fbpx

قصيدة للشاعر السوري المثنى الشيخ عطية

0 254

صديقي الجسر 

دعني أحسبُكَ شهيداً كي لا تتألّم

وأداوي جُرحكَ بالكلمات لعلّ الدم

يعود فراتاً/يهدر بين عمود البازلت الأسود تحتك

وأهدّئه بيديّ كما كنّا نفعل فوق سريركَ حين تخاف

ودعني أوقِف ساعةَ هذا الدّمع وأستحضرُ روحَ الأسلاف

لجرحكَ، دعني أحضر عشبةَ جدّي جلجاميش

فقط أمهِلْني بضعَ دقائق، وتنفّسْ بهدوء

لن تستغرقَ هذي الرحلة أكثرَ من سطر 

فتنفّسْ، أعلمُ أنك محتجزٌ بلظى الجمر

اِنسَ قرون الوحش بصدركَ، وتذكّرْ أنّك أنتَ صديقي الحرّ

تذكّرْ، كم من قُبَلٍ مسّت صدركَ بفَراش عذوبتها

كم من عُرسٍ أشعل في أضلاعكَ شغف العاشق للطيران

وكم من طفلٍ أطلقَ طائرةً فوقك نحو سماء لا أسوار لها

كم حضنتْ أعطافُك من أقدامٍ سارت لمقاصدها بخطى الريح

وألقت همّ الترحال لترفع كأسك في دفء “الجرداق” 

وكم من شمسٍ غرقتْ في حضن النهر وأيديها

تتشبّث فيك لتغرقَ فيها

كم من أيدٍ لمستْ أيدٍ فوق سريركَ

وهي تودّع شمساً نامت في أحضان النهر

تذكّرْ أنّك ذاكرة طفولة أهل الدير

تذكّرْ أنك عشقُ الفتيان، وعشقُ الفتيات، وعشقُ الأوراق،

وعشقُ الأشجار، وعشق الأطفال، الفلاحين، العمال، 

الورد، القطن، القمح، وعشقُ العشّاق

تذكّرْ أنك أنت قرين فراتي الجامحِ وفراتي الرقراق

تذكّرْ أنك أنت أنا، والناسُ هنا 

انظرْ كيف أتى كلٌّ منهم، في يده صورتَه وهو يعانقك

افتحْ صفحات الإنترنت

لترى كم حُبّاً شكّل نهراً سارَ إليك

انظرْ كم حلماً رفرف بجناحيك

تذكّر أنك لم تنجزْ أحلامَ الأمس

وأن السهرةَ في أوّلِها، أنّ بقيّة حلم ما زالت في الكأس

صديقي “المؤتمنُ على الأحلام” 

انظر حلماً لم يُشرَب بعدُ على نهر العاصي

انظر لنواعير حماةَ تدور لأجلك

ساعة حمص لم تتوقّف عن نبضك

انظرْ نفسكَ أجنحةَ فراشٍ في الرقّة

صرخةَ عزّ في درعا، سيفاً في لافتةٍ بكَفَرنبل

وردةَ غيثٍ في داريّا

حجراً يصهلُ في أبواب دمشق

تذكرْ أنك سيفُ الأحرار، وأنك ترتاحُ على ساعد من آخاك

تنفسْ وانسَ قرونَ الثور بصدرك

خذ ذاكرتي، وافتحْ قلبكَ لصبايا الدير

أتينَ يُقِمنَ لك الطقس على ضفّة نهرِك

ها هنّ يشكّلن هلالاً حولك 

ها هنّ يماهين قرون الثور بظلّ تحلّقهن

يمهّدنَ على إيقاع “معادة” ندّابات الدير 

صعودَ الجدّة عشتار من الموت بأنفاسِك

زاهيةً بهلال أنوثتها الكونية

ويزغردْنَ لعرس نشوركَ، فانهض

دعني أشبكُ أسلاك قيامك بشراييني 

كي تفردَ أجنحة العنقاء على الآفاق

تُحلّقَ بي فوق الحوّامات، وفوق صواريخِ الأفّاقين

لنفتح “معركة الجسر” على جثثِ ملالي طهرانَ المعتوهين

نعيدَ صياغة أوهام الأحزاب اللاهيّة لهباء التاريخ

نعيدَ صياغة أحلام الإنسان لمجد الإنسان

ودعنا نفتحُ أجنحةَ الحريّة فوق الأرض السوريّة

نشعل أعراس السوريين أيادٍ تتشابك فوق الأكتاف

تحلّق مثل نسورٍ في الساحات 

صديقي الحرّ، تنفسْ وانظرْ من فيضَ بهائك

كيف نجمّع ذاكرة الحلم لنحمي الحلم

معاً، كيف نعيدكَ أبهى ممّا فات

المثنى الشيخ عطية

إلى جسر دير الزور المعلّق لحظة سقوطه جريحاً بين يديّ

2013-05-18  ـــ جريدة النهار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: “الجرداق”: اسم المقاهي الموزعة على ضفاف نهر الفرات في دير الزور.

2: “المؤتمن على الحلم”: جملة مقتبسة من مقال الشاعر عقل العويط: “هذا الإله الرجيم”

3: “المعادة”: اسم طقس توديع الميت الذي تقيمه النساء في منطقة الفرات.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني