fbpx

كان يمكن لهذه التجربة أن تكون مميزة وعالمية

0 101

كما قال نعوم تشومسكي، بما معناه أن روج آفا معجزة لمنطقة تعيش بين الأعداء!.

كان يمكن لروجافا أن تكون مثل كمونة باريس الشرق: حراك علماني ديمقراطي محاط بالديكتاتور في السلطة والإرهاب الإسلاموي معاً. لكن العقلية القديمة، عقلية الجبال وحكم العسكر، نحوا الجهود الحديثة والاستفادة من الخبرات الفكرية والثقافية والمعرفية، وظاهرة الفساد كذلك، كل هذا جعل هذه التجربة حلما آيلا للزوال[1].

بخلاف المسحة الرومانسية الثورية التي تُلهب المشاعر القومية لشعوب المنطقة، والتي ارتدت في المشروع الكردي الثوب العلماني الديمقراطي، المزركش بألوان آمال الكرد الزاهية، وأحلام ثوار الجبال المستحيلة، يمكن لقراءة العوامل الموضعية الحاكمة لتجربة الكمونة في سياقات التأسيس والصيرورة أن تكشف لنا الأسباب الحقيقية التي حولت الأمل لدى شريحة واسعة من السوريين الكرد، نخبا وعامة، إلى خيبة، والتجربة الديمقراطية، إلى حلم آيل للزوال!.

شخصياً أعتقد أن ما بدا من تراجع لمشروع روج آفا لم يكن فشلاً لمشروع كردي خاص على نموذج إقليم كردستان العراق، رغم توفر جميع أسباب الفشل الذاتية الكردية، والموضوعية السورية، بقدر ما كان تحولاً في طبيعة المشروع، فرضته مصالح وسياسات وموازين قوى الدول التي تصارعت على تقاسم حصص السيطرة ومناطق النفوذ السورية والإقليمية بين منتصف 2014 ونهاية 2019، وقد شكلت عواملاً مركزية، بالمقارنة مع الأسباب الثانوية التي تفضلت بها الروائية، المرتبطة بعقلية الجبال وحكم العسكر وظاهرة الفساد كذلك؛ وهو ما يعني أن المشروع لم يفشل، بل خضع لتحول وظيفي، ويعني استحالة أن يكون، بفعل عوامل التأسيس والصيرورة، تجربة مميزة وعالمية، نعوم تشومسكي، ومثل كمونة باريس، كما يرغب طيف واسع من النخب السياسية والثقافية المعارضة!

في محاولة لفرز الوهم والدعاية عن الحقيقة الموضوعية فيما يرتبط بظروف تأسيس وصيرورة مشروع الكمونة، أتناول في عدة أجزاء حيثيات وسياقات ما طرأ على وظيفة المشروع من تغير نوعي، على أمل المساهمة في بناء وعي سياسي موضوعي، ورأي عام سوري أقرب إلى وقائع الصراع، وحقائقه الرئيسية!.

الجزء الأول:

في تقديري، في أساس تلك الأسباب الثانوية، ثمة عوامل رئيسية، ترتبط جوهرياً بظروف وعوامل التأسيس والسياق، وطبيعة القوى، وتكشف طبيعة الدور الوظيفي لقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وشركائه خلال المرحلة الأولى من المشروع بين 2011-2014، وطبيعة دور قسد، وواجهتها السياسية مسد، في مشروع التحول اللاحق، الذي تجسد في سلطة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا؛ وهي من الأهمية بمكان تجعل من مصلحة السوريين، جميع السوريين، وفي مقدمتهم الكرد إدراكها جيداً إذا كانوا حريصين على معرفة الوقائع الجديدة، وما تحمله من عواقب على مصالحهم المشتركة، وتجنبهم خيبات أمل أخرى، قد تكون أشدّ مرارة!.

أولاً:في طبيعة التحول، وسياقاته

1- تقاطعت المصالح، وتساوقت في مرحلة التأسيس جهود قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي لبناء مقومات مشروع روج آفا، (لإقامة ما بدا كانتوناً كردياً، وما خلقه من انقسام نضال السوريين الوطني الديمقراطي الذي عبر عنه حراك ربيع 2011، بين مشروعين متواجهين، كردي قومي، وسوري ديمقراطي، وما واكبه من ترويج نخبوي مفاقم لأطروحات حق تقرير المصير، المظلوميات، والشعوب السورية)، مع جهود حثيثة، بذلها النظام السوري وشركاؤه في وقت مبكرٍ من 2011، بالتنسيق مع خصمه الرئيسي في القوى السياسية الكردية، حزب الاتحاد الديمقراطي، لتفشيل إمكانيات تحول الحراك الشعبي السلمي إلى ثورة ديمقراطية، من خلال دقّ أسفين في الصف الوطني السوري، ووضع أهداف مشروع قومي كردي، لا تملك الحد الأدنى من شروط التحقق الموضوعية أو الذاتية، في مواجهة مشروع التغيير الديمقراطي للشعب السوري.

في خطط وسياسات قيادة PYD، أتت جهود تأسيس مؤسسات روج آفا الإدارية والأمنية والعسكرية في أعقاب حراك شعبي وتمرّد ثوري، وفي إطار جهود سلطوية مضادّة لقطع مسار صيرورته ثورة ديمقراطية، وقد تكاملت فيها أسباب ودوافع وإجراءات النظام السوري وروسيا وإيران مع مصالح وآمال قيادة PYD، في حكم المنطقة التي باتت تحت سيطرة ميليشيات حماية الشعب والمرأة، وبالتنسيق مع قيادات قنديل.

2- مرحلة التمدد، والتحول إلى سلطة أمر واقع في مناطق السيطرة الداعشية؛ وقد انطلقت صيرورتها بعد تدّخل جيوش الولايات المتحدة وروسيا، وتساوقت مع إطلاق الدولتين بين 2015-2020 لسياسات وجهود إعادة تقاسم الحصص ومناطق النفوذ التي كانت قد سيطرت عليها فصائل المعارضة بين 2012-2014، وما تضمنته من تصدّي الولايات المتحدةلمهمة تحييد المليشيات الداعشية، وتفكيك مرتكزات سيطرتها؛ وقد وضع الدور الكبير الذي لعبته ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي في معركة كوباني، وتحريرها في ربيع 2015، الأساس لتنسيق وتعاون عسكري وأمني مشترك، تحول لاحقاً بين 2015-2019 في سياق تحرير كامل مناطق السيطرة الداعشية، وما تتطلبه من تمكين المليشيات عسكرياً ولوجستياً، وتحولها إلى جيش نظامي باسم قوات سورية الديمقراطية وتطوير أدوات الحكم المحلية، الإدارية والسياسية، إلى مؤسسات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إلى تحالف مصالح وأهداف، يحمل طابع الديمومة!.

وضع واشنطن الأولوية لاستمرار علاقاتها مع قسد، حتى على حساب علاقاتها التاريخية مع تركيا، وما بذلته من جهود لبقاء وشرعنة وجود سلطتها منذ مطلع 2020، يبين أن تقاطع المصالح والسياسات، وانتصار تضحيات عشرات ألوف السوريين المنضوين في مؤسسات قسد في دحر العصابات الداعشية، قد بنى أرضية مشتركة لقيام مشروع تحالف استراتيجي بين سياسات الولايات المتحدة، الساعية إلى إقامة قاعدة ارتكاز دائمة في سوريا الجديدة، وقيادة قسد، الباحثة دائماً عن فرص إقامة كانتون سيطرة خاص.

في عوامل السياق العام، نجد التفسير الموضوعي لأسباب ما حصل من تحوّل تدريجي في طبيعة مشروع روج آفا، على صعيد أهدافه وادواته المرتبطة بقوى الثورة المضادة، إلى مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية، المرتبط بأهدافه وادواته بمشروع السيطرة الإستراتيجية للولايات المتحدة، بالدرجة الأولى.

المشروع السابق، بشكله وسلطته وطابعها الكردي، كان أقل من أن يلبي شروط السيطرة الأمريكية، وهدف أمريكي استراتيجي لإقامة قاعدة ارتكاز دائمة، تطلب حمايتها وديمومتها سلطة تشاركية، لا توفرها قاعدة روج آفا الجغرافية والديمغرافية وقد باتت تشمل مناطق واسعة في الرقة ودير الزور وحلب.

مع سيطرة قسد بدعم أمريكي شامل على كامل مساحة السيطرة الداعشية في نهاية 2019، تحققت أهم شروط قيام الكانتون الأمريكي/القسدي، المرتبط بالسيطرة الجيوسياسية، وباتت جميع الأبواب مفتوحة لإطلاق صيرورة تأهيل شامل لمؤسسات السلطة الجديدة في سياق تحقيق شروط التسوية السياسية الشاملة، على جميع الصُعد والمستويات؛ السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، بما يوفر عوامل الشرعية السورية والإقليمية والدولية، وأسباب البقاء والديمومة!.


[1]– مما كتبته الأستاذة Maha Hassan على صفحتها في ذكرى تأسيس الإدارة الذاتية؛ وهي قاصة وروائية سورية كردية من مدينة حلب مقيمة في باريس.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني