عن الدّيرِ قَيْدَ البُكا أعْرَضَا
كَمَنْ في العجاجِ مَشَى مُغمِضَا
وما كلُّ إعراضةٍ جَفْوةٌ
ولا كلُّ من قدْ جَفا أبْغَضَا
عن الدّيرِ إذْ شيعَّت نورَها
وأضْحى بها للدُّجى مِرْبَضا
فأضْحَتْ غريبةَ ما حولَها
كَليلٍ تَوَسَّط ما بُيِّضَا
فلَسْتَ ترى بَعدَ ريحِ النَّوى
سِوى غَرَبٍ مائلٍ نُفِّضَا
وتوتٍ دَهتْهُ السَّمومُ ضحىً
فلمْ تُبْقِ حُلواً ولا حامِضَا
وللذَّكرياتِ عويلٌ على
أبيها الذي عَدِمَتْ عِوَضا
خواءً غَدَتْ مُذْ عَضا أهْلُها
ورُدَّ إلى الله ما أقْرضا
تعيشُ الديارُ بسُكَّانِها
وتقضي إذا البينُ فيهمْ قَضا
لعَمْرُكَ ما لذَّةٌ تُشتَهى
إذا كانَ مَنْ كُنْته قَدْ قَضَى
وكلُّ ابنِ أنثى بِهِ غَفوةٌ
يُبَدِّدُها الموتُ إذْ يُنْتَضَى
وكلٌّ إلى أملٍ ناظرٌ
كمَيْتٍ رَنَا غَدَه المُجْهَضا
وعُمْرٍ بُكاءً بدا وانقضى
سريعاً سَرى سَخَطاً ورِضَا
وأسْكرنا ثمّ في غفلةٍ
تّوّشَّحَ أحلامَنا ومَضَى
لنَخرُجَ من كهفِ سَكرتِنا
كزَرْعٍ بريحٍ صَحَا حَرَضا
حَريٌّ بألا نُريقَ بِه ِ
على الغِلِّ مِنْ لحْظةٍ عَرَضا
وألَّا نُقيمَ بِهِ أمَلاً
على أبَدٍ بالفَنَا قُوِّضَا
نَعَوهُ إليَّ وليتَ دَرَو
نَعَوني بِنعي الذي قَدْ قَضَى
فإنِّي وإياهُ نفسٌ ولو
مُقَسَّمةٌ ماهِراً ورضا
فُراقان ِثالثُها ثابتٌ
فكلُّ لقاءٍ بهِ انْتقَضَا
على البَينِ حَمَّل آَمالنا
ليَذْرعَ بِيْدَ الجَوى غَرِضا
وها هوَ يَرقُدُ تحتَ الثَّرى
ولي تحتَ شوكٍ فَحيحُ الغَضَى
تذكَّرتُ في الدّير أيّامَنا
وجِسْراً ونَهراً بِنا راكِضَا
وقبلةُ أقدامِنا خيمةٌ
بَنىَ الفنُّ في قَلْبها مَعْرَضا
تَضمُّ بناتِ الرؤى دَهْشةً
تُبَلِّغُنا سِدْرةَ المُرتضى
وكمْ أضْحكَ الحزنَ حتَّى يُرى
عَنِ القَلبِ في خِفَّةٍ ناهِضَا
ولم أرَ شَخصاً له مُبغِضَا
ولمْ أرَهُ مُبغِضاً باغِضَا
كَأنَّ منَ الحبِّ صلصالَهُ
ومِنه لّهُ في الوَرَى فُرِضا
تذكَّرتُ صَالِحَ أيَّامِنا
ودَهراً ثيابَ الشَّقاءِ نَضَى
فَكمْ مِن شَديدٍ لنا قدْ عَنَا
وصَعْبٍ لَنَا قَودَهُ أخْفَضَا
يُعلِّقنا الحُلْمُ عِقداً على
غَزَالٍ يَجوبُ المَدَى نابِضا
وتعدو ضِباءُ الفراتِ بِنا
بأجفانهنِّ كَرَىً أمْرَضا
سَكبنَ النبيذَ بِطَرْفٍ رَنَا
وصوتٍ لهُ ساحرٌ قُيِّضَا
فَقُدْنَ الحكيمَ إلى طَيشةٍ
وأرجعنَ للشيخِ ما أُنْفَضَا
بُدورٌ شقَقْن قّميصَ الدُّجى
وليلَ الصّدور ِ بِما أوْمَضَا
نُحبُّ الحياةَ إذا ما دنو
وإنْ بَعدوا صاحَ جَمْرُ الغَضَا
ونشربُ كالشّهدِ حَنظلَها
ونرضى الذي لمْ يَكنْ يُرتضى
ولم نكُ ننأى بأنفسنا
عنِ اللهوِ خَشْيةَ أنْ نُرْفَضا
ولكنّنا ننتأي شَرَفاً
على قِمّةٍ خَوفَ أنْ نُدْحَضَا
بَكَى صاحبي مَنْ بكيتُ جوىً
وأرمضني ما لهُ أرْمضا
كمالُ المُكمِّلُ ثالوثَنا
غَدوتُ وإيّاهُ دونَ رِضا
فَقَدْنَا الذي كانَ تَوأمَنا
وكُلٌّ إلى حُزنْهِ فُوِّضا
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”
قصيدة رائعة و كلام من ذهب لشاعر طالما تميز بأسلوبه و صوره الشعرية الجميلة ، و رحمة الله على المتوفى