتمكن من تجاوز أخطاء الماضي، أم أن التاريخ سيعيد نفسه؟

لطالما كانت المعارضة السورية متعددة التوجهات، تعاني من الانقسامات والصراعات الداخلية التي أضعفتها وجعلتها غير قادرة على تشكيل بديل حقيقي للنظام السابق. هذه الانقسامات لم تكن فقط أيديولوجية، بل امتدت إلى المصالح الشخصية والتنافس على النفوذ. واليوم، ومع تغير قواعد اللعبة، بات من المهم جدا إعادة النظر في أسس العمل السياسي والتعامل مع المرحلة بعقلية مختلفة.

إحدى القضايا الجوهرية التي تواجه القوى الديمقراطية اليوم هي كيفية بناء شراكات سياسية حقيقية. فالديمقراطية ليست مجرد شعارات تُرفع في الساحات السياسية، بل هي عملية معقدة تتطلب توافقاً على مبادئ الحكم، وتوازناً بين مختلف التيارات. فالتجارب السابقة أثبتت أن عدم القدرة على التوافق السياسي كان أحد العوامل الرئيسية في تعثر محاولات التغيير. وكما قال الفيلسوف الفرنسي فولتير: “لا توافق حيث لا تسامح”. فكيف يمكن إذن تجاوز هذه العقبة؟ ربما يكون الحل في بناء تحالفات قائمة على مبادئ واضحة، تتجاوز الاستقطاب التقليدي بين التيارات العلمانية والإسلامية، وتضع الأولوية لمصلحة البلاد.

لكن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في التفاهم بين التيارات المختلفة، بل في قدرة هذه القوى على التواجد الحقيقي بين الجماهير. ففي الماضي، افتقرت المعارضة إلى آليات حقيقية لربط خطابها بالنسيج الاجتماعي السوري، وهو ما سمح للنظام السابق باستغلال هذه الفجوة لصالحه. اليوم، هناك فرصة لإعادة بناء هذه العلاقة، من خلال إشراك المواطنين في عملية صنع القرار، وتعزيز دور المجالس المحلية، وضمان أن تكون الديمقراطية ممارسة يومية وليست مجرد حديث نخبوي.

كما أن العلاقة بين التيارات العلمانية والإسلامية في سوريا الجديدة تحتاج إلى إعادة تعريف. خلال السنوات الماضية، كان هناك استقطاب حاد بين الطرفين، حيث نظر كل منهما إلى الآخر بعين الشك. لكن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يقوم على الإقصاء، بل على خلق مساحات مشتركة للحوار والتعاون. إن التجارب العالمية أثبتت أن المجتمعات التي نجحت في الانتقال الديمقراطي كانت تلك التي وجدت صيغة تضمن تمثيل جميع الأطياف، مع التزام واضح بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.

من الدروس التي لا بد للقوى الديمقراطية أن تتعلمها من الماضي، هو أن الانقسامات الداخلية لا تؤدي إلا إلى إضعاف الموقف السياسي العام. فلقد أضاعت المعارضة فرصاً كثيرة بسبب الخلافات البينية، واليوم لم يعد هناك متسع من الوقت لمزيد من الأخطاء. فالمطلوب ليس مجرد توافق شكلي، بل إعادة تأسيس العمل السياسي على أسس ديمقراطية حقيقية، تقوم على النقد الذاتي والاعتراف بالأخطاء، وليس التمترس خلف المواقف الإيديولوجية الجامدة.

إن سوريا المستقبل لا يمكن أن تُبنى دون تفاهمات عميقة بين مختلف القوى السياسية. فالتغيير لا يعني استبدال طرف بآخر، بل يعني خلق نموذج سياسي جديد قادر على استيعاب الجميع. ومع وجود قيادة جديدة في البلاد، فإن القوى الديمقراطية أمام فرصة تاريخية لإثبات أنها ليست مجرد قوى معارضة، بل فاعل سياسي حقيقي قادر على المساهمة في إعادة بناء الدولة. كما قال نيلسون مانديلا: “إذا أردت أن تصنع السلام مع عدوك، فعليك أن تعمل معه، فيصبح شريكك”. فهل ستكون هذه القوى على مستوى التحدي، أم أنها ستعيد إنتاج أخطاء الماضي؟.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني