fbpx

ماذا بعد الحرب

0 215

تتعرض الدول للحروب والمواجهة المسلحة مع الأعداء في حالات الدفاع عن النفس لمواجهة اعتداء خارجي محدق يهدد كيانها ومصالحها لذلك تبني الدول على أسس وقواعد سليمة تمكنها من مواجهة الكوارث الطبيعة والمصطنعة. تعتمد في تلك الأسس التخطيط والتنسيق والموازنة بين الإمكانيات المتوفرة وحاجات البناء المؤسساتي في إطار قانون سليم يحميها من الانزلاق والتهور في مستنقع الفوضى والفساد المؤدي الى الانهيار. 

نلمس هذا في الإدارات ذات المنظار الوطني التي تعتمد العمل المؤسساتي في إدارة شؤون البلاد فيكون القانون هو السيد والآمر لا يستثني ولا يحابي ينظم عمل السلطات الثلاثة التشريعية والقضائية والتنفيذية فينعم القضاء بالاستقلالية لضمان سيادة القانون 

في تلك الصورة السابقة لدول القانون ذات النهج المؤسساتي ذو البعد الوطني تستطيع مواجهة أي كارثة ببنائها الصلب وامتلاكها المناعة الكافية لمواجهة أي خطر. 

هذا الغياب للرؤية الوطنية في إدارة سوريا وغياب القانون أوصل البلاد إلى الهاوية فالتخبط والارتجالية والعشوائية هو عنوان الإدارة فالصمود على الكرسي هو الهاجس ما يعني مقاومة أشكال التحرر والانفتاح وممانعة الشعب في حقوقه والتفرد بالقرارات بالنهج الدكتاتوري وإقصاء الآخر والسيطرة الكاملة على البلاد ومقدراتها بتغول السلطة التنفيذية وسيطرتها على السلطتين التشريعية والقضائية والتحكم بهما لتنفيذ مآربها ومصالحها الخاصة على حساب المصلحة العامة لذلك كانت هذه الحرب لمواجهة الشعب في تطلعاته للحرية والكرامة والتي نحصد نتائجها الكارثية تدمير كامل للبنية التحتية، وتمزيق للنسيج الوطني، وانتشار السلاح العشوائي، هنا الكارثة الكبرى فالاعتماد على الميلشيات والعصابات في مواجهة خيارات الشعب أولا وناتج الفساد استقطاب الإرهاب وتصنيعه ثانياً، جعل أمراء الحرب في مقدمة قيادات الصف الأول تتحكم في اقتصاد البلاد وسياستها النقدية ما جعل قيمة النقد في هبوط حاد وسريع أدى إلى أن عامة الشعب تعاني نتائج هذا التدني وانهيار القوة الشرائية للنقد ما يشكل مع الفساد مستنقعاً مولداً للجرائم فالفقر والعوز والجهل وغياب القانون والمحاسبة الفعلية وإمكانية الإفلات من العقاب زاد من وقوع الجرائم وشجع أصحاب النفوس الضعيفة لارتكاب شتى الجرائم الجنائية الوصف (قتل وخطف مقابل الفدية أو لتجارة الأعضاء وتجارة البشر وجرائم العنف الجنسي والسلب والسرقة….) والقائمة تطول غنى عن الجرائم المنظمة عبر شبكات إقليمية ودولية وجدت الوسط الملائم بالسيطرة على المنافذ الحدودية من قبل أمراء الحرب. فساد الاقتصاد المافيوي حيث يشكل تهريب المخدرات وتجارتها وتجارة السلاح والبشر أساسه.

أهلكت الحرب البلاد واستنزفت قواه البشرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية 

هجّرت ماكينة الحرب أكثر من نصف الشعب ما بين نازح ولاجئ ودمرت اقتصاده وبنيته التحتية وأنعشت ما دفن من نوازع طائفية وقومية وعنصرية ما يمكن أن  يكون خطراً حقيقياً لانقسام عمودي وأفقي بين شرائح المجتمع.

غياب المجتمع المدني عن ساحاته المفترضة كونه يشكل حماية ورقابة حقيقة للمجتمع على أعمال السلطات وبرفع مستواه عبر برامج تنمية اجتماعية وتوعية قانونية وثقافية واقتصادية حيث حصر هذا النشاط بجمعيات تابعة للسلطة تحت مسمى المجتمع المدني تعمل بشكل مرادف ومساعد كأداة للسلطة لتلميع صورتها خارجياً، مستغلة، ومستفيدة من هبات وتقدمات المنظمات الأممية والدولية للشعب السوري، فكانت التعاميم والبلاغات من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وآخرها ما صدر /2020/ والقاضي “بمنع ووقف أي نشاط أو تعاون يندرج ضمن سجل الدعم والمساعدة القانونية وإنهاء أي مشروع بشكل فوري يتعلق بهذا الخصوص” وسبق هذا التعميم تعاميم تحصر العمل المدني بجمعيات من صنع السلطة.

عقلية السلطة الإقصائية أوصلت البلاد إلى هذا المستنقع الآسن من دمار وعوز وقهر وذل وموت بشتى الأساليب التي لم تعهدها البشرية.

يتبادر الى ذهن الجميع وماذا بعد الحرب؟ 

• في ظل هذا التردي والتخبط والعشوائية في كل المجالات، ما هو المتوقع ممن أوصلنا إلى هذا الوضع لو امتلك الرؤية الوطنية لم نصل إلى كل ذلك ولم تحدث أية مشكلة.

• ليس أمامنا سوى متابعة الجهد ونبذ أي خلاف جانبي بين قوى النخبة المجتمعية والفاعلة والمؤثرة في الحل السوري، لا يمكن الركون فقط إلى القوى الدولية الفاعلة بالملف السوري علينا الانتقال من موقع الناقد والمتشفي إلى الفاعل الإيجابي للنهوض من القاع والاستفادة من القوانين الدولية. القانون الدولي الإنساني وحقوق الانسان والقانون الجنائي الدولي الذي يستند الى ميثاق روما ومبدأ الولاية القضائية العالمية فيمكن لأي سوري تضرر بشكل أو بآخر من هذه الحرب وتعرض لأحد أشكال العنف أن يستغل هذه الخاصية لملاحقة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية لأن العدل من أسس بناء سلام حقيقي مستدام.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني