fbpx

قراءة في رواية بيلان

0 381
  • الكاتب: د. موسى رحوم عباس
  • الناشر: بيسان للنشر والتوزيع
  • ط1، PDF، 2011م

موسى رحوم عباس، طبيب وروائي سوري، هذا أول عمل أقرؤه له.

بيلان، رواية تعتمد أسلوب السرد بلغة المتكلم على لسان الراوي في فصول متتابعة، وهي ترصد حياة الناس في قرية “الكسرة” التي تقع على ضفة نهر الفرات، في زمان ممتد لسنوات في أواخر ستينيات القرن الماضي وأوائل سبعينياته.

قرية الكسرة تقع على ضفتي الفرات ويصل بين ضفتيه جسر يسمى “بيلان”، يعيش أهل القرية على الزراعة، شبه منقطعين عن العالم الخارجي، فيها مختار ومخفر ومدرسة ابتدائية.

من وجوه القرية الحاج جاسم الذي كان قد ذهب للحج سابقاً ولا يُعلم إن كان قد حج فعلاً ام لا، في زمان كان الحج براً متعباً وفيه صعوبات كثيرة، أصبح وجهاً اجتماعياً، أولاده صالح ونجمة.

صالح الذي تابع دراسته في الهندسة الزراعية في مدينة حلب، وابنته نجمة التي كبرت وأصبحت في سن الزواج، خطبها ابن المختار، ويجب أن تذهب مع أهلها لشراء لوازم زفافها من حلب.

حسين أو “حسينوه” ابن القرية أيضاً، يتيم، لم يكمل دراسته بسبب فقره وضرورة عمله ليعيل نفسه وأمه، صديقيه في القرية تابعا دراستهما، صالح ابن الحاج حسين وأحمد ابن المختار الذي خطب نجمة، نجمة التي يحبها حسينوه ولكنه يكتم حبه في قلبه، لعجزه عن المنافسة مع ابن المختار.

يرافق حسينوه الحاج جاسم وعائلته الذهاب إلى حلب لشراء لوازم العرس، كونه خدم الجيش فيها ويعلم كل تفاصيلها، وهناك اصطحب الحاج جاسم إلى حي الدعارة بحسيتا فيها، ما أمتع الحاج وأذهله.

عاد الحاج يكتم سرّه ومتعته المفاجئة، وليحمل معه مرضاً جنسياً معدياً، سيظهر عليه لاحقاً.

وبسبب الحراجة لم يعرض نفسه على الطبيب، وانتقل بين أكثر من مزار لمشايخ وحضرات أطباء شعبيين، ولا حل، وكان ذلك سبباً في موته بعد سنوات.

عمل أهل الكسرة على تأمين سبل الحياة عندهم وتطويرها إمكانياتهم المتواضعة، فقد أقام أحد أغنيائها مطحنة في القرية، توفر على الناس الوقت والجهد من انتقالهم إلى بلدات أخرى لطحن حبوبهم، كان من نصيب حسينوه أن يديرها، كان يعمل أي عمل ليعيش، الطاحونة أمنت له مورداً ثابتاً، وحياة أفضل.

كما سعى شيخ القرية وإمامها لبناء مسجد فيها، مهما كان متواضعاً، وتم العمل لجمع الأموال اللازمة من أهل القرية فليس لهم إلا تآزرهم، حيث ساعدهم في بنائه الخواجا موريس الأرمني الذي كان قد تم إيوائه في القرية أيام هروبه وأهله من بلادهم إثر الحرب العالمية الأولى والصراع بين الأطراف، وكانوا إحدى ضحاياها ، طبعا كرد لجميل القرية وأهلها.

في هذه الفترة الزمنية ما بين 1968-1973م، كانت الدولة السورية قد أقرّت بناء سد الفرات في مدينة الطبقة السورية، ولم يكن يعلم سكان قرية الكسرة وغيرها كثير من القرى أن قريتهم سيغمرها ماء السد وسيتم ترحيلهم إلى أماكن أخرى من سوريا.

القرية بعيدة عن كل ما يحصل في سوريا وفي العالم حولها، توقف الناس عند حدث حصل في دمشق العاصمة حيث تم انقلاب 1970م واستلام الأسد الحكم، صحب ذلك مظاهرات مع وضد في القرية وهجوم على المخفر، ثم انصياع للسلطة بعدما جاء مبعوث من النظام، يتهدد ويتوعد، كما خرجت القرية في مظاهرات يعلن أصحابها أنهم ناصريون، اقترن ذلك مع وفاة عبد الناصر في ذلك الوقت.

غير ذلك القرية خارج التاريخ، لقد بدأت تصلهم أخبار السد وأنهم سيرحلون من قريتهم، اعتبروا ذلك مستحيلاً، لكنهم رضخوا أخيراً فهم غير قادرين على مقارعة السلطة.

حسينوه عاش مكتفياً بعمله في الطاحونة، بقيت غصة نجمة في قلبه، لكن الأمل عاد له مجدداً، فقد طلقها أحمد ابن المختار، الذي أصبح مسؤولاً حزبياً كبيراً في الدولة، وعاد خوف حسينوه على لقمة عيشه عندما علم أن القرية ستغرق في مياه السد وأن المطحنة ستتوقف، لقد فكوا آلاتها وهجروا بناءها. سافر حسينوه إلى بيروت للعمل هناك كحال الكثير من السوريين، كل ذلك قبل أن يرحل أهل القرية إلى المناطق البديلة التي اختارتها لهم الدولة.

أما صالح فقد تخرج من هندسة الزراعة، وذهب إلى الطبقة حيث يبنى السد وتوظف هناك، تعرف على المهندس الروسي المسؤول عنه في العمل، وعبره تعرف على ابنته ميرنا التي جاءت إلى سوريا لتتعلم اللغة العربية بمنحة روسية، حصل بينهما تفاعل وتولدت مشاعر حب يكبر مع الأيام، لكنه كان حباً مستحيلاً، حيث عادت ميرنا مع والدها إلى روسيا بعد ذلك لتعمل مذيعة باللغة العربية في إذاعة موسكو.

تركته لخيبته، مجروح القلب، متخلياً عن فكرة الزواج، استقر ووالدته وأخته نجمة المطلقة في الرقة حيث يعمل.

أما حسينوه وأهل القرية فقد انتظروا الترحيل الجماعي الذي ستقوم به الدولة عبر وسائط نقلها، لقد نقل الناس كل ما ينتفع به لحياتهم القادمة حيث سينقلون إلى مناطق مبنية أو يجهز بناؤها.

كان الأغرب في ذلك أن كثيراً من أهل القرية رفضوا مغادرتها قبل نبش قبور أسلافهم وجمع عظامهم واصطحابهم معهم إلى حيث يذهبون.

سينتقل حسينوه اليتيم الوحيد الفقير برفقة والدته إلى الرقة ويعمل هناك في أعمال السخرة اليومية، حيث يجتمعون هناك في ساحة خاصة بالعمالة في إحدى ساحات الرقة، ويتحولون إلى عصابات متصارعة على أحقية العمل مع القادم، صراع يصل للضرب والإصابة البدنية وحتى الموت أحياناً، صراع لقمة العيش والبقاء.

صالح يقرر أن يجمع أوراقه العلمية ويسافر إلى موسكو راكضاً وراء حبه ميرنا، لعله يتحقق.

حسينوه يتحمل مسؤولية عائلة صالح، ويتزوج من حبيبته نجمة ويعيش حياة فيها الكثير من التعب والهناء.

لكن متغيراً حصل قلب حياة حسينوه رأساً على عقب، لقد قتل أحد أبناء عشيرته أحد أبناء عشيرة أخرى. والعرف القبلي يقول أن يثأر أهل القتيل من أحد أبناء قبيلة القاتل، كان حسينوه الصيد السهل والمتاح. هرب من قدره فترة. لكنهم وصلوا إليه وقتلوه.

تنتهي الرواية حيث يلعب حسينوه الصغير ابن ابيه القتيل، في بيت يضم أمه وخاله صالح الذي يعد نفسه لسفر لا يدري ما يخبئ له.

في تحليل الرواية نقول:

نحن أمام رواية متميزة يشتبك بها الخاص بحياة أبطالها الرئيسيين الحاج حسين وابنه صالح وحسينوه. مع الاجتماعي في قرية منسية على ضفاف الفرات في وقت متميز حيث بناء سد الفرات وغمر الكثير من القرى، وهجرة أهلها، مع إشارة موحية عن تغير السلطة في سوريا، وتغول السلطة على الناس وحياتهم، مع غوص عميق في البنى الاجتماعية المجتمعية عادات وتقاليد وحضور للطرق الصوفية والطب الشعبي والمزارات والشعوذة وبداية التحضر وتطور الحياة عموماً.

لا تخلو الرواية المكتوبة في عام 2009م. والمنشورة عام 2011م في شهر الثورة السورية، من إيحاء بمظلومية حياتية ومجتمعية وسياسية تعطي انطباعاً أن ثورة للحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية قادمة.

وهذا ما حصل بالفعل.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني