متى ستحترم موسكو إرادة الشعب السوري ومطالبته بالحرية والكرامة؟
لولا تدخل موسكو العسكري في 2015 لسقطت دمشق قالها الوزير لافروف وقبله قالها حسن نصر الله والمسؤولون الإيرانيون. وكل منهم يحاول تثبيت انتصاره في الحرب الظالمة ضد الشعب السوري دعماً لنظام استبدادي إجرامي فاسد.
بالفعل استطاعت موسكو أن تغير معادلة الصراع بين النظام ومعارضيه عسكرياً، بأن استعادت مناطق واسعة لسيطرة الأسد. وقال لافروف العام الماضي إن الوضع في سورية هادئ ومستقر ويقصد أن العمليات العسكرية توقفت ولا مبرر لعدم تقديم التمويل لإعادة اعمار سورية!
تحالفت موسكو مع نظام الملالي والميليشيات الطائفية لإبقاء نظام الأسد ونجحت شكلياً في ذلك. لكن توقف القتال في مناطق إدلب، وليس القصف الجوي الروسي الأخير للمشافي والمدنيين، فتح الأبواب على مصراعيها أمام منافسة شرسة مع إيران، وعلى قتال مع خلايا داعش النائمة. والمنافسة مع إيران قصة لوحدها ويرتبط بها الصراع غير الظاهر تماماً بين موسكو والنظام الأسدي.
وقد شهدنا حالات كثيرة حول التنافس الروسي/الإيراني على مدى سنوات في المجالات الاقتصادية والجيوسياسية والعسكرية والأمنية. وكلما تحدثنا مع الروس يقولون إن إيران مسيطرة على الوضع السوري وإن الأسد يميل إلى إيران وبالتالي لا ثقة به كحليف ولا كصديق قدمت له موسكو خدمات هائلة.
ولكن السؤال لماذا لا تتخلى موسكو عن الأسد وتختار بديلاً يضمن مصالحها، ويحظى بموافقة السوريين والقوى المؤثرة في المشهد السوري وخاصة الولايات المتحدة.
أعتقد أن الوقت يمضي ليس لصالح موسكو، علما أن النظام وطهران يريدان إطالة الوقت والتهرب من استحقاقات الحل السياسي فهم لا يؤمنون إلا بالحل الأمني العسكري. وهذا لا يناسب موسكو كونها دخلت سوريا لأهداف خاصة بها وتريد جني ثمار تدخلها ودعمها اللامحدود لنظام الأسد.
ولكن الواقع يقول إن موسكو تخشى من التغيير في سوريا، الذي قد يؤدي إلى خروجها من “المولد بلا حمص” كما يقول المثل. ويبدو أن الامريكان يلعبون على هذا الوتر بالذات وهم غير مستعجلين على الحل من بداية الثورة وحتى اليوم. فهم من جهة يزيدون العقوبات على روسيا بسبب أوكرانيا وبسبب اعتقال المعارض الروسي نافالني والناشطين الآخرين، ووصل الأمر إلى درجة وصف بايدن لبوتين بالقاتل وهذه حادثة تستحق التوقف عندها فلها دلالاتها الكبيرة في العلاقات الدولية. وبالطبع يتزامن كل ذلك مع توتر وتصعيد غير مسبوق في العلاقات الروسية/الأوروبية.
لقد كتب محلل روسي منذ سنوات بأن الولايات المتحدة نجحت في جر روسيا إلى المستنقع السوري. ونحن نضيف “دخول الحمام ليس كالخروج منه” على قول المثل الشعبي. فلو فكرت موسكو بالانسحاب من سوريا فهذا يعني سقوط النظام في موسكو كما حصل بعد التدخل العسكري السوفييتي في أفغانستان 1979-1989، حيث تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991. ولكن موسكو تقف اليوم في سورية أمام جدار أصم لا تعرف كيف تخترقه.
مازال الموقف الروسي الرسمي يراوغ ويحاول اللعب على الوقت من جهة ليضغط على النظام ليتجاوب مع عمل اللجنة الدستورية لأنها ورقة ذكية اخترعتها موسكو وتلهي بها كل الأطراف إلا النظام فهو لا يكترث بها. ولكنها تبحث عن مخرج ولكن ببطء شديد وقد يفوتها القطار.
يرى بعض الخبراء الروس أن نظام الأسد هو “الأكثر وحشية” في الشرق الأوسط، وأنه لا يقبل الحلول السياسية، ويضيف آخرون بأن نظام الأسد ليس حليفاً ولا صديقاً لموسكو. ويرى غيرهم أن النظام غير قادر على إدارة البلاد نتيجة ضعف القيادة وتفشي الفساد، بالإضافة الى الصراعات داخل النخبة الأسدية الحاكمة وتذمر السوريين معارضة وموالاة وشرائح رمادية من غلاء المعيشة المرعب.
إذا كيف يمكن الرهان على الأسد في المستقبل؟
سؤال برسم القيادة الروسية التي أرسلت أحدث طائراتها وعتادها العسكري مع مرتزقتها وخبرائها لكي يدافعون عن الأسد، علما أنهم قالوا إنهم ذهبوا لمحاربة الإرهاب والوقائع تثبت أنه لا أمريكا ولا روسيا قضوا على الإرهاب في سوريا، بل إن داعش دخلت إلى سورية بقرار استخباراتي دولي وخرجت بسرعة بنفس طريقة ظهورها، وقد ساعدها في الخروج قوات سورية الديمقراطية (قسد) والنظام وإيران والتحالف الدولي وحتى الروس لم يقصفوا قوافل داعش عندما خرجت من تدمر متجهة إلى دير الزور بطريق صحراوي طويل، عداك عن اتفاقات حزب الله والنظام مع داعش في انسحاب مقاتليها من منطقة عرسال إلى شرقي الفرات، وليس أخيراً شراء النظام النفط والقمح من داعش عن طريق رجال أعمال تابعين لماهر الأسد وعصابة النظام.
واليوم أصبح واضحاً للعالم تورط الكثيرين في إراقة الدم السوري وأولهم نظام الطاغية في دمشق والميليشيات الطائفية التابعة لإيران وجبهة النصرة وداعش وقسد وبعض الفصائل المسلحة التي تعتبر نفسها معارضة، بالإضافة الى قوى دولية قتلت المدنيين الأبرياء.
ولكن لماذا تتأخر موسكو باقتراح حل سياسي مقبول للخروج من الأزمة في سوريا. هل هي عاجزة عن صياغة الحل أم هي غير قادرة على قيادة عملية سياسية، أم أنها لا تمتلك الاستراتيجية السياسية في سورية؟
أعتقد أن بيت القصيد يكمن في تخوف موسكو من أي بديل مهما كان شكله، بالإضافة إلى أن موسكو ليست صاحبة الحل والربط في الحل السوري، بل هناك إدارة بايدن، التي لم تقل كلمتها كاملة صريحة حتى اليوم.
والرؤساء الأمريكان سواء الديمقراطيين منهم أم الجمهوريين كلهم يعملون وفق استراتيجية واحدة تختلف بعض تفاصيلها ولكنهم يلعبون أدواراً معينة في فترات معينة والنتيجة هي تطبيق خطة متكاملة حول سورية. ولا نشهد تغييراً حقيقياً تجاه سوريا في السياسية الأمريكية على مدى 10 سنوات. فهم ينتظرون ويراقبون ولا يبحثون عن حل بل يديرون الأزمة وبالطبع من ورائهم إسرائيل الحاضر الغائب.
وتحاول موسكو الضغط على بعض الدول العربية لتغير موقفها من النظام السوري بحجة إعادتها للحضن العربي، ولكن النظام أصلاً واقع في الحضن الإيراني! أو تدعو لرفع العقوبات عن النظام باعتبارها تضر بالمواطنين السوريين، علماً أن كل مصائب الشعب السوري وخاصة الاقتصادية والمعيشية منها، ناتجة عن سياسة النظام القائمة على الفساد والنهب ونظام المافيات منذ عقود.
وبتقديري ستدفع موسكو ثمن مواقفها الظالمة في دعم نظام عصابة الأسد، التي أثبت العالم بالدليل القاطع ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا وبدل تقديمه لمحاكم دولية يقومون بتلميع صورته!
ثم أن موسكو في الحقيقة تضع نظام الأسد المافيوي الفاسد في كفة وكل الشعب السوري في كفة أخرى، وهي ترجح كفة النظام. فإلى متى يستمر هذا الموقف؟ حتى أن مصالح موسكو وضمانها في سوريا مرتبط بشكل وثيق برحيل الأسد لأن بقاءه يعني عدم الاستقرار وهو قنبلة موقوتة من التوتر والاحتقان الشعبي.
الشعب السوري وفي الذكرى العاشرة للثورة خرج إلى الشوارع والساحات في جنوب سوريا وغربها وشمالها وفي بلدان العالم، وأعلن أنه مازال يصر على رحيل الأسد، وأن سوريا هي للسوريين، وأن سورية بدها حرية.