fbpx

قراءة قانونيّة لقرار مجلس حقوق الإنسان الخاصّ بحالة حقوق الإنسان في سوريّة

0 288

طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم “228/76” لعام 2021، من الأمين العام إجراء دراسة حول الأشخاص المفقودين في سورية، بالتشاور مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان الذي كلّف بها لجنة التحقيق الدوليّة المستقِلة والتي قدّمتها في السابع عشر من شهر يونيو/حزيران 2022 والتي كانت الأساس الذي بنى عليه الأمين العام تقريره عن المفقودين في سورية المُؤرّخ في 2 آب 2022.

وعُقدت الدورة الحاديّة والخمسين المجلس حقوق الانسان الذي يضمّ في عضويّته “47” دولة، وبتاريخ 7/10/2022 طرح للتصويت مشروع القرار A / HRC / 51 / L.18 – الخاص بحالة حقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية – مقدم من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والأردن والكويت وقد تم تمريره بموافقة “25” دولة، ورفض “6” دول، وامتناع عن التصويت “16” دولة والذي تضمّن في بعض بنوده:

  • الترحيب بتقرير الأمين العام عن المفقودين في سورية المُؤرّخ في 2 آب 2022 والتشديد على ما خلص إليه التقرير من أن أي تدبير يتخذ لمعالجة المأساة المستمرة للأشخاص المفقودين يتطلب نهجا متسقا وشاملا يتجاوز الجهود الحالية، ويجب أن يكون شاملا ومحوره الضحايا، وإذ يهيب بجميع أطراف النزاع، وعلى رأسها السلطات السورية، أن تفرج فوار عن جميع الأشخاص الخاضعين للاختفاء القسري وأن تقدم معلومات دقيقة إلى أسر المفقودين بشأن مصيرهم وأماكن وجودهم، وفقا لقرار مجلس الأمن “2474” تتحمل الأطراف في النزاع المسلّح المسؤولية الرئيسية عن اتخاذ جميع التدابير الممكنة لمعرفة مصاير الأشخاص الذين أبلغ عن فقدهم نتيجة الأعمال العدائية، وإنشاء قنوات مناسبة تتيح التجاوب والتواصل مع الأسر في عملية البحث.
  • كما رحب بعمل لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية وعمل الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) للمساعدة في التحقيق مع الأشخاص المسؤولين عن أخطر الجرائم بموجب القانون الدولي ومقاضاتهم في الجمهورية العربية السورية منذ آذار/مارس 2011، ويلاحظ مع التقدير عمل مجلس التحقيق بمقر الأمم المتحدة.
  • وأعرب عن اقتناعه القوي بضرورة محاسبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية، ويشير في هذا الصدد إلى مقرر مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية وتدمير تلك الأسلحة C-25/DEC.9 المؤرخ في 21نيسان/أبريل 2021.

مضمون دراسة لجنة التحقيق حول آلية إنشاء لجنة المفقودين:

أوردت اللجنة الأسباب الموجبة لإنشاء اللجنة، كما وضعت تصوّراتها للآليّات والسبل الكفيلة بتحقيق نجاح اللجنة من خلال التوصيات التالية:

  • يجب أن تكون محايدة ومستقلة وذا ت مصداقية وشاملة ويمكن الوصول إليها.
  • أن يكون عمل اللجنة التركيز على الأهداف الإنسانيّة في معرفة وكشف مصير المفقودين، دون الدخول في موضوع العدالة الجنائيّة وتحديد المسؤول عن الإخفاء والاعتقال التعسّفي، باعتبار أن ذلك سيكون أداة قوية للبحث عن المعلومات ذات الصلة عن المفقودين وجمعها في سياقاتها الإنسانيّة فقط.
  • أن يكون تمويل اللجنة من الموازنة العامة للأمم المتحدة.

–      إيلاء الدور المهمّ والاساسي لعائلات الضحايا في عمل اللجنة.

–      جمع كل البيانات المتوزِّعة على عدد من اللجان والهيئات ذات الصلة وتوحيدها ضمن إطار عمل اللجنة.

كما وضعت المبادئ التي يجب أن يقوم عليها عمل اللجنة.

  • مبادئ العمل الإنسان ي الأساسية: الاستقلال، وعدم التحيز، والحياد، والكرامة الإنسانية.
  • مبادئ حقوق الإنسان الأساسية: عدم التمييز، المساواة، الشمولية، المشاركة، لا ضرر ولا ضرار، حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتصرف وغير قابلة للتجزئة ومترابطة.

الخطوات اللاحقة للوصول الى تشكيل اللجنة:

  • بعد إقرار التوصيات من قبل مجلس حقوق الإنسان يرفع القرار مع الدراسة الى الأمين العام للأمم المتحدة لإدراجها على جدول أعمال الجمعيّة العامة للأمم المتحدة للمناقشة واعداد مشروع قرار والتصويت عليه وفق الآليّات المتبعة في ميثاق الأمم المتحدة ويجب أن يحصل على أغلبيّة الثلثين حتى يتم اعتماده.

العقبات التي قد تعترض تشكيل اللجنة:

إنّ مثل هذه اللجان غالباً ما يتم تشكيلها بعد انتهاء النزاعات الداخليّة أو الحروب، بالتالي فإنّ بقاء النظام سيشكّل عقبة كبيرة أمام عملها لأنه لن يقبل بها لأنها ستفضح جرائمه الفظيعة وبالتالي سيعمل على إفشال اية محاولات لإنشائها.

إنّ عمل اللجنة فيما إذا تم إنشاءها سيؤدي إلى فتح ثلاث مسارات حتميّة وهي:

  • المسار الإنساني: الذي يتجلّى بتوفير سبل الوصول إلى معرفة مصير الضحايا من قِبل أهاليهم، وحيث أن العلاقة بين المسار الإنساني. ومسار العدالة علاقة تكامليّة الأمر الذي سيؤدّي إلى فتح باب المسار الثاني وهو مسار العدالة الجنائيّة.
  • مسار العدالة الجنائيّة: من خلال كشف جرائم الاخفاء القسري والاعتقال التعسّفي والقتل خارج القانون والتعذيب وبالتالي محاسبة المجرمين بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة التي ستطال رأس النظام وأركانه باعتباره المسؤول الأول عن هذه الجرائم وفق تسلسل القيادة، وحيث أن العدالة الجنائيّة في معرض ملاحقة مجرمي الحرب والمجرمين ضد الإنسانيّة تُسقِط “الحصانات” ما سيؤدّي إلى فتح المسار الثالث وهو المسار السياسي.

المسار السياسيّ: الذي يعاني منذ اثنتي عشرة سنة من مأزق الاستعصاء الناجم عن الخلافات المُستعصية بين أعضاء المجتمع الدولي حول مصير بشار الأسد وبالتالي سنكون أمام الخيارات التالية:

  • عدم تمرير مشروع القرار في الجمعيّة العامة إذا لم تتوّفر الاغلبيّة المطلوبة لتمريره.
  • سيكون أمر تمرير القرار محل مساومة بين روسيا والصين وبين المجتمع الدولي وستكون ذريعتهم أن هذه اللجنة فيما اذا شُكِّلت ستكون أداة بيد الولايات المتحدة وحلفائها لتقويض جهود عمليّة التسوية في سورية وستكون أداة للإطاحة برأس النظام السوري، وبالتالي نسف للقرار”2254″ لعام 2015 ومنتجاته “هيئة التفاوض واللجنة الدستوريّة”، ما يضع المعارضة و”حلفائها” أمام خيار وحيد وهو إما التمسّك بالقرار “2254” وبالتالي استمرار مسار التفاوض وفق المقاربة الروسيّة، وإمّا التخلّي عن فكرة إنشاء لجنة المفقودين والمختفين قسريّاً.
  • مشكلة “ولاية” عمل اللجنة تعتبر من الاشكالّيات الأساسيّة، ففي حال إذا ما كانت الولاية بموجب تفويض من مجلس الامن أو مصادقته على عمل اللجنة عندها سيكون الفيتو الروسي – الصيني العائق الذي سيحبط هذا المشروع.
  • أمّا إذا بقيت بتفويض من الجمعيّة العامة فإن قراراتها لن تكون ملزمة للنظام وإنما سيبقى له الحق برفض التعاون معها أو وضع شروطه الخاصّة للتعاون بما يحقق له أهدافه في التملّص من المسؤوليّة عن جرائم الاختفاء القسري، ويتيح له فرصة التلاعب بالأدلة والوثائق والبيانات، من خلال اللجان والمكاتب والمديريّات التالية: مكتب المفقودين التابع لوزارة العدل الذي أنشأه النظام في عام 2013 بزعم مساعدة المواطنين الذين يبحثون عن أقاربهم المفقودين، واللجنة العامة للطب الشرعي الذي أنشأها النظام في عام 2014 لتقديم خدمات فحص الطب الشرعي، ومديرية الشهداء والجرحى والمفقودين التي اقتصرت على تقديم الدعم والخدمات لأسر قتلى وجرحى ومفقودي عصابات الأسد فقط.
  • مع العلم أن وزارة العدل بمحاكمها ولجانها كافة، ووزارة الدفاع بالإدارات والوحدات التابعة لها كافة ومنها إدارة القضاء العسكري والشرطة العسكريّة والأجهزة الامنيّة شريكة في جرائم الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والقتل والتدمير والتهجير، وقد عملت الأجهزة الأمنيّة مع وزارة الداخليّة وقيادات الشرطة المدنيّة والأمن السياسي على إعداد أوراق مُعدّة مُسبقة للتسويات وتتضمن إقرارات بجرائم وأعمال تُصنّف على أنها أعمال إرهابيّة، وعملت على تنظيم ضبوط “مزوّرة” بإشراف القضاء تتّهم فيها ما أطلقت عليه “العصابات الإرهابيّة” بأعمال الخطف والقتل خارج القانون لتدفع عن نفسها المسؤوليّة عن جرائم الاختفاء القسريّ والاعتقال التعسفيّ باعتبارهما من جرائم “دولة”.
  • رغم أهميّة إنشاء لجنة البحث والكشف عن مصير المختفين والمعتقلين قسريّاً والمفقودين إلا أن حصر عملها بالجانب الإنساني فقط، دون تحديد المسؤول عن جرائم الإخفاء القسريّ والاعتقال التعسّفي، والقتل خارج القانون، والقتل تحت التعذيب، سيكرر نفس الأخطاء التي ارتُكِبت عند إنشاء بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية “FFM” في عام 2014 والتي تم إنهاء تفويضها في عام 2017، وثم إنشاء آلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة “JIM”، بموجب قرار مجلس الأمن الدولّي رقم “2235” لعام 2015. ومن ثم إنشاء فريق التحقيق وتحديد الهوية “IIT” في عام 2019 وهو مسؤول عن تحديد مرتكبي استخدام الأسلحة الكيميائية في الجمهورية العربية السورية.

الأمر التي تسبب بمنح النظام السوري فرصة لطمس الادلّة والتهرّب من المسؤوليّة عن كثير من الهجمات الكيمياوية الامر اضطر الأمم المتحدة الى انشاء فريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

لذلك ندعو السيد الأمين العام للأمم المتحدة، والجمعيّة العامة للأمم المتحدّة أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار عند طرح مشروع قرار إنشاء اللجنة الخاصّة بالمفقودين والمختفين والمعتقلين قسريّاً في سوريّة.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني