قراءة في مشروع الإصلاح الانتخابي.. ما وراء هذا المشروع وما جدواه
الإصلاح الانتخابي في الدستور السوري لا يمكن مناقشته خارج سياق الصراع السوري وجوهره، فالافتراض هنا بإمكانية إجراء إصلاحات في بنية الدستور ككلٍ، يحتاج لتأكيد موافقة طرفي الصراع السوري (النظام الأسدي وقوى الثورة والمعارضة) على هذا الإصلاح، وهو أمر فشل السيد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة “جير بدرسون” من تحقيق أي تقدمٍ على صعيد إدارته للتفاوض حول دستور سوري جديد، أو تعديل في الدستور السوري ينفي عنه هيمنة النظام الأسدي واحتكار السياسة.
مشروع الإصلاح الانتخابي وعملية الانتقال الديمقراطي في سوريا، الذي نشرته منظمة (اليوم التالي)، جاء على صورة افتراضية، بإمكانية التوافق على إجراء انتخابات في سوريا بعد توفير وثيقة يتمّ التوافق عليها، تسمح بإجراء هذه الانتخابات بصورة شفافة من خلال رقابة دولية حيادية تُشرف عليها.
من البديهي أن يطالب مشروع الإصلاح الانتخابي، الذي يضمن انتقالاً سياسياً متوافقاً مع مطالب الشعب السوري في بناء دولة القانون والمواطنة المتساوية، ضرورة أن ينص الدستور الجديد على حق تشكيل أحزاب، وحق تشكيل منظمات المجتمع المدني، إضافة إلى حرية تأسيس مؤسسات العمل الإعلامي الخاصة، وأن تتسم هذه المؤسسات بالموضوعية والحيادية في عملها.
إن أي انتخابات مقبلة لا قيمة لها في ردم هوّة الصراع بين البنى الاجتماعية السورية بدون أن تشمل الفئات المهمّشة تاريخياً، ودون تقليص المسافة على مستوى الجندر بين حقوق الرجل وحقوق المرأة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بما يتيح للمرأة دوراً حقيقياً أوسع وأكثر ملموسية في صناعة القرار الوطني بكل فروعه.
ومع كل ما ذكرناه، لم يًظهر مشروع الإصلاح الانتخابي بنية الدولة السورية الجديدة، وفق النص الدستوري الجديد، الذي قد يولد نتيجة التفاوض، ونقصد ببنية الدولة مؤسسات الحكم فيها، أي التقسيمات الإدارية للبلاد، وشكل إدارتها مركزياً أو لا مركزياً إدارياً عادياً أو موسعاً، أو مؤسسات فيدرالية، فبدون هذه البنية لا تتضح عملية الانتقال السياسي في البلاد لبناء نظام ديمقراطي تعددي.
السوريون، وتحديداً في المحافظات المهمّشة وهي الأكثر سكاناً والأغنى بالثروات، يريدون نظام حكم لا مركزي موسّع، وهو لا يتساوى مع مفهوم بناء دولة فيدرالية، فمن يبحث عن هذه الفيدرالية لديه ما يخفيه في عبّه للمستقبل القادم، لإعلان حالة تقسيمية، وهذا كلام صريح وواضح، بأن الغالبية من السوريين يرفضون طرح قوىً سياسية كردية تريد دفع البلاد نحو المربع المذكور، وهذا يهدّد وحدة البلاد واستقلالها، واستبدال صراعها الحالي بصراع بيني جديد بين الغالبية العربية الساحة ومكون صغير يريد أن يقنعنا بضرورة الأخذ بمصالحه على حساب مصالح غالبية السوريين.
الإصلاح الانتخابي سيكون أسّه في إصلاح بنية الدستور، وهذه البنية، يجب أن تحافظ على حقوق جميع مكوناتها في المواطنة والحريات المنصوص عنها في الدستور الجديد، دون الوقوع في فخّ صراع محتمل قادم بين الغالبية العربية والأقلية الكردية.
فالكرد هنا مواطنون سوريون تنطبق عليهم كل حقوق وواجبات المواطنة المتساوية، وهذا يجب لحظه بالدستور الجديد، حيث ستتراجع الهامشية الكبيرة التي كان يفرضها النظام الأسدي على المكونات السورية الصغيرة سواءً المكوّن الكردي أو أي مكون سوري آخر.
الإصلاح الانتخابي قاعدته كما نرى يجب أن تكون في المساواة الفعلية بين الأفراد كمواطنين أو بين المكونات الوطنية، وهذا يعني تغليب الوطنية السورية على أي انتماءٍ آخر.
السوريون يرون في الإصلاح الانتخابي جزءً من ضرورياً من عملية الانتقال السياسي في سوريا، وجزءً من صورة سوريا الجديدة كبنية دولة وكنظام حكم يرتكزان على مفهوم المواطنة أولاً.
إن أي نقاش عن إصلاح انتخابي سيكون بلا قيمة إن لم يكن هذا الإصلاح جزءً من إصلاح بنية الدولة والسلطة، وهذا ما كان يجب أن تركّز عليه ورقة (اليوم التالي)، فبهذه الحالة سيكون هناك وضوحٌ صريح حول حقوق المكونات الوطنية ضمن مربع الوطنية السورية، وعلى هذا الأساس تتم عملية الانتخابات الديمقراطية التي ستكون بإشراف دولي عملية فاعلة في التعبير عن مصالح السوريين في مكوناتهم المختلفة.