fbpx

قراءة قانونيّة لقرار محكمة العدل الدولية الخاص بفرض تدبير وقف العمليات العسكرية في رفح

0 119

أصدرت اليوم الواقع في 24/5/2024 محكمة العدل الدوليّة قرارها المتعلّق بطلب فرض تدابير إضافية بالدعوى التي أقامتها دولة جنوب افريقيا ضد الكيان الإسرائيلي بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعيّة في غزة، استناداً للعدوان الإسرائيلي على منطقة رفح والتهديد باجتياحه عسكرياً مما يهدد حياة أكثر من مليون فلسطيني تجمّعوا هناك بسبب العدوان الإسرائيلي على غزّة، وقد وصات هيئة المحكمة وبأغلبية 13 صوتاً من أصل 15 صوتاً إلى القناعة التالية:

– بعد أسابيع من تكثيف القصف العسكري على رفح، حيث فر أكثر من مليون فلسطيني نتيجة لأوامر الإخلاء الإسرائيلية التي تغطي أكثر من ثلاثة أرباع أراضي غزة بأكملها، في 6 مايو 2024، أمرت إسرائيل ما يقرب من 100,000 فلسطيني بإخلاء الجزء الشرقي من رفح والانتقال إلى منطقتي المواصي وخان يونس قبل هجوم عسكري مخطط له.

– لا يزال الهجوم البري العسكري في رفح، الذي بدأته إسرائيل في 7 أيار/مايو 2024، مستمراً وأدى إلى إصدار أوامر إخلاء جديدة. ونتيجة لذلك، ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، نزح ما يقرب من 800,000 شخص من رفح حتى 18 مايو 2024.

– وترى المحكمة أن هذه التطورات خطيرة بشكل استثنائي وتشكل “تغييراً في الحالة بالمعنى المقصود في المادة 76 من لائحة المحكمة”. وترى المحكمة أيضاً أن التدابير المؤقتة المشار إليها في أمرها المؤرخ 28 آذار/مارس 2024، وكذلك تلك التي أعيد تأكيدها فيه، لا تعالج بشكل كامل العواقب الناشئة عن تغيير الوضع، مما يبرر تعديل هذه التدابير.

– وترى المحكمة كذلك، استناداً إلى المعلومات المعروضة عليها، أن المخاطر الهائلة المرتبطة بشن هجوم عسكري في رفح قد بدأت تتحقق وستزداد حدة إذا استمرت العملية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المحكمة:

– غير مقتنعة بأن جهود الإجلاء والتدابير ذات الصلة التي تؤكد إسرائيل أنها اتخذتها لتعزيز أمن المدنيين في قطاع غزة، ولا سيما أولئك الذين شردوا مؤخراً من محافظة رفح، كافية للتخفيف من الخطر الهائل الذي يتعرض له السكان الفلسطينيون نتيجة للهجوم العسكري في رفح.

وبناءً على ما سبق قررت المحكمة فرض التدابير التالية:

– الوقف الفوري لهجومها العسكري، وأي عمل آخر في محافظة رفح، قد يفرض على المجموعة الفلسطينية في غزة ظروفاً معيشية يمكن أن تؤدي إلى تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.

– الإبقاء على معبر رفح مفتوحا لتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تمس الحاجة إليها دون عوائق.

– اتخاذ تدابير فعالة لضمان وصول أي لجنة تحقيق أو بعثة لتقصي الحقائق أو هيئة تحقيق أخرى مكلفة من قبل الأجهزة المختصة في الأمم المتحدة بالتحقيق في مزاعم الإبادة الجماعية إلى قطاع غزة دون عوائق.

– أن تقدم إسرائيل تقريراً إلى المحكمة حول جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذا الأمر، في غضون شهر واحد من تاريخ هذا الأمر.

إلزامية القرار: يعتبر القرار ملزماً لسلطات الاحتلال استناداً لنص المادة ’’94‘‘ من لائحة محكمة العدل التي تنص على أنّه:

  1. عندما تنتهي المحكمة من مداولاتها وتعتمد حكمها، يخطر الأطراف بموعد النطق به.
  2. يتم النطق بالحكم في جلسة علنية تعقدها المحكمة، ويصبح الحكم ملزما للأطراف اعتبارا من يوم النطق به.

والمادة ’’94‘‘ ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أن: يتعهد كل عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” أن ينزل على حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفاً فيها.

إذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ولهذا المجلس، إذا رأى ضرورة لذلك أن يقدم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم.

آلية تنفيذ القرار: يتم تنفيذ القرار من قبل مجلس الأمن بناء على احالته من الأمين العام للأمم المتحدة استناداً لنصّ المادة ’’41 و77‘‘ من لائحة المحكمة اللتان تنصّان على :

للمحكمة أن تقرر التدابير المؤقتة التي يجب اتخاذها لحفظ حق كل من الأطراف وذلك متى رأت أن الظروف تقضي بذلك.

إلى أن يصدر الحكم النهائي يبلغ فورا أطراف الدعوى ومجلس الأمن نبأ التدابير التي يرى اتخاذها.

كل تدبيـر تشير به المحكمة بمقتضى المادتين’’73 و74‘‘ من هذه اللائحة، وكل قرار تتخذه المحكمة بمقتضى الفقرة’’1‘‘ من المادة ’’76‘‘ من هذه اللائحة يبلغ فورا للأمين العام للأمم المتحدة لإحالته إلى مجلس الأمن وفقاً للفقرة ’’2‘‘من المادة’’41‘‘ من النظام الأساسي.

دلالة الالفاظ:

•       وقف العمليات العسكريّة: يختلف مفهوم وقف العمليات العسكريّة عن وقف إطلاق النار بأنّ الأخير اتفاق ينظِّم وقف جميع النشاطات العسكرية لمدة معيَّنة في منطقة معيَّنة، ويجوز الإعلان عنه من جانب واحد أو ربّما يتمّ التفاوض عليه بين أطراف النزاع.

كما يختلفان عن الهدنة التي تعتبر اتفاقيّة عسكرية، الغرض منها تعليق الأعمال العدائية في جميع مناطق الحرب، لمدة زمنية غير محدّدة.

وإن وقف إطلاق النار أو الهدنة لا يعنيان نهاية الأعمال العدائية بل يعني مهادنة فقط ’’وقف مؤقت للأعمال العدائية‘‘.

وبما أنّ إسرائيل والولايات المتحدة كانتا ترفضان رفضاً قاطعاً الدخول في اتفاق لوقف إطلاق النار من خلال رفض فكرة وقف إطلاق النار والاكتفاء بهدنة إنسانيّة التي لا تمثل بالنسبة لها نهاية قانونية لحالة الحرب.

لذا جاء قرار المحكمة بفرض وقف العمليات العسكريّة الاسرائيليّة ليؤكّد على أن هذه العمليات هي عمل من اعمال العدوان باعتبار ان سلطات الاحتلال أظهرت نواياها بإعادة احتلال قطاع غزّة الذي فكّت ارتباطها به منذ سنة 2005 وتهجير أهله باتجاه مصر وهذا يتوافق مع قرار الجمعيّة العامة للأمم المتحدة رقم ’’3314‘‘ لسنة 1974 الذي اعتبر من قبيل العدوان: قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه، أو أي احتلال عسكري، ولو كان مؤقتاً، ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم، أو أي ضم لإقليم دولة أخرى أو لجزء منه باستعمال القوة.

كما تعتبر هذه العمليات العسكريّة عملاً من أعمال الإبادة الجماعية باعتبارها تهدف الى قتل سكان غزّة وإلحاق الأذى الجسدي والروحي الخطير بهم وإخضاعهم عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرهم المادي كلياً أو جزئياً وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل سكان غزة.

كما يمكن اعتباره اعترافاً ضمنياً من المحكمة بحق المقاومة للفلسطينيين وإسقاط ذريعة الدفاع عن النفس التي تتذرع بها إسرائيل في ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة.

•       أيّ عمل أخر قد يفرض على المجموعة الفلسطينية في غزة ظروفاً على الحياة يمكن أن تؤدي إلى تدميرها المادي كلياً أو جزئياً: ويُقصد به الحصار واستهداف المشافي ودور العبادة ومنع وصول الغذاء والماء والدواء وتدمير المساكن وتهجيرهم قسريّاً وغيرها من الممارسات التي تؤثّر على حياة الافراد وتتسبّب في الأذى الجسدي والمعنوي لهم.

واستناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم ’’808‘‘ لسنة 1993 الذي يؤكِّد على أن الانتهاكات الخطيرة والواسعة للقانون الإنساني الدولي وخاصة عمليات القتل الجماعي والممارسة المتواصلة للتطهير العرقي، تُشكل “تهديداً للسلام والأمن الدوليين” وخرقاً للنظام العام الدولي وبالتالي فإنّ جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانيّة وجرائم الحرب الأخرى بحق سكّان غزّة تُشكّل تهديداً للسلم والأمن الدوليين وهي نفس المعايير التي دفعت المجلس لإصدار قرار التدخّل في الحرب اليوغسلافيّة لحماية سكّان البوسنة والهرسك وفرض ممرّات انسانيّة تحت الفصل السابع بموجب قراره المذكور أعلاه.

وحيث أن القانون الدولي الإنساني لا يعتمد على العدالة والمحاكم فقط لفرض احترام أحكامه وإنزال العقوبات على مخالفيه، وإنّما هو قانون يسعى إلى الحفاظ على ’’الحياة في حالات الطوارئ‘‘ حيث منح المنظمات الإنسانية المحايدة الحقّ بالتدخّل للمساعدة في حماية الأفراد والسكان المعرضين للخطر.

ومنحها حقّ المبادرة بتقديم خدماتها في إطار نزاع ما، وتتعهد الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف ألا تعتبر تلك الأعمال تدخلاً في شؤونها الداخلية أو أعمالاً غير ودية، وفي الواقع يجب على تلك الدول أن تسهّل المرور السريع وبدون عراقيل لجميع إرساليات وإمدادات الإغاثة والعاملين عليها وفقاً للمادة ’’70‘‘ من البروتوكول الأول الإضافي لسنة 1977 ولا يجوز لتلك الدول أن ترفض عروض الإغاثة لدوافع أو أسباب سياسية تتعلّق بالنزاع. وينطبق الحكم على منظمّة الصليب والهلال الأحمر الدوليّين بالإضافة الى منظّمات الهلال الوطنيّة العربية والاسلاميّة والمنظّمات الانسانيّة الأخرى.

•       يضع هذا القرار المجتمع الدولي على المحك ومدى احترام القانون الدولي والالتزام بالقرارات القضائية الصادرة عن محكمة العدل الدولية والتي تعتبر اعلى مرجع قضائي للأمم المتحدة، الذي سيظهر من خلال جلسة مجلس الامن الدولي التي ستعقد للبحث في سبل تنفيذ القرار والذي لا يمكن إجبار الاحتلال الإسرائيلي التي بادر مسؤوليه برفض القرار والقيام بشنّ غارات جوية على رفح بالتزامن مع جلسة النطق بالقرار إلا بتفعيل نصوص الفصل السابع وفرضه بواسطة الإجراءات القسرية المنصوص عنها بالمادة ’’42‘‘ من ميثاق الأمم المتحدة التي تنصّ على أنّه :إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء “الأمم المتحدة”.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني