fbpx

ليليث وحقوق المرأة

0 331

للمرة الأولى في حياتي تتم دعوتي لحضور ندوة من قبل جمعية نسائية سيتم فيها مناقشة لحقوق المرأة، ولن أكون متحمساً لحقوق طالما اعتقدت أن المرأة تبالغ بعض الشيء في التعبير عنها، شعوري هذا ليس مرده موقف عدائي من المرأة قدر ماهو عدم فهم لهموم لم أتعامل معها بجدية حقيقية ربما لأنني لم أشعر بهذا الفارق بين الرجل والمرأة في الحسكة فأنا عشت في حي أغلبه سريان وكنت على احتكاك مع المرأة بشكل دائم فلا البيت ولا الحي ولا معهد المعلمين المختلط ولا مرحلة التعليم القصيرة في سورية جعلتني أشعر بأي فارق إنساني بين رجل وامرأة الا أن المرأة مخلوق أجمل من الرجل، ولأنني هاجرت للسويد مبكراً فقد كان للمرأة قوة اجتماعية تفوق قوة الرجل وصوتها عادة ما يعلو على صوت الرجال حتى إني كنت أشعر بالضيق من النسوة اللواتي حملن رايات الفيمينست ليصنعن منها حروباً غبية. أذكر إحداهن قالت لماذا لا أترك شعر إبطي يطول مثل الرجال مثلاً وأذكر أنها قالت هذا حقي مثلما هو حق للرجال ولسان حالي يقول دعيه يطول يا أختي ليش مين ماسكك واجلسي مثل الرجال ودخني مثل الرجال وقهقهي بغباء مثل الرجال أنا شو علاقة أهلي؟

لا أخفي أنني كنت أسخر من هكذا مطالبات غبية وأدري أن لهن مدرستهن فقد كانت رائدتهن سيمون دي بوفوار التي قادت حركة التحرر النسوية منذ القرن التاسع العشر كردة فعل على تهميش المرأة والتي تجاوزت فيها مطالب شريكتها بهذا المضمار والأكثر تعقلاً الكندية لويز توبان حين تبنت نظرية انتزاع الحق النسوي بشكل فردي وجمعي وصولاً للمساواة الكاملة بين الجنسين لكن دي بوفوار بعد كتابها الجنس الآخر ذهبت أبعد من ذلك بكثير وطالبت بإهمال الرجال تماماً والاعتماد على المرأة في كل شيء فالرجل هو الوجه القبيح للحياة ورغم أنها كانت على علاقة بجان بول سارتر في تلك الأيام إلا أنها عُرفت بنفس الوقت بعلاقاتها الجنسية مع طالباتها فكانت تتفاخر بالسحاق كوسيلة تؤكد فيها عدم الحاجة للرجال وسارت على دربها الدكتورة جيرمن غرير بعد كتابيها “الخصي المؤنث” و”الجنس والقدرة” والذي حصد أكبر نسبة مبيعات في العام 1970 ثم ما لبث الأمر أن تحول الى تيارات نسوية تبنته مدارس مختلفة مثل تيار النسوية الراديكالية وهو التيار الأكثر تعصباً وكردة فعل على تهميش المرأة في مجتمع ذكوري طالب هذا التيار بعزل النساء وفصلهن تماماً عن المجتمع الذكوري والأقل حدة هو تيار النسوية الليبرالية أو المدرسة الإصلاحية وهذه المدرسة دعت للنضال من أجل قوانين مساوية بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات واعتبرت نفسها امتداداً للثورة الفرنسية 1789 ثم لحقت بهاتين المدرستين مدرسة النسوية الماركسية والتي جعلت تهميش المرأة ضريبة للصراع الطبقي وسوف تتحقق العدالة حسب هذا التيار اذا ما انتفت الملكية الخاصة بانقلاب على المجتمع الرأسمالي وصولاً الى اللاطبقية.

تفسيرات تبدو مُحقة في الكثير من جوانبها ولكن طرائق المعالجة والوسائل التي استخدمتها تلك المدارس جعلتني أشعر أن هكذا مطالبات هي شغل من لا شغل له وجعلتني لا أحمل الأمر برمّته محمل جد إلا أن أوقفتني قصة ليليث، وليليث هذه هي زوجة سيدنا آدم الأولى وهي أول أنثى خلقها الرب كما جاء في التوراة وتم إغفالها بل ونكرانها في كل من الإنجيل والقرآن

أول امرأة خلقها الله من طين تماماً مثلما خلق آدم ورفضت محاولات سيطرة آدم عليها طالما أنهما متساويان ومن نفس الطين وحين شكى آدم محاولات تمرد ليليث لرب الأرباب غضب عليها الرب وطردها من نعيمه وكي ينتهي من صداع مشكلة المساواة بين الرجل والأنثى خلق حواء من ضلع آدم فأصبحت ليليث أو ليلو وأحيانا ليليتو حسب الثقافة السومرية إلهة الريح الشريرة وأول شيطانة تمردت على سيدها آدم وعلى ربها قبل إبليس الذي رفض السجود لآدم.

حين شعرت ليليث بالغبن وبأنها أقل شأناً من آدم تركت له أولادها وهربت، حينها ازداد غضب الرب فحول أطفالها الى شياطين وتم التجني عليها حين ذُكرت في التوراة كأول أم للبشرية إذ قيل إنها شعرت بالغيرة من حواء فحولت نفسها إلى حية أغوت آدم لتحل لعنة الرب عليه ويطرده من الجنة.

ما يهمني من أسطورة ليليتو أمنا الأولى هي شعورها بعدم المساواة بينها وبين آدم وهما من نفس الطين، إذاً يبدو أن ظلم المرأة ولد بمشيئة الرب مع المرأة الأولى ولم يزل يتوارثه الرجال حتى اليوم أما في الوطن العربي فقد اقتصرت بعض الحركات الخجولة على جهود فردية لنساء قررن وبشجاعة السباحة عكس التيار وطالبن بالمساواة بين الرجل والمرأة بالحالة السياسية مثل التصويت والانتخاب واجتماعية مثل تجريم الختان وحق المرأة بإنهاء الحمل دون موافقة الرجل… إلخ وقاد تلك الحملة حينها نساء متفوقات مثل هدى شعرواي وصفية زغلول ثم فيما بعد لحقتهم نوال السعدواي.

اللافت أن المرأة في نضالها لانتزاع حقوقها كآدمي مساو للرجل ورثت خطيئة ليليث أول امرأة في البشرية وعليها أن تحارب أكثر من جبهة وعليها أن تنتصر فمطلوب منها أن تحطم قلاع أصحاب الفروق الجنسية وتقتل حماة تلك القلاع حراس الدين وتحطم جدران بُنيت من ثقافات متوارثة تراكمت جيل بعد جيل وجعلت تلك الجدران أكثر سماكة من جدار الصين.

توظيف قبيح للمرأة في مجتمع ذكوري جعلها لا تثق بنفسها ولا تثق بالنساء بمؤامرة حاكها الرجال منذ بدء الخليقة واتفقوا عليها أجيال تتبعهم أجيال.

سمعنا عن علماء ولم نسمع عن عالمات سمعنا عن فلاسفة ولم نسمع عن فيلسوفات سمعنا عن موسيقيين ولم نسمع عن موسيقيات مفكرين ولا مفكرات وتطول القائمة كل هذا الظلم وذاك يُبيح للمرأة كامل الحق في انتزاع حقوقها كاملة.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني