fbpx

قراءة في رواية “ياسمين رماد أبيض”

0 371

مجد حرب روائي سوري واعد، هذه أول تجربة روائية نقرؤها له.

ياسمين رماد أبيض، رواية تعتمد لغة المتكلم لبطلها يمان، أسلوبها الشاعري حاضر بقوة.

تبدأ الرواية بسرد يمان قصته معرجاً على راهنية أحداثها، من حيث المكان سورية وبالتحديد مدينة دمشق، مشيراً بشكل عابر إلى الأحداث السورية، التي عنت بالنسبة له صراعاً بين السوريين، يرعاه أعداء سورية. مع ذلك يمان يعيش حياته بشكل طبيعي، ولا إشارة للجانب العام ومآله في كل الرواية بعد ذلك. يمان مسكون بحياته الخاصة وطموحاته، ومشاعر الحب التي يعيشها، وكيف تطورت حياته.

تسرد الرواية بطريقة الخطف خلفاً، من خلال قراءة يمان مذكراته على حبيبته الكندية، حيث يعيش الزمن الراهن للرواية.

يمان شاب جامعي يدرس هندسة الحاسوب في السنة الثالثة، متفوق، لديه أفكار إبداعية جديدة، يتبناه أساتذته في الجامعة، يشجعونه على المواصلة في بحثه، يؤمنوا له منحة دراسية إلى دولة أجنبية، يقرر الذهاب، وبسبب ذلك قرر قطع علاقته مع حبيبته ماري، ماري تنهار نفسياً وتحاول الانتحار، يتم إنقاذها، يتعهد لها يمان على استمرار الحب وعلى الزواج، لذلك تخلى عن المنحة الدراسية، غادر إلى الكويت ليعمل في دار نشر من أجل تأمين مستلزمات الزواج، وبذلك تكون قد انعدمت فرص المتابعة العلمية، عاد يمان وتزوج من ماري، التي تحبه جداً، لكنه لم يجد فيها ما يشبع ذاته التواقة للحب والتفاعل والعمق النفسي، غادر مجدداً إلى الكويت ليستمر بالعمل هناك. يسترجع يمان ذكرى فتاة مغربية “ياسمين”، التقاها في عرض مسرحي مغربي في دمشق، سكنت نفسه وعقله، تابعها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووصل إليها، تفاعلا كثيراً، تولدت بينهما عاطفة حب قوية جداً، جعلت يمان يحس بمعنى وجوده من خلال حبه لها وتفاعله معها وأصبح يتمنى أن يلتقي بها، وهي تبادله المشاعر. لم تكن حياة ياسمين مريحة، لقد كانت تعيش مأساة، إنها مصابة بمرض الصرع، أسبابه أنها وقعت ضحية ابتزاز مخرج مسرحي، فقد استغلها جنسياً لكي يعطيها حقها في مسرحياته. عائلتها تقليدية، أخوها متدين بتطرف، كان يضطهدها ويضيق عليها حياتها. يمان رجل علماني يؤمن بضرورة مغادرة كل ما يعيشه الناس من خلفيات اعتقادية أديان ومذاهب وغيرها، والالتحاق بعصر العلم. خلق مع آخرين مجموعة على وسائل التواصل الاجتماعي، أسماها ثورة الوعي، نشط من خلالها، يبث أفكاره العلمانية. المجتمع عنده قسمين علمانيين متنورين، ومتطرفين متخلفين، والصراع المجتمعي حاصل بين هذين الطرفين. تابع يمان علاقته مع ياسمين وازداد تعلقهما ببعضهما كثيراً، زادت غربته عن زوجته، وهو أصلاً بعيد عنها في الكويت وهي في دمشق، كان يحضر إلى دمشق لرؤيتها وأهله في إجازات متباعدة. قرر يامن أن يذهب إلى المغرب ليلتقي حبيبته ياسمين، وادّعى لزوجته أن السبب للذهاب إلى المغرب على علاقة بعمله. ذهب إلى هناك التقى بياسمين في ظرف اجتماعي مغلق محافظ، كانوا تحت مجهر المتابعة من قبل أخيها وصديقتها مريم، مريم التي تتعامل مع ياسمين بكونها صديقة عمرها، وتخاف أن يخطفها يمان منها، لذلك كانت عدوانية مع يمان وطلبت منه أن يقطع علاقته مع ياسمين وأن يغادر المغرب، خوفاً من تعرضه للاعتداء والقتل من أخي ياسمين. لم يهتم يمان بذلك، وبعد لقاءات عدة بين يمان وياسمين في أماكن مختلفة، جاءت إليه إلى الفندق لإطفاء شوقهما لوصال جسدي، لكن سرعان ما يحضر أخوها وأصدقاء له، وينهالون عليهم ضرباً. فقد يمان الوعي وعندما يصحو في المشفى، يسأل عن ياسمين وماذا حصل معها. أخبرته صديقتها مريم أن أخاها قد قتلها. حاول إخبار الشرطة بالأمر، لكنهم نصحوه بالصمت عن ذلك لأنه قد يتهم هو بالتحرش بفتاة مسلمة وهو مسيحي والعلاقة بينهما غير شرعية، قد يسجن، صمت صاغراً. ولأجل خروجه من المشفى ودفع تكاليف علاجه، طلب من صاحب العمل في الكويت سلفة مالية، وإجازة عن الوقت الإضافي الذي احتاجه ليتجاوز كسوره وجراحه. عاد يمان إلى الكويت مأزوماً نفسياً، كان سبباً لموت حبيبته، وكانت زوجته قد عرفت بحقيقة سفره إلى المغرب، بكت وعانت وترجتّه ألا يتخلى عنها، لكنه أخبرها بأن حياتهما أصبحت مستحيلة، تركها وعاش مع ذكرياته مع ياسمين. في الكويت أخبر يمان الناشر بكل ما حصل معه، وأعطاه دفتر مذكراته التي يدون بها كل ما يحصل معه ليطّلع على كل شيء. قرأ الناشر المذكرات أعجب بها، قدّم ليمان عرضاً وهو أن يكمل مذكراته ويعطيها للناشر لينشرها باسمه، ويقدم ليمان فرصة عمره بالسفر إلى كندا ومتابعة دراسته العلمية وبداية حياة جديدة. وافق يمان على العرض بعد تفكير مطول ووجدها فرصة ليبدأ حياة جديدة بعد موت حبيبته ياسمين. ذهب إلى كندا وبدأ العمل ليتابع دراسته وأبحاثه، هناك وجد فرصته، ووجد من يستفيد من موهبته، تعرف على زميلته كارولين في الشركة التي عمل بها ليتابع بحثه، وأصبح بينهما حب وعلاقة توجاها بالزواج وحصل على الجنسية الكندية، وعاش حياة هانئة مستقرة.

تنتهي الرواية برسالة الكترونية تأتيه من مريم صديقة ياسمين تخبره بها أنها تركت التدين وأصبحت من أنصار ثورة الوعي، وأن ضميرها يعذبها لأنها كذبت عليه، أخبرته أن ياسمين لم تمت وأنها أصيبت لفترة وأخبرتها أن يمان تركها وترك لها رسالة مزورة لتبتعد عنه. عاد يمان إلى المغرب وحضر مسرحية لياسمين، تعانقا على خشبة المسرح. هنا تنتهي الرواية.

في تحليل الرواية نقول: نحن أمام رواية ممتلئة بالمشاعر الجيّاشة كل الوقت، بعض الأحداث، تحتاج إلى منطقية لتفسيرها. لماذا قرر يمان ترك حبيبته ماري عندما قرر الابتعاث؟ وهو لا يحتاج ذلك، لماذا عندما قرر الزواج منها غير حياته بدل استمرار تعلمه وبعثته ومن ثم الزواج؟  لماذا كانت زوجته ماري التي كانت حبيبته السابقة عبئاً عليه كل الوقت ويتمنى التخلي عنها؟ حتى أخرجها من حياته. إلى أي درجة كان حب ياسمين منطقياً في نفسه؟ حب صنعته الغربة والبعد والتفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ نعم هناك تناغم عقلي وروحي. سفره إلى المغرب والوقائع المخترعة، الصديقة الشريرة، الابتزاز وبيع جهده المذكرات لصناعة فرص مستقبل أفضل، انتهازية مرّة، عودة ياسمين والنهايات السعيدة، كل ذلك مستوعب نسبياً.

لكن الغائب فعلاً هو المناخ العام لبلد الرواية وأبطالها، ما حصل في سورية ليس عابراً أو عادياً، لقد دخل عميقاً في حياة الناس كلهم. من ثار على النظام، ومن والاه، من قتل ومن أصيب ومن تشرد، الأرض المدمرة والبلاد المحتلة، والجحيم الحالي المسمى سورية، كله كان غائباً، للكاتب بعض العذر أنه كتب الرواية داخل سورية، ونشرها في دار نشر سورية، يعني أنه محكوم بالرقابة والخوف الأمني. لكن كعمل روائي منفصل عن صاحبه، كان يجب أن يكون أميناً على الواقع الفاقع مأساوية والساطع كالشمس. وهناك اختلاف جوهري مع تصنيف المجتمع عند الروائي لعلماني متنور وآخرين متدينين متطرفين، رغم أن المشكلة الحقيقية في سورية والعالم العربي، هي مع الاستبداد والظلم والقهر والتفاوت والفساد والمحسوبية والاستغلال، وقتل الناس بشكل علني بعد ربيع سورية عام 2011م. في كل البلاد الديمقراطية يوجد التنوع الاعتقادي المتدين والعلماني والعقائدي من كل صنف يتعايشون ويقومون بأدوارهم ببناء الحياة الأفضل في مجتمع ديمقراطي حر وعادل. مقتلنا في سورية هو في الاستبداد والظلم على كل المستويات، وليس تنوعنا الفكري والاعتقادي أو طوائفنا أو أدياننا.

كل عمل أدبي وفني محكوم برسالة خدمة الإنسان الباحث دوماً عن الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والحياة الأفضل، كل الأعمال تعرض على هذا الميزان للتقييم وإبداء الرأي.

الكاتب: مجد حرب

الناشر: كيوان للنشر والتوزيع

ط1، نسخة إلكترونية، 2018

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني