fbpx

ما وراء الحجاب

0 347

تعود بعضهم على وضع غطاء للرأس رجالاً ونساء منذ القدم فلم يكن الغطاء وليد تعليم ديني، فقد عرفه الإنسان ما قبل التاريخ حيث نجد اللوحات والمنقوشات لأناس يضعون قبعات أو قلسونات كنوع من الزي والتقليد آنذاك يختلف شكله حسب الوضع الاجتماعي فتاج الملكة أو الملك على شكل قبعة يختلف عن قبعات العامة فهو محض تقليد بداية ناجم عن الحاجة للحماية من البرد أو الحرارة، أو عن تعاليم دينية فيما بعد، على اختلافها سماوية كانت أم أرضية فأصبح فريضة لدى بعضهم كالإسلام واليهودية، حتى المسيحة فرضته على الراهبات، وهو زي للرجال والنساء فقد كان العرب في شبه الجزيرة رجالاً ونساء يضعون منديلاً لتغطية الرأس ومازال قائماً هذا الزي حتى الآن وكذلك الأمر في شمال أفريقيا حيث يضع الرجال غطاء كاملاً للرأس يبقي العنين مكشوفتين فقط (الطوارق) بينما النساء يكشفن وجوههن، وكانت القبعات للرجال والنساء في أوربا تختلف في شكلها حسب الوضع الاجتماعي أو المادي وقد تميزت ملكة بريطانيا بقبعاتها المميزة بالألوان وما زالت القبعة تأخذ حيزاً لدى مصممي الأزياء والموضة العالمية.
رغم أن غطاء الرأس بالأساس هو عادة وتقليد نابع عن حاجة للحماية من عوامل الطقس فوضعه أم عدمه عائد لحرية الفرد، منشؤه لم يكن فرضاً أو قانوناً يلزم الأفراد، فقد تفردت الديانتان الإسلامية واليهودية بفرضه على المرأة وهذا نابع من وضع المرأة ونظرتهما إليها من كونها تثير غرائز الرجل الحيوانية، وإني أرى أن الفرض إذا كان يستند إلى كبت الغرائز والشهوات فهو تصغير وتحقير للرجل الذي تجعله هذه الحماية المفترضة في صورة الوحش الذي ينقض على المرأة عندما يرى جسدها فلا يتحكم في رغباته وغرائزه ويفصل عقله عن العمل والإدراك وتتضح حقيقته البشرية أو الحيوانية بالأحرى.
إن في ذلك تعد على الرجل وعلى المرأة معاً وعلاقتهما من المفترض أن تكون قائمة على المحبة والثقة والاحترام والتشاركية بالمشاعر والأحاسيس وليست علاقة طرفين سالب وموجب وعلاقة فيزيائية وميكانيكية.
إن العلاقة بين الرجل والمرأة تقوم على اجتماع إرادتين بالغتين حرتين تجمعهما المحبة والتفاهم والاحترام المتبادل فالمرأة ليست وعاء لفض رغبات الرجل الجنسية، والرجل ليس مصدر تمويل لتحقيق حاجيات ورغبات المرأة، فالعلاقة لا تقوم على المصالح المتبادلة بل على المحبة والمحبة فقط.
وعندما نرى النظرة المتدنية للرجل والمرأة معاً بجعل حجاب المرأة قضية شعب بين تكفير وتصفيق، ندرك أننا في بعد عن الحقيقة التي يجب أن يفهمها كل فرد، إن الإنسان رجل كان أم امرأة من حقه الطبيعي والأساسي الذي ولد معه أن يتصرف في حياته الشخصية وفق رغباته وحريته الكاملة، وهو خياره ولا يحق لأحد التدخل فيه، فهو خارج دائرة اختصاصه، وهذا التدخل تعد على حق لشخص آخر وبالأخص بالنسبة للمرأة، التي هي أصلاً محجوره في قوالب رسمت لها بموجب السلطة البطريركية الابوية الذكورية في مجتمعاتنا، هذه السلطة التي كان لها الدور الكبير في تخلف مجتمعاتنا وبؤس قوانينا في لغتها التمييزية الجامدة الصماء، المسيطر عليها من قبل هذه العقلية المتحجرة التي تتخذ من الأديان مطية لتحقيق مصالحها الشخصية وإبقاء الشعوب في ضياع وهذيان عن حقيقة واقعها المؤلم الذي يشكل أساساً مادة دسمة لنمو العفن والطحالب ذات المظهر الديني شكلاً السياسي مضموناً، للاستمرار في قمع الشعوب وقهرها ومصادرة خيراتها، فمصالح هؤلاء الساسة تقتضي الإبقاء على التخلف والتصحر الفكري لأن نمو الفكر وإعمال العقل يودي بها إلى مزابل التاريخ، لذلك كان للمرأة الحيز الأكبر في إثارة الشارع وجعلها مصدر اهتمامه.
ومركز اعتقاده محصور في جسدها ومظهرها دون النظر اليها كإنسانه حرة لها حقوقها الإنسانية الكاملة وعليها واجبات كالرجل تماماً.
موقفك من المرأة دليل مستواك المعرفي وإدراكك العقلي فعندما تراها إنسانة كاملة تساويك بالحقوق والواجبات فانك تحترم إنسانيتك وتعبر عن نفسك بهذه الصورة التي ترسمها للمرأة، فإن رسمتها كما ترسم شخصك فإنك إنسان مفيد لنفسك ولمجتمعك، وهو تعبير عن حريتك وبالتالي احترامك لحرية الآخرين ولهذا فإن صورة المرأة في الأذهان هي معيار لتقييم مدى وعي هذه الأذهان والعقول وتطورها، فإذا قلنا إن المعتقد الديني هو حرية شخصية، فإن الأمر ينسحب على الحجاب وغيره من المظاهر الشكلية أما إذا اعتبرنا أن المعتقد يجب فرضه على الجميع شاء من شاء وأبى من أبى فإننا نكون أمام حرب لا نهاية لها لأن النفس الحرة لا تقبل الفرض بل تختار ما يناسبها وتكون قابلة للتطور والاندماج مع الحضارات الإنسانية الأخرى، فالعقل الإنساني متواصل منذ القدم وهو مكمل لبعضه ولا ينفصل عن بعضه، فما بناه الإنسان القديم على اختلاف الجغرافيا يستفيد منه الإنسان المعاصر على امتداد الكوكب، وما أنتجته الحضارة الغربية تتنعم به الكرة الأرضية فلا مكان للتمييز بين البشر، وكل فرد محترم وحقوقه الأساسية مصانة، دون تمييز بسبب الجنس أو المعتقد أو القومية أو العرق أو الجغرافيا أو الرأي، لن تقوم لنا قائمة دون التوصل إلى هذه القاعدة الأساسية في الحقوق والواجبات فإما أن تكون إنساناً أو لا تكون.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني