قراءة في رواية “ظل ومرآة”
- الكاتبة: نداء أبو علي
- الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
- ط1، ورقية: 2011م
نداء أبو علي، روائية سعودية من مدينة جدة، لها عدد من الروايات، هذه الرواية الأولى التي نطّلع عليها.
ظل ومرآة، رواية تتحدث عن شبكة من العلاقات النسائية – الرجالية في مجتمع مغلق يحجز الجنسين عن بعضهم بقواعد وأعراف اجتماعية صارمة، ترصد حياتهم وتطوراتها، منذ سن المراهقة وما بعد الشباب والدخول في الحياة العملية، اعتمدت الكاتبة تقنية الفصول المتعاقبة في السرد الروائي، وفي كل فصل مقطع يتناول امرأة أو رجلاً على منصة السرد، متابعة تفاصيل الحياة الذي تعيشها أو يعيشها وتداخلاتها مع الوسط الاجتماعي والعائلي والصداقة وحكايات الحب.. الخ.
يتابع كل فصل رنيم وغازي ودانة وسهى وحازم، ويتكرر السرد في الفصول الخمسة للرواية مكملة السرد للوصول إلى مآلات مفتوحة لرواية اكتملت في النص الروائي لكنها لم تنتهي في الحياة.
وعند الحديث عن الموضوع المعيش في الرواية، نجد أننا أمام حكاية المرأة والرجل والبحث الدائب لكل نصف عن نصفه الآخر، زمن الرواية حديث وبلادها السعودية، النساء المنفصلات عن الرجال منذ الطفولة، إلا لذوي القربى المقربين، الفتيات والشباب منذ المراهقة، يتوقون إلى البحث عن عالم الآخر المكمل، ذكراً كان أم أنثى، البحث عن الحب الممنوع والعلاقة مع الآخر، سواء من أجل بناء حب ومن ثم زواج وأسرة، أو من أجل المتعة والإشباع الجنسي. في هذه البلاد هناك نوعين من الحياة: الانفصال التام بين الجنسين إلا ضمن أجواء الأسرة وهذا الظاهر على السطح، أما الحقيقي العميق فهو علاقات تصنع بسرية وتصل إلى مدى كبير بين نساء ورجال، رفضوا هذا الفصل سلوكياً لأنهم وجدنه يهضم حقوقهم ويسلب منهم بعضاً من إنسانيتهم، بغض النظر عمّا يؤول عن تمردهم الاجتماعي من نتائج خاطئة أو صحيحة في واقع الحياة الفردية لأي منهم.
تبدأ الرواية من رنيم التي درست وتخرجت من الجامعة وبحثت عن عمل، لكنها لم تفلح للآن، تعرفت على غازي الموظف الذي اختبرها في مقابلة التوظيف التي خاضتها، أخذ رقم هاتفها لمتابعة شأن التوظيف، لكنه تابعها من مدخل التوظيف ليدخل في موضوع الإعجاب والحب واللقاء.
غازي شاب يعيش حياته باحثاً عن مزيد من العلاقات النسائية المفتوحة، يصطاد الفتاة ويعاشرها جنسياً إن أمكن وعندما يملّ منها يتركها باحثاً عن غيرها. كان قد مر بتجربة حب من فتاة لم تستطع النجاح، لأن والدها زوجها من غيره، لأنه عندما طلبها للزواج في مواجهة الآخر الذي طلبها، رُفض طلبه لأنه ما زال يدرس ولا عمل له. لذلك قرر أن ينتقم لنفسه من خسارة حبيبته أن يبحث عن نساء يدعي حبهن ومن ثم يستهلكهنّ جنسياً ويتركهنّ في مواجهة حياة سيئة، كانت رنيم الفتاة الجديدة التي بدأ يستدرجها، رنيم التقت به أعجبها بشخصيته وتمنت لو يكون حبيباً صادقاً تبني حياتها معه، كثير من الفتيات يلتقين بشباب يحبهن ويعجبن بهن يسلمن أنفسهن لهم على أنهن سيكن زوجات في الأيام القادمة، لكنهم يقعن ضحية الخداع، ويصبحن نساء للمتعة يدخلن في حياة قاسية لا يعرفن كيف يتصرفن، أمام مجتمع يغفر للرجل خطأه الجنسي وقد يعتبره الرجل بطولة، لكنه يعاقب الفتاة إلى درجة القتل، ترغب رنيم أن تلتقي بغازي وتخاف أن يخدعها، لكن لا حل لها إلا أن تقدم على المحاولة، تذهب إليه في منزله، يحاول أن يظهر لها التعامل الودود ولا يوحي لها بنيته الجنسية، إنه يمهد لها لتطمئن له ومن ثم يعاشرها بعد ذلك وتستسلم لرغباته، لكن علاقة رنيم مع غازي لا تسير حسب خطط غازي، هناك حازم أخو دانة صديقة رنيم، يحب رنيم كثيراً ويبني آماله المستقبلية على هذا الحب، وأن يتزوج رنيم ويبني مستقبله معها، مشكلته أنه خجول في التعبير عن مشاعره لرنيم، لكنه راقب علاقتها بغازي وعرف تفاصيل حياتها من أخته، وتفاصيل حياة غازي وعرف تلاعبه مع النساء وكيف يخدعهن ويستغلهنّ جنسياً ثم يتخلى عنهنّ، وكان حازم يوصل هذه المعلومات لرنيم لتبقى على حذر من غازي، إضافة لإغداق الهدايا عليها، وتنتهي قصة رنيم مع غازي باكتشافها له ولعلاقاته وزيف مشاعره. واكتشافها حب حازم لها بعد تخفي دام لوقت طويل، وتنتهي الرواية قاطعة رنيم لعلاقتها مع غازي، أما حازم فقد طلبها زوجة تجعل حياته سعيدة.
لرنيم صديقة اسمها دانة تلك الفتاة التي ترى أنها عادية غير متميزة، وأنها يجب ألا تنتظر أن يأتيها نصيبها رجلاً يطلبها كزوجة، لقد وصلت إلى سن يجب أن تتزوج به، إنها في العشرينيات، لذلك اعتمدت على الدخول على مواقع البحث عن الأزواج والزوجات المناسبات في الإنترنت، وتعرفت على الكثير واستقر خيارها بين أحمد وخالد، أحمد الشاب العادي العصامي الأخلاقي البسيط، الذي التقت به وتفسّحت معه على شاطئ بحر جدة، أما خالد فقد دعاها إلى بيته وهي لبت لترى نمط حياته، واكتشفت أنه يستعمل الموقع ليصطاد نساء إلى بيته ومن ثم مخدعه حيث يعاشر الفتيات جنسياً، ويصورهن بالسر، ويبتزهن بذلك، ويحولهن لعبدات لمتعه وطلباته الخاصة الجنسية، هن يستسلمن لذلك خوفاً من الفضيحة ومن العقاب الاجتماعي أو العائلي. هربت دانة من بيت خالد مبكراً، وقبلت بأحمد زوجاً. تنتهي الرواية وهي تعد لزواجها الذي تنتظر أن تبني حياة سعيدة وأسرة وتنجب الأطفال.
أما سهى الصديقة الثالثة لرنيم ودانة، فقد كانت تعيش حياة سعيدة وتملك من الجمال ما يجعلها تثق بنفسها ومستقبلها، كانت تتمنى أن تصبح ملكة في مستقبل أيامها، أحبت فارس ابن جيرانهم، لكن حبهما تعثر من قبل أهله وأهلها حيث رفضوا طلب زواجه منها، عاشت نكبة نفسية، لكن مجيء عامر وخطبته لها، جعلها تتوازن، عامر رجل معتد بنفسه جداً، يمارس عليها تسلطاً شديداً، يعاملها بأوامر قاسية رغم أنهما في مرحلة الخطبة، يغطي نفسه بالحرص عليها فهي عرضه. لكن سهى تكتشف صدفة أن خطيبها يعيش حياة منفتحة جنسيا مع نساء أخريات، في علاقات حرام، وأنه يمثل عليها دور الرجل العصامي المحافظ والأخلاقي. تنتهي الرواية وقد فكت سهى خطبتها من عامر غير نادمة.
وبالعودة إلى غازي توضح الرواية ان غازي أراد الانتقام من خسارة حبيبته عبر علاقات نسائية مفتوحة محرمة تضر النساء وتجعله بطلاً في نظر نفسه عبر تعويض نفسي مرضي. ورغم أن حبيبته قد فشلت في زواجها، وعادت له وخيرته بين أن تطلق وتعود له، أو أن يعيش عشرة حرام سرية. رفض ذلك، حافظ على ذكراها الحسنة داخل نفسه، وصرفها لتعود لزوجها وتقبل عيشتها السيئة حفاظاً على أطفالها الصغار.
كذلك حازم الذي صبر على رنيم ومنعها من أن تخطئ مع غازي وواظب على الانتصار لحبه حتى وصل لمبتغاه وهو على أبواب الزواج من رنيم التي يحبها.
في الرواية إيماء واضح لكون الفصل المتعسف بين الجنسين، يسبب بعض النتائج السلبية في العلاقات الجنسية، حيث تنتشر العلاقات الجنسية المثلية بكثرة في أوساط النساء، وكذلك في أوساط الرجال، حيث يكون ذلك في البدء تعويضاً عن غياب الجنس الآخر، ليصبح بعد ذلك مرضاً يدمن عليه النساء والرجال.
تنتهي الرواية ورنيم ستتزوج من حازم، وسهى تفسخ خطبتها من عامر، وغازي يصبح معروفاً ويخسر سمعته الاجتماعية، ودانة التي ستتزوج احمد الشاب الأخلاقي العصامي.
في تحليل الرواية نقول:
نحن أمام رواية تفرض علينا واقع المكان والمجتمع الذي تتحدث عنه بقوة، إننا في السعودية، في جدة، المجتمع المغلق عموماً، رغم أن مدينة جدة تعتبر أكثر انفتاحاً من المدن السعودية الأخرى، هذا الفصل التعسفي بين الجنسين منذ الطفولة، في الحي والعلاقات والمدارس والجامعات، جعل الجنسين في جهل مطبق لكل منهما تجاه الآخر، هذا الانفصال مع وجود الحاجة الغريزية الطبيعية لهذه العلاقة، حاجة تصل لدرجة الجوع والعطش للآخر، تجعل أغلب الشباب والصبايا يقعن ضحية علاقة جاهلة تنصب على الجنس الممنوع، وتخلق فساداً وضحايا وخراباً اجتماعياً واحتمال فضائح وجرائم شرف وغيرها.
هذا غير انعكاس ذلك على العوائل نفسها، فحتى العوائل المتزاوجة ضمن هذه الظروف لا تسلم من آفة الجهل المتبادل والتعامل وفق منطق الظاهر والباطن، وإخفاء كل ما هو مرفوض اجتماعياً، وبحث الكل عن تعويض خارج مؤسسة الزوجية سواء داخل السعودية أو خارجها.
الرواية تظهر هذه العلاقة المفتقدة بين الأفلاك الإنسانية للنساء والرجال، غياب أي منطق إنساني، إننا أمام غاب من النساء والرجال وكيف يصطاد الرجال النساء، وكيف توقع النساء الرجال في حبائلهن، وكيف يحقق كل منهما مصالحه، بأقل الخسائر.
إنه مناخ يفتقر لإمكانية إنتاج حب حقيقي، وإن وجد الحب فهو استثناء، وكيف يدفعونه إلى الموت خنقاً أو قتلاً بظروف اجتماعية قاهرة.
وعند التعريج على الانفتاح الجديد في السعودية، سنرى أن ما يحصل هو الانتقال من النقيض للنقيض، من المنع الكامل، إلى الانفتاح الكامل، أين القيم الضابطة، العقل، المصلحة، الوعي، الأخلاق، القيم الاجتماعية، وأين الحب الحقيقي وسط حطام واقع يتخلّق من جديد.
بكل الأحوال نجحت الرواية بكشف الواقع أو فضحة، وهذا مقدمة لضرورة تغييره نحو حياة إنسانية أفضل، احترام إنسانية الإنسان وحقه بعلاقات سوية دون إجبار أو منع أو قهر، وهذا لا يعني التحلل من الأخلاق، بل يعني أن ينشأ الإنسان ضمن بيئة سوية تحترم إنسانيته وقيمه وأخلاقه.