fbpx

مؤتمر قمة جدّة، في الحيثيات والسياقات والأهداف!

0 87

محطّة “القمّة العربية/الأوكرانية” تأتي في سياقين، أمريكيين بامتياز، ويرتبطان على المستوى التكتيكي والاستراتيجي بإجراءات وسياسات تعزيز شباك السيطرة الإقليمية والهيمنة العالمية التشاركية للولايات المتّحدة الأمريكية، الدولة الإمبرياليّة الأكثر جبروتا!.

السياق الاوّل، يرتبط مباشرة بمشروع “التسوية السياسية الأمريكية الشاملة”[1] للصراع العسكري/الطائفي في سوريا والإقليم، الذي فجّره النظام الايراني/السوري – في توافق مع مصالح وسياسات، وتكامل جهود، الولايات المتّحدة وشركائها الدوليين – في مواجهة استحقاقات ديمقراطية، جعل منها حراك السوريين وشعوب المنطقة إمكانية في مطلع 2011.

في سورية المتمّردة ربيع 2011، وفّر تنسيق أمريكي روسي ظروف دفع الصراع السياسي على مسار الخيار العسكري الطائفي الميليشياوي، بالتكامل مع جهود ميدانية سورية وإقليمية، أيرو سعودية بالدرجة الأولى، وقد وضع تقاطع سياسيات الولايات المتّحدة الموضوعي في مراحل الحرب اللاحقة مع أدوات المشروع الإيراني، واشنطن في مواجهات متعدّدة المستويات مع شركائها التاريخيين، أنظمة السعودية وتركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي؛ وهو ما يفسّر دخول الولايات المتّحدة وروسيا وإيران بين 2014-2019، في مواجهات عسكرية مباشرة، أو عبر أذرع الإسلام السياسي الجهادي، ضدّ الميليشيات المدعومة من قبل أنظمة السعودية وقطر وتركيا، وصلت في مراحل عديدة إلى درجة الحرب المفتوحة المباشرة بين تركيا وروسيا؛ وقد أدّت حروب الولايات المتّحدة وروسيا وإيران بين 2015-2020 إلى توريط السعودية في حرب اليمن وخروجها من مشهد الصراع السياسي والعسكري السوري، وإلى مواجهات قاسية مع تركيا، وتصدّعات إقليمية كبرى، وإلى سيطرة تشاركية أمريكية إيرانية على ما يزيد عن 85% من مساحة سوريا قبل 2011.

  • السياق الثاني، هو تشكيل محور إقليمي اوكراني، مدعوم بشكل مباشر من أوروبا، وبشكل غير مباشر من قبل الصين، ويعمل على قطع الطريق على جهود روسية اقليمية، تصبّ في خدمة الجهود الروسية، الساعية لتعزيز عوامل قوّتها في الحرب التي تخوضها في أوكرانيا.
    توضّح تلك القراءة طبيعة أهداف المشروع الأمريكي الأوروبيّة، المتساوقة مع خطوات وإجراءات التسوية السياسية الأمريكية الشاملة، على الصعيدين السوري والإقليمي..
    على الصعيد السوري، تأهيل سلطات الأمر الواقع الجديدة، بما يحافظ على حصص الولايات المتّحدة والنظام الايراني، ومحاولة الوصول إلى صفقة سياسية مع النظام التركي، تسمح باستكمال السيطرة الأمريكية الإيرانية على كامل الجغرافيا السوريّة.
  • على الصعيد الإقليمي، الوصول إلى تهدئة مستدامة وتطبيع بين سلطات الأنظمة الإقليمية التي دخلت في مواجهات مباشرة أو عبر الوكلاء في مراحل الصراع في سوريا، خاصّة بين النظامين الإيراني والسعودي، بما يؤكّد إعادة التحكّم الأمريكية بجميع أنظمة المنطقة بعد ما حصل من تصدّع في جبهة شركاء السيطرة الإقليمية للولايات المتّحدة خلال الحرب الباردة منذ غزو العراق. جوهر المشروع الأمريكي يقوم إقليميا على تكليف النظام السعودي بإعادة النظامين الإيراني والسوري إلى الحضن الإقليمي، وتشكيل علاقات جديدة، تقوم على التنسيق والتعاون تحت سقف سياسات وأهداف مشروع السيطرة الإقليمية للولايات المتّحدة، سوريّا وإقليميّا وعلى الصعيد الأوروبي.
  • على الصعيد الأوروبي/العالمي، تسعى الولايات المتحدّة لتعزيز جبهتها العالمية/الأوربية، الساعية لإدامة الصراع الروسي الأوكراني إلى المدى والمستوى الذي يحقق الأهداف الأمريكية من الحرب، خاصّة على مستوى تقليم أظافر مشروع تمدّد النفوذ الروسي إلى قلب منطقة الهيمنة الأمريكية في أوروبا الديمقراطية، وإيجاد أوسع شرخ في العلاقات الأوربية الروسية، تمنع محاولات ألمانية روسية لتعزيز علاقات الشركة بين روسية وألمانيا بشكل خاص، وروسيا وأوروبا، عموما؛ على حساب النفوذ السياسي والاقتصادي، وأدوات الهيمنة الإمبريالية للولايات المتّحدة.

ضمن هذا السياق العام، نفهم سعي الولايات المتّحدة لقيام محور إقليمي/أوكراني جديد، لمواجهة روسيا في أوكرانيا، وإجهاض جهودها لبناء شبكة علاقات إقليمية داعمة لها[2].

السؤال الذي يطرح نفسه: مَن هي أبرز قوى، وما هي أهداف هذا التحالف الإقليمي، في إطار منع تشكّل محور روسي، داعم لحرب روسيا في أوكرانيا، وفي تساوق مع مسار التسوية السياسية الأمريكية، سوريّا وعلى الصعيد الإقليمي؟.

الإجابة على هذا السؤال لا تخرج عن إطار مساع أمريكي إيراني لإضعاف أوراق القوّة السورية والاقليمية التي حققها النظام الروسي من خلال مشاركته في تنفيذ مشروع الولايات المتّحدة والنظام الايراني لمواجهة ثورات شعوب المنطقة الديمقراطية، خاصّة في مرحلة تدخّله العسكري المباشر بين بعد منتصف 2015؛ لصالح تقدّم أدوات السيطرة الإيرانية على الصعيد السوري، والأمريكية، على الصعيد الإقليمي.

بناء عليه، وفي إطار تشكيل محور إقليمي، تعمل استراتيجية سعودية أمريكي على:

  1. دمج النظام الإيراني في منظومة إقليمية مواجهة لروسيا، وتفشيل جهود روسية إيرانية لتعزيز جهود روسيا الحربية في أوكرانيا.
  2. مواجهة “التمرّد” التركي على سياسات الولايات المتحدّة الساعية لعزل روسيا، إقليميا، وعلى الصعيد الأوروبي.

إذا كانت الجزرة التي تقدّمها الولايات المتّحدة والنظام السعودي كافية لتلبية مصالح الإيرانيين على الصعيدين السوري والإقليمي في إطار علاقات تشاركية تاريخية، وبالتالي تشكّل أرضية لقيام المحور السعودي/الإيراني/الأوكراني، الذي وضعت قمّة جدّة “لعربية” أسسه وآليات عمله، فإنها غير كافية، من وجهة نظر المصالح العليا للدولة التركية، لإقناع النظام التركي بالانضمام إلى المحور الجديد، رغم حرصه على الوصول إلى صفقة مع النظام السوري حول قضية المهجّرين، وعدم الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدّة!.

ماهي عوامل التناقضات الرئيسة في العلاقات التركية الامريكية، وهل يمكن حلّها في إطار مشروع التسويةالسياسيةالأمريكية، بما يُعيد النظام التركي إلى بيت الطاعة الأمريكي؟.

لقد كشفت آليات السيطرة التشاركية الإيرانية والامريكية على سوريا وفي الإقليم عمق التناقض بين سياسات الشريكين الأمريكي/الإيراني والمنافس التركي، وطبيعة المأزق الذي وصلت إليه العلاقات التشاركية بين الولايات المتحدّة ودولة الاحتلال الإسرائيلي[3].

إذا وضعنا الحالة العراقية جانبا، (وقد استطاعت تركيا “التأقلم” مع وجود كانتون عند خاصرتها العراقية الجنوبية، يشكّل قاعدة ارتكاز أمريكية إيرانية، في مواجهة تركيا، من خلال فرض علاقات خاصة مع قيادته، وبفضل تفاصيل جيو ديموغرافية مناسبة)، وركّزنا على الأسباب السورية.

يبدو جليّاً استحالة التعايش التركي مع وجود كانتون جديد، يشكّل نقطة تهديد أوروأمريكية مستمرّة، تطال مقوّمات الدولة التركية؛ بغضّ النظر عن طبيعة الدور الكردي، وهو شكلي وغطاء، في حالة كانتون قسد!.

إذا أضفنا الى هذا العامل، ورقة المهجرين، التي يستحيل توفير شروط إيجاد حل دائم لها في إطار التسوية السياسية الأمريكية؛ وورقة العلاقات التركية الأوروبية، التي تحرص واشنطن على عدم وصولها إلى درجة تكامل، نفهم عمق التناقضات في المصالح والسياسات الأمريكية التركية، وندرك ثانيا طبيعة المصالح التركية التي تدفع النظام التركي لتعزيز علاقاته مع روسيا، واستغلال حاجتها القصوى لها؛ في مواجهة سياسات أمريكية معادية، تتجاهل المصالح العليا للدولة التركية.

ملاحظات واستنتاجات رئيسيّة:

  1. تؤشّر مجمل حيثيات وسياق انعقاد القمّة العربية في جدّة إلى ذهاب التسوية السياسية الأمريكية الشاملة على الصعيدين السوري والإقليمي إلى نهايتها المرجوّة أمريكيّاً وإيرانياً؛ بما يضع معارضة الكونغرس الأمريكي (مقابل تأييد الإدارة!) وحكومات الاتحاد الأوروبي والمؤسسات التابعة لهم، الإعلامية أو القانونية، فقط في إطار وضع المزيد من الضغوط على جميع الأطراف، النظامين السوري والايراني بشكل خاص، لمنعهما من التراجع، والخضوع لضغوط روسية أو تركية أو إسرائيلية محتملة، تسعى لتفشيل الجهد الأمريكي!.
  2. تؤشّر مجمل حيثيات وسياق انعقاد القمّة العربية/الأوكرانية في جدّة إلى تشكيل محور إقليمي اوكراني (بدعم أوروبي/صيني) لتشديد الحصار على روسيا.
  3. تؤشّر مجمل حيثيات وسياق انعقاد القمّة العربية في جدّة إلى درجة اندفاع الجهود الأمريكية لتقويض نظام الرئيس أردوغان، الذي يضعه خيار التزامه بالدفاع عن مصالح تركيا العليا، كما تجسّد في سياساتها تجاه الصراع في وسوريا وعلى أوروبا، في مواجهة مباشرة مع سياسات الولايات المتّحدة الإقليمية والدولية؛ وهو ما يفسّر أيضا طبيعة أهداف التدخّل الأمريكي المباشر في الانتخابات الرئاسية التركية!!.
  4. بناء على ماسبق، يُعاد تشكيل مواقف التيّارات السوريّة، السياسية والميليشياوية، التي لم تخرج تاريخيا عن إطار الارتهان والتبعية لمحاور القوى الخارجية، في حين يحافظ النظام على موقعه في الخندق الأمريكي/ الايراني، الذي شكّل له عامل الحماية الرئيسي في مواجهة تحدّيات ربيع 2011، وتحافظ “قسد” (قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي) على وظيفتها في إطار المشروع الأمريكي الإيراني – السوري في مواجهة الاستحقاقات الديمقراطية التي جعل منها حراك السوريين السلمي في ربيع 2011، إمكانية تُظهر ردود أفعال نخب المعارضات السياسية والثقافية النخبوية على مؤتمّر القمّة، وعلى الانتخابات الرئاسية التركية، انقساماً واضحاً بين جبهتين:

أ- الجبهة الداعمة للمحور الأمريكي/الإيراني/ السوري والقسدي، التي عبّرت بوضوح عن رضاها على القمّة العربية (رغم بعض العتب!)، لأسبابها الخاصة؛ رغم وقوفها موضوعيا في نفس خندق النظام السوري، الذي تدّعي معارضته!.

ب- الجبهة الداعمة لسياسات النظام التركي، التي إمّا رفضت كلّ ما ارتبط بالقمّة، واتخذت موقفا عدائيا، أو التي لم تدرك طبيعة أهداف القمّة، ولا طبيعة الموقف المناسب لمصالحها، وقد كان موقف ووعي الدكتور بدر جاموس، رئيس هيئة التفاوض السورية، أبرز المعبّرين عنها[4].


[1]– على الصعيد السوري، تشكل “التسوية السياسية الأمريكية” المرحلة الثالثة من الخيار الأمني العسكري الطائفي الميليشياوي، (الذي بدأت مرحلته الأولى بين ربيع 2011 وصيف 2014، ومرحلته الثانية – حروب إعادة تقاسم الجغرافيا السورية، بين 2015-2020)، ولا تخرج عن سياقها جميع إجراءات وخطوات التطبيع والتأهيل في العلاقات البينية، إقليميا، وعلى صعيد سلطات الأمر الواقع التي باتت تشكّل النظام السوري.

صيرورة التسوية السياسية الأمريكية شاملة، سوريّاً وعلى الصعيد الإقليمي، وقد بدأت أولى خطواتها على الصعيد السياسي، (في موازاة، وتساوق مع تقدّم مراحل الخيار العسكري الطائفي)، مع “نقاط كوفي أنان الست في شباط 2012، وبيان جنيف1، وتمّ تكريسها، كنهج وغياب آليات فعّالة في القرارات الأممية التي استندت عليه وشكّلت مسار جنيف، كالقرار 2118، لعام 2013، والقرار 2254، لعام 2015، وتضمّنت التأكيد الاممي على استمرار شرعية النظام ووجوب موافقة سلطته على أيّة نتائج حوار مستقبلي، وضرورة اعتبارها طرفاً أساسياً في الحل، عبر الحديث عن عملية سياسية، يمتلكها السوريون، وعن وجوب “الحوار بين السوريين” الذي يسيّره “كوفي أنان” بصفته الوظيفيّة كوسيط، ومندوب مشترك، عن الجامعة العربية ومجلس الأمن؛ وقد افتقدت لآليات تنفيذ فعّالة، وحلّت مكان “خطّة السلام العربية الثانية” التي طرحتها الجامعة العربية في نهاية 2011، التي حدّدت آليات انتقال السلطة، وإطلاق صيرورة “هيئة حكم انتقالية مستقلّة ومفوّضة”، وأسقطها فيتو “روسي/صيني” بتنسيق مع واشنطن في 4 شباط 2012.

على الصعيد السوري، تعمل التسوية السياسية الأمريكية على تثبيت وقائع وشرعنة سلطات الأمر الواقع الجديدة في مناطق سيطرة سلطة النظام وخصومها كما باتت في خارطة سوريا الجديدة، التي رسمتها اتفاقيات الرئيسين أردوغان/بوتين في 5 آذار 2020، ووضعت حدود حصصها.

في نفس الوقت، إن ما يحدث من خطوات وإجراءات تطبيع على الصعيد الإقليمي، سواء على صعيد العلاقات بين النظم الإقليمية (السعودية وإيران، أو تركيا ومصر والسعودية)، أو بينها وبين النظام، (السعودية والتركية)، لا يخرج عن سياق صيرورة التسوية السياسية الأمريكية الشاملة، ويتكامل مع إجراءات تأهيل سلطات الأمر الواقع على الصعيد السوري.

في هدفها الرئيسي تقوم التسوية السياسية الأمريكية سوريّا على معادلة أساسية، يترابط فيها تأهيل سلطة قسد، بما يضمن ديمومة واستقرار الحصة الأمريكية، مع إعادة تأهيل النظام، الضامن لاستمرار السيطرة الإيرانية، وترتكز إقليميا على معادلة إعادة العلاقات الدبلوماسية الإيرانية والسعودية، وتطبيع العلاقات، وجعلها أساساً لمحور إقليمي جديد، يستهدف إضعاف وتفكيك عوامل القوّة الإقليمية الروسية في الحرب على أوكرانيا، وهي أبرز وقائع المشهدين السياسي والعسكري، التي تعمل واشنطن على شرعنتها سوريا وإقليميا، وعلى الصعيد العالمي، والتي تشكّل على الصعيدين السوري والإقليمي استكمالاً لحلقات السيطرة الإقليمية التشاركية الأمريكية/الإيرانية التي تأسست قاعدتها الأساسية بعد غزو العراق؛ وعلى الصعيد الأوروبي، تكاملا مع جهود واشنطن لتقزيم روسيا، وإحكام القبضة الأمريكية على أوروبا!.

يعكس الجهد الصيني لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين النظامين الإيراني والسعودي، التي تشكّل أهمّ خطوات التطبيع الإقليمي، وجهود الحكومات الأوربية لتأهيل سلطات الأمر الواقع، تكامل جهود الصين وأوروبا مع جهود الولايات المتحدة من أجل توفير شروط التسوية السياسية الأمريكية الشاملة – سواء في إجراءات التطبيع الإقليمي البيني، أو التطبيع الإقليمي مع النظام، أو إجراءات إعادة تأهيل سلطات قسد والنظام – ويؤكد على طبيعة العلاقات التشاركية التي تحرص واشنطن على بنائها.

هي بعض الحقائق في خطط وأدوات السيطرة التشاركية للولايات المتّحدة، إقليميّا وعلى الصعيد الأوروبي، التي تعمل واشنطن، وأبواق شركائها في الأنظمة والمعارضات السورية على تغييبها في حيثيات وسياقات قمّة جدّة الأوكرانية/الإيرانية/العربية!.

[2]– يبدو لي أنّ الأخطر في أهداف المشروع على مستوى قيادته الأمريكيّة على الأقل يرتبط بخطط وسياسات تعزيز السيطرة الأمريكية في الإقليم وعلى أوروبا من خلال إلحاق تركيا، الدولة الإقليمية الأعظم، بقافلة مشروع “الفوضى الخلّاقة” الأمريكي، عبر بوابة الانتخابات واللعب على مصالح ومشاعر جمهور أحزاب المعارضة، وما تُتيحه من فرص، على غرار تلك التي أتاحها الربيع العربي منذ نهاية 2010؛ وذلك لزيادة عدد ضحايا مشروع التفشيل، الذي أطلقته الآلة العسكرية الأمريكية/التشاركية في غزو العراق2003!.

تّدرك الولايات المتّحدة جيداً الأخطار التي يشكّلها وجود نظام ديمقراطي، في دولة إقليمية مركزية كتركيا، على طبيعة الأنظمة التي صنّعتها، وعملت على ترسيخها على ضفتي الخليج ومحيطه الجيوسياسي طيلة حقبة الحرب الباردة وما بعدها، منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، وفي مواجهة ثورات “الربيع الإقليمي”، خاصّة، في نموذجيها السعودي والإيراني، اللذين باتا يسيطران على دول المنطقة الأكثر أهميّة في خطط السيطرة الإقليمية والهيمنة العالمية للولايات المتّحدة!.

قد يكون الفارق الوحيد في الأسلوب والوسائل.

في حين تشكّل مواجهة سياسات تركيا الإقليمية، المقاومة فعليّاً لسياسات السيطرة الأوروأمريكية، الهدف التكتيكي للمحور الإقليمي الجديد، كما ستعمل قيادته الأمريكيّة على تجيير قدرات أنظمته في سعيها لإضعاف العلاقات التشاركية التركية/الروسية – التي سعت من خلالها روسيا وتركيا لمواجهة التحدّيات الأمريكية المشتركة، في الإقليم، وعلى صعيد الصراع على أوروبا – تعمل الولايات المتّحدة على الصعيد الاستراتيجي لتفكيك مقوّمات الدولة التركية؛ بدءاً ببنية الشعب التركي، وعلى جميع المستويات السياسية والقومية والاجتماعية، وصولاً إلى إسقاط نظامها السياسي الديمقراطي، وتهميش وحدتها الجيوسياسية، وبما يحوّلها إلى ما يشبه دول المنطقة في التفشيل والتبعية، ويقطع صيرورة تحوّل تركيا إلى مشروع ديمقراطي وطني مستقلّ في أكثر مناطق المصالح العليا أهميّة استراتيجية للولايات المتّحدة – الحديقة الخلفية لدول الخليج وأوروبا – ويكفّ يدها عن اللعب في مواجهة أدوات وسياسات السيطرة الإقليمية، والهيمنة العالمية للولايات المتّحدة!.

أعتقد أنّ النموذج الديمقراطي الذي تقدّمه تركيا، (خاصّة بعد التغيّرات الكبيرة التي طرأت على نموذجها السياسي خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية، وقلّص إلى درجة كبيرة دور الجيش في مصادرة الحياة السياسية الديمقراطية)، كشعب ومعارضة ونظام، في محيط واقع مختلف، كان لسياسات السيطرة الإقليمية للولايات المتّحدة وطبيعة أدواتها وعلاقاتها التشاركية العامل الأساسي في تصنيعه، وبغض النظر عن الفائز في الانتخابات، يشكّل سبباً ومحفّزاً إضافياً لاستمرار جهود الولايات المتّحدة وشركائها في الحكومات الديمقراطية لتقويض النظام الديمقراطي التركي؛ بغضّ النظر عن طبيعة الصراع والمبررات.

[3]– ضمن هذا السياق نفهم ما قاله الدكتور سمير التقي، الباحث والناشط السياسي والثقافي النخبوي، “السوري /الأمريكي”، حول طبيعة العلاقات الأمريكية/الإيرانية، والعلاقات الأمريكية/الإسرائيلية، وطبيعة “الخلل” في رؤيته المرتبط بخطط وسياسات واشنطن تجاه تركيا، خلال ندوة سياسية على موقع “ملتقى العروبيين السوريين“، تحت عنوان “الملف السوري إلى أين؟” يوم الجمعة 12/5.

الولايات المتّحدة تفكّر الآن في إمكانية مقاربة الوضع مع إيران.

يوجد ميل لدى الأمريكان، خاصّة “الديمقراطيين”، لأن تُستخدم دول الخليج، خاصّة المملكة السعودية، كأداة لدمج إيران في المنظومة الإقليمية، مقابل ألا تذهب إلى الحضن الروسي، يمكن تخفيف العقوبات تدريجيّاً، ومن خلال إرضاء المملكة، التي ستصبح الجسر الذي يمرّ عبره الدعم المالي، المعفي من العقوبات الأمريكية”.

في عدم توضيح حقيقة العلاقات التصادمية بين تركيا والولايات المتّحدة، يعمل الدكتور المحترم على إخفاء الأهداف التركية في مشروع التحالف السعودي والإيراني/الأمريكي؛ وهو توصيف تضليلي، بغضّ النظر عن نوايا الدكتور، أو إدراكه أو عدمه لطبيعة أهداف المحور بشموليتها، والمتناقضة مع مصالح تركيا.

تركيا تخدم التحالف الغربي بشكل منقطع النظير، بغضّ النظر عن الشعارات، وهو تعميم قد يناسب لتوصيف العلاقات التركية خلال الحرب الباردة!.

إعادة صياغة الإقليم بكامله، بما فيها قضيّة التوصّل إلى حالة من التوازن بين المكونات الأساسية، عرب، أتراك، إسرائيليين، إيرانيين، من أجل مواجهة الصين وروسيا.

إخفاء طبيعة نوايا وسياسيات واشنطن، ومحورها الإقليمي الجديد، العدوانية تجاه تركيا، لم يمنعه من الاسترسال في الحديث عن انعكاساته على العلاقات الإسرائيلية الأمريكية: هو، “الولايات المتّحدة تنظر لحكومة نتن ياهو أنها تشكّل خطراً على تطوّر الأوضاع في المنطقة، تردّد السلطات الإسرائيلية باتخاذ موقف واضح من الحرب في أوكرانيا..”.

“يجب أن ندرك أنّه من الناحية الإستراتيجية أصبحت إسرائيل في أضعف أوقاتها”..

في هذه الظروف بالذات، تشعر الإدارة الأمريكية بخطر الموقف الإسرائيلي، لأنّ الولايات المتّحدة، كما قلت في مقال سابق قبل حوالي أربعة أشهر، قد بدأت بفتح خطوط مع إيران.

[4]– عبّر الدكتور “بدر جاموس“، رئيس ما يُسمّى “هيئة التفاوض السورية” المجمّدة، بعفوية وصدق عن ردود أفعال طيف واسع من الرأي العام السوري، الذي لا يعرف ما يحصل، وفي أي سياق، في حوار خاص مع مدير مجموعة العمل حول الشرق الأوسط في “معهد هوفر”، (Hoover Institution-Stanford University)

ما قاله الدكتور بدر جاموس يعبّر عن واقع حال “وعي النخب السياسية والثقافيّة المعارضة”، الذين تمّ استدراجهم إلى متاهات دهاليز السياسات الأمريكية، التي قادت سياسات الصراع في سوريا حتى قبل تفجّر الحراك في ربيع 2011 بشركاء وواجهات وأدوات مختلفة، كان أكثرها هشاشة وقابلية للتهميش “نخب المعارضات” السورية! “اسمحوا لي أن أوضح سبب وجودي هنا.

نقوم بجولات رحلتنا في العواصم الأوربية والعربية وفي أنقرة. نحن نحاول أن نفهم لماذا يحدث هذا التطبيع بهذه السرعة، وبشكلٍ مجاني، وهو ما سوف يؤدّي إلى قتل العملية السياسية. نحن نفهم أنّ أيّ تطبيع بدون حل سياسي، وبدون تنفيذ القرار 2254، سيكون أكثر تعقيداً؛ وسيؤدّي إلى المزيد من اللاجئين وعدم الاستقرار، وبقاء الوضع في سوريا على ما هو عليه لفترة طويلة.

لقد أوقفوا عمل اللجنة الدستورية، وتسارعت خطوات التطبيع. لا نفهم ما هي النتيجة وما هي الأسباب التي أدّت إلى تغيير سياسات الدول العربية، ودول أخرى، تجاه سوريا. حاولنا أن نفهم وجهات نظرهم،لكن حقّا بالنسبة لي، التقيت معهم، ولم أفهم لماذا يفعلون ذلك الآن، وما هي النتيجة؟”.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني