fbpx

قمة بوتين – أردوغان.. قمة الملفات الشائكة وما خفي أعظم مما قيل

0 1٬182

بات أمراً اعتيادياً أن تخرج القمم الروسية – التركية والمؤتمرات الصحفية (إن عٌقدت)، واجتماعات أستانا، واجتماعات المسؤولين كافة بين كلا البلدين، واللجان الفنية بما يخص الشأن السوري، بعبارات منمقة، مصاغة بلغة دبلوماسية، محشوة بعبارات ومفردات عامة، تحمل في طياتها رسائل موجهة لداخل كلا الدولتين، ويمكن أن يفسرها كل طرف بما يتناسب مع سياسته ومصالحه، ثم فيما بعد تتجلى بنود وتفاصيل ومفردات ما توافقوا عليه في الميادين السورية، حتى إن القيادتين السياسية والعسكرية المتربعتين على سدة الثورة السورية، لا تعلمان شيئاً عن مضمون تلك اللقاءات والاجتماعات، شأنهما شأن الجميع، تسمعان ما حصل عبر صفحات الإعلام أو بعد بدء تطبيقها في الداخل السوري.

القمة الروسية – التركية التي عٌقدت في سوتشي في 29/9/ 2021 لم تخرج عن المألوف، وهي قمة عقدت لأول مرة بغطاء أممي أصبغه عليها المبعوث الأممي “غير بيدرسون” بقوله: إن منطقة إدلب ومناطق سورية أخرى ستتم مناقشتها في قمة “بوتين – أردوغان”، وقمة “سوتشي” الجديدة زادت سريتها عن سابقاتها لعدة أسباب موضوعية، كونها تمت بظروف غاية بالتعقيد بعد تصعيد عسكري وضربات جوية روسية زادت عن 100 يوم، تمركزت في جبل الزاوية، وطالت عموم أرياف إدلب، ووصلت هجماتها لعمق النفوذ التركي والفصائل الأكثر قرباً منها في مناطق غصن الزيتون (براد، باسوطة)، وتعقد في ظرف تصاعد الاشتباك السياسي بين تصريحات تصعيدية للوزير “لافروف”، أكد فيها عدم التزام أنقرة بتعهداتها التي منحتها لموسكو، وخاصة، تفكيك تنظيمات القاعدة الموجودة على قوائم الإرهاب وفصلها عن الفصائل المعتدلة، ومهدداً بؤرة الإرهاب في إدلب (على حد قوله)، الأمر الذي استدعى رداً من وزير الدفاع التركي “خلوصي أكار”، نفى فيه التهم الموجهة لبلده، وأعاد الكرة لملعب موسكو عندما أكد أن انتهاك وقف إطلاق النار، وتشريد وتهجير المدنيين، لم يكن يوماً بنداً تم التوافق عليه، وأن موسكو والنظام انتهكا تلك التوافقات.

بيانات تركية سابقة رفضت الاعتراف بضم الروس لشبه جزيرة القرم، ونزعت الشرعية عن انتخاباتها الشبيهة بمسرحية انتخابات أسد، أزعجت موسكو التي رفعت وتيرة التصعيد العسكري في شمال غرب سوريا، عبر رسائل دموية أرادت موسكو إبلاغها للزائر قبل إقلاع طائرته نحو “سوتشي”، وتعزيزات الأرتال العسكرية التركية باتجاه إدلب، مع معلومات عن تزويد أنقرة لحلفائها في الجيش الوطني بمضادات م/د ومضادات جوية محمولة على الكتف، رفعت من وتيرة الغضب الروسي.

ومع الاستعداد للقمة أعلنت قاعدة “حميميم” عن إسقاطها لطائرة مسيرة قادمة من إدلب كانت بطريقها للهجوم على طائراتها ووحداتها المتمركزة في الساحل السوري، غامزة إلى مسؤولية تركيا عن تلك الحادثة.

يضاف لما سبق، خلاف متبادل روسي – تركي حول مظلة الشرعية السورية، التي منحتها موسكو لبشار الأسد ونظامه. بينما أصرّ وزير الخارجية التركي “شاويش أوغلو” على الاجتماع مع القيادة الثلاثية (ائتلاف، هيئة تفاوضية، حكومة مؤقتة) والقول أن هؤلاء هم من يمثلون الشرعية السورية، وكذلك الخلاف السابق اللاحق حول مطالب الروس بالوصول إلى (M4) ونقل النقاط التركية العسكرية الـ 55 إلى شماله، وهو أمر رفضته وترفضه أنقرة حتى الآن، حتى بعد أن طال القصف الجوي الروسي، والمدفعي الأسدي، محيط تلك النقاط مؤخراً وبحركة استفزازية روسية – أسدية، يضاف لما سبق خلافات تركية – روسية كثيرة تتشظى نحو ليبيا وأرمينيا وأفغانستان وأوكرانيا وغيرها، لكن أهم ما يميز الخلافات بين الطرفين هو تشبثهما بمواقفهما وعدم التنازل عنها.

صحيح أن القمة (بالأمس) لم تبدأ باستفزاز روسي كما فعلوا بالمرة الماضية، عندما أصر بوتين على عرض صور القادة العسكريين للقياصرة الذين خاضوا حروباً عدة ضد العثمانيين، وانتصروا فيها، معلقة على جدران القاعة كي يشاهدها “أردوغان” وهذا له مغزاه السياسي، ولم يترك “بوتين” ضيفه ينتظر كما فعلها سابقاً، كونه يدرك أن الرئيس أردوغان القادم من زيارة متوترة إلى نيويورك، والذي أدلى هناك بتصريحات نارية ضد ساسة البيت الأبيض ورئيسهم، لن يحتمل مزيداً من توتير الموقف، خاصة مع تصريحات تعتبر إيجابية بالنسبة لموسكو أدلى بها الرئيس أردوغان في نيويورك قال فيها: إن الحل في سوريا تصنعه الدول المهتمة، وإن الجهود التركية – الروسية – الإيرانية قادرة على إنتاج حل في سوريا، مستبعداً أي دور لـ “واشنطن” (غير المهتمة كما وصفها) بتلك الجهود، والمعروف أيضاً أن إحدى نقاط الالتقاء السياسي الروسي – التركي، هو توافقهما على عدم شرعية الوجود الأمريكي في سوريا.

معظم المتابعين للعلاقات الروسية – التركية يدركون أن هناك عدة ملفات أخرى بينية كانت بحاجة للبحث بين “أردوغان – بوتين”، وتخص العلاقات التركية – الروسية منها اقتصادية، وسياسية، وعسكرية، وسياحية وغيرها، لكن الجميع كان على قناعة أن الملف السوري سيكون على رأس قائمة تلك المباحثات.

من الملفات الهامة والعالقة، ملف شرقي الفرات إذا ما انسحب الأمريكان، ملف التنظيمات الموجودة على قوائم الإرهاب وفصلها عن المعتدلين، ملف وجود حزب العمال الكوردستاني في شمال حلب (مناطق تل رفعت ومنغ ومحيطها)، ملف خرائط وتوزيع مناطق النفوذ التركية/الروسية، وتموضع وانتشار النقاط التركية من جبهة الساحل حتى أرياف حلب مروراً في إدلب وخاصة بما يتعلق بالطريق (M4).

أمام هذا الكم غير المسبوق من التشابكات والتعقيدات والقضايا الملغمة بين الطرفين، كان طبيعياً التقاء الرئيسين لمدة ثلاث ساعات بشكل منفرد بعيداً عن الوفود، وكان طبيعياً أيضاً عدم عقد مؤتمر صحفي مشترك عقب اللقاء، وعدم خروج أي بيان عن القمة قد يشعل ناراً بتفاصيله وقد ينسف اللقاء.

الرئيس أردوغان الذي اصطحب معه إضافة للوزراء، أهم شخصيتين مقربتين منه، الرئيس الأعلى للاستخبارات التركية هاكان فيدان والمتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، وأول رسالة ضاغطة على الأمريكان كانت تأكيده ما نفته تركيا سابقاً، حول مناقشات جادة مع الجانب الروسي لتزويد تركية بمنظومات دفاع جوي متطورة تضاف لمنظومة (S-400) التي تم نصبها على الأراضي التركية وأغضبت الأمريكان وقادة حلف الناتو.

في إطار المتوقع من النقاش الذي دار في تلك القمة بين الرئيسين أردوغان – بوتين، كان هناك إجماع للمراقبين أن الرئيس أردوغان سيشدد على ضرورة عمل روسيا على إبعاد حزب العمال الكوردستاني عن الحدود التركية وخاصة في شمال حلب، وعلى ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار المتفق عليه سابقاً في إدلب ومحيطها، وعلى خطورة التعرض للجيش التركي ونقاطه ومواقعه المنتشرة داخل الأراضي السورية، وسيشرح االرئيس “أردوغان” بالتفصيل مشكلة تفكيك وفصل التنظيمات المسلحة الموضوعة على قوائم الإرهاب، وحاجة ذلك لجهد إقليمي دولي وليس فقط جهوداً منفردة من تركيا، خاصة أنها تقع في منطقة تحوي 4،5 مليون سوري معظمهم نازح ومهجر في مخيمات على الحدود، وسيكون لأي اشتباك أو قتال معهم نتائج كارثية لن تستطيع أنقرة تحمل تبعاتها، وبالتالي، فإن تركيا لا تستطيع حلها بمفردها، خصوصاً مع وجود 90% من عناصر في تلك التنظيمات من الجنسية السورية، وستكون هناك مطالبة تركية من الرئيس “بوتين” للضغط على حلفائه في دمشق لتيسير عمل اللجنة الدستورية.

بالمقابل يتوقع من الرئيس “بوتين” أن يكون قد عمل على إقناع الرئيس أردوغان بأن وجود الجيش السوري في شرقي الفرات أفضل من بقاء حزب العمال الكوردستاني، وبالتالي يجب تخفيف الانتقادات والموقف التركي من نظام دمشق، يضاف لذلك تأكيد من الرئيس “بوتين” على ضرورة جعل منطقة جنوب (M4) كاملة تحت النفوذ الروسي، أي نفوذ جيش الأسد.

رغم أن جل النقاش بتلك القمة سيكون متعلقاً بأرضنا وشعبنا ومستقبلنا، لكن مع ذلك سنبقى نحن كسوريين مستبعدين عن المشهد، رغم قناعتنا أن روسيا وحلفاءها في دمشق وطهران والضاحية الجنوبية هم من قتلوا واعتقلوا وشردوا الشعب السوري الثائر ضد منظومة الفساد والديكتاتورية الأسدية، وأن روسيا تدعم من يرفض تنفيذ وقف إطلاق النار، وتدعم أيضاً من يعرقل تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، وأن الروس هم من يمنع أي حل سياسي في سورية، وهم من يعطل كل المسارات التي يمكن أن تؤدي لحلول، ونعلم أيضاً أن روسيا افتعلت وأرادت مسار “أستانا” ليكون بديلاً عن المفاوضات الأممية في “جنيف” لتمييع القضية السورية والتلاعب فيها، وأن روسيا اخترعت سابقاً مصطلح “مناطق خفض التصعيد” غير الموجود في القواميس العسكرية والقانونية لتستطيع الالتفاف عليها والتهامها (وهذا ما فعلته)، وأنها ومن أجل تحصين حكم الديكتاتور ومنع العدالة الشعبية والدولية من أن تطال رقبة بشار الأسد استخدمت حق النقض الفيتو 16 مرة في مجلس الأمن.

وتبقى بعض الأسئلة بحاجة لإجابة:

  • هل تثمر القمة الجديدة عن اتفاق جديد سيظهر في الأيام القادمة بعد انتهاء صياغته من قبل أعضاء الوفود السياسية والعسكرية والقانونية والفنية؟ أم تكون هناك تحسينات للتوافقات التركية – الروسية السابقة؟
  • أم أن الابتسامات المتبادلة كانت مصطنعة، وأن عدم وجود مؤتمر صحفي أو بيان عقب القمة كان مؤشر لفشل تلك القمة، وأن الحلول تُركت للميادين العسكرية؟

يبقى أن نقول: إن نشاط الطيران الروسي الاستطلاعي الذي يحلق الآن ومع كتابة سطور هذا المقال (فجر الخميس) وبتلك الكثافة وبعد القمة الروسية – التركية في شمال غرب سوريا على خط كيمار، جنديرس، أطمة، دارة عزة، لا يبشر بالخير.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني