fbpx

كسر عضم بين الواقع والدراما.. نهوض درامي وسقوط أخلاقي

0 356

“السّلطة ما بتزور حدا ببيتو السّلطة تُنتزع إما بالتّبني أو التّوريث”

ليست جملة إنشائية تحتل مشهداً من عمل درامي بل هي محاكاة واقعية لما جرى ويجري في سوريا من توريث للحكم والإعداد لوريث جديد.

وردت هذه الجّملة وغيرها من الجّمل غير الاعتيادية في مسلسل كسر عضم، المسلسل الأكثر رواجاً وانتشاراً في الموسم الرمضاني لهذا العام.

المسلسل الذي اجتمع السّوريون بتوجهاتهم كافة لمتابعته، والذي بسببه اختلف الشّارع الموالي بين رفض وقبول عرضه، نظراً للصّورة التي قدّم بها سوريا كدولة متوحشة موغلة في الفساد الذي استشرى في مرافقها كافة وعلى أعلى المستويات، دولة محكومة بقانون “الغاية تبرّر الوسيلة” يتزعّمها ثلّة من المجرمين هدفهم المال والسّلطة مهما كان ثمنها.

استغلال سلطة، قتل مأجور، دعارة، ابتزاز، رشوة، تجارة أعضاء تجارة مخدرات وغسيل أموال.

فساد في القطّاعات كافة، الأمنية، القضائية، التّعليمية والطّبية وصولاً إلى فساد النّسيج الأسري. ومن يوّجه ويقود ويحمي فساد تلك المنظومات هم أمراء الدّولة وأصحاب المراكز النّافذة فيها.

“كل حدا متحصّن بكرسي بهالبلد ما بيطّبق عليه القانون”

نص جريء يحاكي الواقع بمصداقيّة، مواضيع حسّاسة طرح شفّاف خطوط حمراء تمّ تجاوزها، مسلسل لم يكسر العظم فقط وإنّما كسر الحدود وتجاوز الأسقف ليكون حديث النّاس، إذ انتقده فريقٌ من الجّمهور الموالي للنّظام، الذي وجد فيه أداة جديدة من أدوات الحرب على سوريا التي تتعرض لمؤامرة تستهدف وحدتها ونظامها الصّامد المنتصر بالتفاف جماهيره حوله.ل ذلك نُعت صنّاعه بدواعش الدّاخل والمأجورين لتشويه صورة سوريا التي انتصرت على العدوان الخارجي وجاءتها الطّعنة من أبناء الوطن.

انتفضت النقابات كافة تستنكر ما صوّره العمل من فساد نخر مفاصلها ليخرج نقيب المحامين فراس الفارس ويصرّح (ما ورد في بعض مشاهد كسر عضم إساءة واضحة لمهنة المحاماة والنّقابة تتابع الموضوع).

مع العلم أنّ تصوير الفاسدين في كل سلك، قابله تصوير شريحة أخرى من أصحاب المبادئ والقيم والمحافظين على أخلاقيات المهنة، فالمحامي المرتشي يقابله محام نزيه، والأستاذ الجامعي الفاسد، يقابله أستاذ ملتزم، لكن الشّريحة الفاسدة استفزّت نقابة المحامين وغيرها مؤكدة بذلك على وجود الفساد وسطوته وإلّا فلم الاستنكار.

أما حسين مرتضى الإعلامي اللبناني المقرّب من النظام، أعلن عن موقفه من المسلسل وصنّاعه قائلاً: الدّراما المموّلة من الخارج بالخفاء أداة من أدوات العدوان على سوريا ومنصّة للهجوم على مؤسسات الدّولة وتزييف الواقع.

عرض المسلسل على المحطّات السّورية كان محلَّ جدلٍ وأثار سؤال حول مدى شفافية النّظام الذي يسمح بعرض عمل درامي يعري المجتمع السّوري ويفضح ممارسات الأجهزة الأمنية وفساد المؤسسات كافة.

بعضهم وجد في عرض المسلسل أداة تنفيس عن غضب الجّماهير التي لا تجرؤ على البوح، والتي بات همّها قوت يومها وهي لعبة قديمة للنظام قام بأدائها دريد لحّام عندما استغلّ مسرحيات محمّد الماغوط وجاد باليسير المسموح به من نقد للدّولة ووصف حال عامة الناس والتعاطف معهم، وبذلك تكون مسرحيات الماغوط لسان الشعب الذي ينطق بما عجز عنه، وهي فرضية خاطئة، فبعد شلالات الدم التي أهدرها النظام مقابل كرسي لن يهتم إن نفّس الشّعب عن غضبه أم لا.

ذهب آخرون إلى أنها سياسة بدأت مع بداية الحراك الثّوري، في محاولة لإعادة تدوير النّظام وإظهاره بمظهر حضاري ذو أفق متسع من خلال رعاية الفنون ورفع سقف حرية الفن والإعلام لتعبر عن نبض الشّارع، وباعتبار الفنون مرآة الشّعوب فهذه عملية ترميم لحقيقة النظام ووجهه الإجرامي وإضفاء صفات يفتقدها في الواقع.

فريق آخر وجد في كسر عضم وغيره من المسلسلات التي تصوّر قضايا الفساد وهيمنة الدّولة العميقة على الأجهزة الأمنية، أسلوباً جديداً، ورسالة وحشيّة تضاف لممارسات فروع الأمن وأقبية المخابرات وأساليبهم المبتكرة في القمع والإذلال (وهو التفسير الأقرب للحقيقة)، وبذلك تظهر على الملأ الصّورة الحقيقية لدولة يهيمن عليها أصحاب النّفوذ.

فبعد الثّورة وسقوط الأقنعة ازدادت لغة النظام صراحةً وانتقل التّهديد من التّلميح إلى التّصريح.

نعم إنها سوريا اللون الواحد والصّوت الواحد والرجل الواحد الأوحد ومن لا تعجبه تلك الصّورة فالأجهزة الأمنية كفيلة بإقناعه بالطّريقة المناسبة.

هي سوريا المتوحشة التي دفع ميشيل سورا حياته ثمناً لكشف حقيقتها.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني