ما الذي يريده (PKK) من الإدارة الأمريكية الجديدة في سورية؟
لم تكد تصدر نتائج الانتخابات الأمريكية حتى قلب حزب العمال الكردستاني (PKK) وفروعه في سورية ظهر المجنّ لإدارة الرئيس ترامب، فغدت إدارة ضعيفة لم تتمكن من ملء الفراغ أمام الأتراك وفق تعبير قائد “قسد” للمونيتور، بل باتت أسوأ إدارة أمريكية على الإطلاق في نظر “دوران كالكان” القيادي في حزب العمال الكردستاني(PKK).
يعلق قادة (PKK) و”قسد” آمالاً كبيرة على استعادة الديمقراطيين زمام السلطة في الولايات المتحدة، فهي علاوة عن أنها صححت الخطأ الذي ارتكب قبل أربع سنوات بمجيء ترامب إلى السلطة حسب “كالكان”، فإنه لن يكون بمقدور الرئيس التركي بعد الآن التأثير على الإدارة الأمريكية بمكالمة هاتفية حسب قائد “قسد” الذي يتوقع منها انخراطاً أكبر في جميع أنحاء العالم، والوقوف في وجه سياسات الرئيس التركي ما يضطره للتنازل.
لقد تناسى قادة (PKK) سريعاً فضل هذه الإدارة بالتحديد عليهم، فإن كانت إدارة باراك أوباما الديمقراطية هي التي تملكت شجاعة الإعلان عن العلاقة معهم عبر (PYD)و(YPG) عام 2014 وأسست لهم “قسد” عام 2015، فإن هذه الإدارة سلمتهم ثلث سورية ليحكموه باسمها وقوتها وتحت علمها، ويفرضوا نظاماً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً شاذاً على السكان دون أن يتجرأ أحدٌ على معارضتهم.
ونسي قادة (PKK) أنه في ظلّ إدارة ترامب حرّرت الطائرات الأمريكية محافظتي الرقة ودير الزور من تنظيم داعش وأهدتهما إليهم، وأن موظفي هذه الإدارة رفضوا إشراك أي فصيل من الجيش الحرّ في معارك التحرير مالم يقبل الانضواء في “قسد” والعمل تحت إمرة كوادر (PKK) ما جعل عملية التحرير حقاً حصرياً لهم، وربط اسمهم بمكافحة الإرهاب المدرجين على قوائمه قبل أن يخلق داعش بسنين طويلة، فما الذي يريده (PKK) ووكلاؤه في سورية من الإدارة الجديدة؟
يحاول قادة “قسد” إعادة تعويم تنظيم داعش مجدداً، فقد شكل التنظيم الحجة الأساسية لكل ما هو موجود شرقي الفرات حالياً، وما يزال التنظيم الإرهابي يشكل حاجة وجوديةً لسلطة الأمر الواقع هناك ومبرراً لاستمرار بقائها، فعلى الرغم من تأكيد منسق الاتحاد الأوربي لشؤون مكافحة الإرهاب قبل أيام أن التنظيم دُمر وبات عاجزاً عن تنفيذ عمليات معقدة بدليل أن منفذي العمليات الارهابية الأخيرة في باريس وفيينا هم عناصر محلية ليست منخرطة في التنظيم، وهو ما يعني في المفهوم الأمني أن التنظيم الإرهابي لم يعد يشكل تهديداً عسكرياً، فإن قائد “قسد” يتوقع من الإدارة الجديدة زيادة عدد قواتها إلى ضعف الموجود حالياً رغم أنه أقرّ قبل أيام لمعهد الشرق الأوسط بأن عمليات التحالف ضد داعش تسهم في زيادة الهجمات، وبالمقارنة يرفض (PKK) إرسال قوات عراقية إلى سنجار بحجة عدم الحاجة إلى قوات من الخارج.
ويرى قائد “قسد” أنه ليست لدى التنظيم أية مشاكل مالية، ولا صعوبات في تجنيد المقاتلين أو نشرهم، وأنه مازال يحتفظ بشبكته من المتعاطفين في تناقض تامٍ مع ماصرح به الجنرال روبرت وايت قائد قوة المهام المشتركة في أيار الماضي من أن التنظيم يعاني من نقص التمويل والمقاتلين ودعم السكان في مختلف المناطق.
سورياً يريد قادة (PKK) من الإدارة الجديدة أن تعترف بإدارتهم الذاتية وتبني علاقاتٍ سياسيةٍ معهم، وتضاعف عدد قواتها الموجودة في سورية وتبقي عليها إلى أن يتم الوصول إلى حل سياسي في روج آفا “كردستان سورية” وسورية بشكلٍ عام، وفي سبيل ذلك يعكف (PKK) على عقد مؤتمر صوري شرق الفرات لإقرار اللامركزية السياسية (الفيدرالية) وجعلها مطلباً باسم كل المكونات سوف يتم تقديمه إلى الإدارة الجديدة.
وعلى الصعيد التركي يريدون منها مواجهة ما يسمونه بالسياسات “العدوانية لأردوغان” وتغيير سلوك أنقرة لتصبح أكثر استعداداً للتفاوض معهم، متناسين أن مشكلة (PKK) مع تركيا وجودية ولايمكن حلّها على حساب سورية التي لاتعدو كونها ساحة فرعية للمعركة الدائرة بين الطرفين منذ أربعة عقود، مثلها مثل مشكلة وجودهم في إقليم كردستان العراق الذي يطالبهم بمغادرة أراضيه حالياً.
خلاصة القول إن (PKK) و”قسد” ينطلقان في مقاربتهما للعلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة من نقطتين أساسيتين تعتمد الأولى على استمرار تبني تنظيم داعش لأي عملٍ إرهابيّ في أي بقعة من العالم، لضمان استجرار الدعم الأمريكي المتواصل، في حين تنطلق الثانية من الجفوة المنتظرة في العلاقات الامريكية/التركية لاستمرار بقاء كيانهم الانفصالي شرق الفرات وتوطيده.
وإذا كان الردّ على الأولى قد بدأ أولى خطواته باتفاق 9 تشرين الأول/أكتوبر الماضي بين بغداد وأربيل بإشراف الأمم المتحدة الذي يستهدف بالدرجة الأولى إخراج (PKK) من قضاء سنجار وإعادة الحياة إلى طبيعتها في القضاء الذي طالما شكل مسرحاً لعمليات تنظيم داعش، فإن الردّ على الثانية يستلزم العودة إلى 15 شباط/فبراير1999 حين رعت إدارة الرئيس بيل كلينتون الديمقراطية عملية إلقاء القبض على زعيمهم أوجلان وتسليمه إلى تركيا بحسب أوجلان نفسه الذي يضيف أن بيل كليتون التقى حافظ الأسد مرتين لبحث مسألة تسليمه وأنه كان يشرف مباشرةً على عملية اعتقاله.
تنتظر السوريين عموماً مرحلة تكتنفها الكثير من الصعوبات تأتي في مقدمتها مهمة استعادة أشقائهم الواقعين تحت سيطرة (PKK) شرقي الفرات.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”