fbpx

قراءة في رواية “تضاريس المطر”

0 260

الكاتب: المعز العجيمي

الناشر: الشركة العالمية للطباعة والنشر، الخرطوم

ط1، ورقية، 2003م

المعز العجيمي روائي سوداني، هذه الرواية الأولى التي نقرأها له.

تضاريس المطر، رواية تعتمد السرد من راو يبدو كشاهد على الواقع المعيش أمامه، يظل متستراً بنص الرواية، يتجلى حضوره من خلال السرد. تقنية الرواية تعتمد أسلوب الخطف خلفاً، حيث تبدأ من النهاية، حيث يبحث العربي مقتفي الأثر في الصحراء مع عدد من أهل قرية في السودان عن النذير أحد شبابها، الذي هرب من القرية وأوغل في الصحراء. الرواية تتحدث عن القرية وناسها وأعمالها ومنهم النذير، إلى أن نصل إلى الإجابة عن سؤال لماذا غامر النذير بحياته وتوغل في الصحراء؟!، حيث من المحتمل أن يكون هلاكه.

تتحدث الرواية عن قرية في السودان، محاذية لنهر النيل، يعيش أهلها على الزراعة والاستفادة من مياه نهر النيل للري منه والتنقل عبره، أغلب الناس هناك يزرعون التمور وهو محصول زراعي أساسي، الجو حار دائماً، والشمس قاسية كل الوقت، نمط البيوت تكاد تكون تعريشات مرتفعة تبحث دائماً عن الظل والتهوية والإطلالة والتستر من الشمس الحارقة، كما أن أهل القرية يحتطبون الشجر ويصنعون الحراقات ليصنعوا منها فحماً يستعملونه ويتاجرون به. أهل القرية يعرفون بعضهم بالكامل، تكاد تكون القرية عائلة واحدة، الكل يعرف الكل ويعرفون عن بعضهم المعروف والمخفي. على طرف القرية شاطئ صغير تمر به بعض السفن العابرة في النهر، بعضها يحمل الناس المتنقلين لمتابعة مشاغلهم، وبعضها تكون سياحية، كما أن في القرية طريق بري يصل بين القرى المجاورة والقرية، تمر عبره السيارات، تخدم أهل القرية في الذهاب والإياب وقضاء حاجاتهم. في القرية دكان صغير يجد أهل القرية فيه أغلب حاجاتهم، على تواضعها، وفي القرية مركز طبي يناوب به نائب الطبيب، حيث يتابع أغلب حالات الشكوى الطبية، ذلك قبل تحويلها الى المشفى في المدن المجاورة، إن كانت مستعصية أو عاجلة أو خطيرة. أهل القرية منفتحون على بعضهم بالكامل، يتعاملون بصدق ودراية، تفاعلاتهم مركزة أحاديثهم مقتضبة، لكنها معبرة وتؤدي غرضها بدقة. النذير شاب في مقتبل العمر، يعمل بنقل الحاجيات والماء من الآبار للبيوت حسب الطلب، الحمير في القرية هي وسيلة التنقل للركوب وحمل الأثقال، لا يكاد يخلو بيت من حمار لتلبية كل تلك الحاجات، والد النذير عبد الله ثري لديه الكثير من الأطيان والأراضي، يعرف عنه انه مزواج، كثير الزواج وكثير التطليق، يتزوج فتيات بعمر أولاده، لم يكن ملاماً ممن حوله، فالمال كثير، وأهل القرية يطمعون بالخير الذي في حوزته عبر تزويجه من بناتهم، خاصة أن ذلك بالحلال، ومقترن مع حفلات زفاف وطعام وهدايا وذهب ومال، يصيب بعضه الأب والأم، لكنهم يتناسون ما سيحيق بابنتهم بعد حين تعود لبيت أهلها مطلقة، أو تحمل طفلاً على صدرها. لديه عدة أولاد من عدة نساء، أحدهم النذير، كان طلق أمه وتركه يبني مستقبله بجهده، دون أي مساعدة، النذير لم يكن يستوعب أو يُحس أن عبد الله والده، أنه لم يره إلا مرات عدة، وتحدث معه قليلاً جداً، النذير لا يحس أن والده يتعامل معه كابن بمسؤولية. إنه رجل متصاب مزواج، يتعامل معه النذير كأي غريب آخر في القرية. والدة النذير وجدّته تعاونتا على استصلاح أرض بجوار سكنهم، وزرعوها بالتمور، وصبروا عليها حتى أصبحت تثمر، لقد أصبح للنذير أرض من تعب جدته ووالدته. كان يسكن بجوار بيت النذير مساعد الطبيب وابنته التي تتعلم في المدينة، كانت تستغرب حياة النذير وتصرفاته، يعيش منفرداً في عزلة، كان النذير يغامر بالسباحة على شط النهر ولا يهاب التماسيح أن تلتهمه، كان ذلك يمتد لعدة ساعات، لم يكن لدى النذير أي هم يفكر به، يعمل ويعيش ويفهم الدنيا حوله أولا بأول. كان مساعد الطبيب يدعو النذير ليساعد ابنته في استنبات الورود والأزهار، لبى الطلب، واكتشف في نفسه ميلاً للفتاة، وكذلك الفتاة التي تعاملت معه بارتياب أولاً ثم بفضول، ومن بعد ذلك كانت قاسية معه لكونه دخل بيتها دون استئذان، لكن النذير أخبرها أنه لا يريد بها الشر وأنهم في القرية يتزاورون دون إخبار، وأن وجود أي باب مفتوح لأي منزل يعني يمكنك الدخول والجلوس والتحدث مع أهل البيت. حصل بين الفتاة والنذير توتر ناتج عن سوء تفاهم، حاولت الفتاة بعد ذلك أن تعالج ذلك بالاعتذار من النذير، استمرت العلاقة بين تقارب وتباعد، حتى وصل النذير والفتاة إلى قناعة أنهما يحبان بعضهما بعضا، لكن ظروف حياة النذير حيث يعيش في القرية ولا يكاد يفك الحرف، وحياته التي تعاش بالكفاف، أما الفتاة المتعلمة التي نجحت بالبكالوريا، وأصبحت مؤهلة لدخول الجامعة والتي لابد أن تغادر القرية تاركة أباها وحبيبها، وقد توطد داخل نفسها ونفس النذير أن طرقهم تفارقت، ولا تدري ما سيكون في قابل الأيام، وكذلك كان النذير فقد عاش إحساساً بخسارة حبيبته.

لا مستجدات كثيرة في القرية، إلا مناسبة تكرار ارتفاع منسوب نهر النيل كل سنة بما يحمل معه من طمي وزيادة في الماء وبعض تغيرات في الطبيعة، في تلك السنة ظهرت في قلب النهر جزيرة، محاذية الأرض بجوار اثنين من أهل القرية، سرعان ما اختلفا على ملكيتها، لم يسمح طمع الشخصين لوجود حل توافقي، فأخذ هذا يزرع والثاني يقلع، وحصل صراع وصل للمخفر، ومنه للمحكمة وترك الموضوع ليبت به القضاة. غير أن بعضهم يفكر أن يخلق واقعاً إجبارياً مختلفاً، فقد اعتمد أحد الشخصين على عبد الله والد النذير، واتفق معه على أن يبيع عبد الله أرض ولده النذير الذي ورثها عن جدته، لهذا الشخص، فأرض النذير تجاور الأرض المتنازع عليها، وبذلك يسهل على ذلك الشخص تملك تلك الأرض. وصل الخبر للنذير، رفض أن تكون أرضه لعبة بيد أبيه. ذهب إلى والده، عاتبه عن فعله، لكن عبد الله استهتر بابنه وطرده، وأخبره أنه يتصرف كيفما شاء لأن النذير وأملاكه لأبيه، خرج النذير متوتراً، وذهب إلى الأرض قطع الأشجار وحرقها، وصل الخبر للوالد عبد الله، فأصيب بانهيار نفسي وجسدي فقد الوعي وأصبح شبه مشلول. ما هذا الجنون الذي تصرف به النذير؟. وبقي فترة في حالة غيبوبة، لكنه توعد لابنه بعقاب شديد، وأخذ أهل القرية بين مشجع على الصراع بين الأب والابن، أو مهدئ له. لكن الوالد عاد بعد شفائه من المشفى إلى القرية، وقد أرسل إلى ابنه أنه سيعطيه الأرض وغيرها من الحقوق، ضاع النذير بين خوف من عقاب والده ومتشكك بعفوه. وفي ذات الوقت بعث أحدهم عجلاً من خارج القرية لعبد الله والد النذير، سُلم للنذير، وبينما كان مرتبكاً كيف يتصرف مع والده وكيف سيوصله لوالده، وأخيراً ارتأى أن يوصله إلى بيت زوجة أبيه الباقية على ذمته، الزوجة القديمة الوحيدة التي لم يطلقها، حيث كان والده قد تزوج حديثاً من إحدى فتيات القرية الجميلات. وعندما وصل إلى بيت زوجة والده، ودخل البيت وجدها في حالة تلبس في جماع جنسي مع واحد من رجالات القرية، ثارت حمية النذير وضرب الرجل بعصاه، حتى أدى ذلك إلى وفاته. عند ذلك خاف النذير على نفسه فقد أقدم على القتل، صوناً لعرض والده، وهرب إلى الصحراء.

تنتهي الرواية وقد استطاع العربي ببحثه وتقفي أثر النذير أن يصل إليه وهو بين الحياة والموت، أسعفوه بسرعة، وسلموه للشرطة التي ستأخذه إلى القضاء ليقرروا ما هي عقوبته عن قتله للرجل.

في تحليل الرواية نقول:

نحن أمام لغة جزلة متأنية، تتعامل مع موضوعها بمهارة فنان، وبدقة عالم. وجود اللهجة السودانية لا يربك النص بل يثريه لأنها لهجة أقرب للفصحى، وبعض التعابير الغير مفهومة بذاتها – على ندرتها – تفهم ضمن السياق العام للسرد. تدخل إلى نفسيات شخوصها بسهولة، نصبح على اطلاع على الباطن والظاهر، شخصيات الرواية فطنين، يجيزون بالكلام، لكنهم يوصّلون الرسالة ويحققون المراد، الناس منهمكون بأعمالهم وعالمهم الضيق المحدود في تلك القرية من السودان الواسع، القرية حرارتها مرتفعة دوماً، هذا قرين لماء النهر وفيضانه الذي يعدّل بالطبيعة كل عام. الجزيرة المختلف عليها التي ظهرت العام الفائت، اختفت هذا العام وانتهى مبرر الصراع والخلاف في القرية الذي أدى لكثير من المشاكل. القرية منقطعة عن العالم تقريبا، تتواصل عبر السيارات وعبر بعض المراكب مع خارجها، تستقدم حاجاتها، وتنقل مبيعاتها من ثمار التمور بشكل أساسي تعمل بالتهريب للجلود وغير ذلك، الناس بسطاء وحكماء، ومصابون ككل البشر بمنعكسات الثراء، الأب المزواج، أو منعكسات الفقر، حياة مغلقة ضيقة محدودة، موغلة في بدائيتها. كذلك الحب الذي لا يجد فرصة للعيش بين النذير وحبيبته. عالم المرأة التي هي موضوع الزواج، والمقتدر مالياً أحق حتى لو كان يكبرها بعشرات السنين. في القرية تراكم حياة متعارف عليها ومتوافق بين الناس عليها أيضاً منذ مئات السنين. بعضهم قد يكون مصيره زيجات كثيرة، وبعضهم قد يقتل ويسجن كما النذير، وبعضهم يغادر أجواء القرية لرحلة حياة مختلفة مثل حبيبة النذير، التي ذهبت لتكمل تعليمها، وبعضهم يخرج من القرية إلى المدن يعيش على هامشها وفي عمالة دنيا، أو يهاجر إلى خارج السودان، وهو وفرصته قد يعود خائباً أو صاحب مال وأطيان. الحياة تعاش بعشوائية وتلقائية.. نتساءل أين التخطيط المجتمعي الاقتصادي والسياسي والعمراني للتعامل مع هكذا حياة لتصنع الأفضل.

لعلها الثورة السودانية الرائعة التي ولدت قبل عام ستضع السودان وشعبه. على طريق الحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل.

السودان الثري بناسه وخيراته يستحق ذلك وهو قادر عليه.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني