قراءة في رواية “السلفي”
- الكاتب: عمار علي حسن
- إصدار: الدار العربية للكتاب
- ط2، ورقية 2014
عمار علي حسن روائي مصري قرأنا وكتبنا سابقاً عن روايات له، من كتّاب القرن الجديد، يلامس الواقع المصري والعربي بشفافية، ويضع رؤيته بشكل روائي سلس، تعتمد الرواية أسلوب السرد المباشر من بطلها المحامي المدافع عن المظلومين في قضايا حقوق الإنسان، وأحد المتصدين للفكر الجهادي، والمدافعين عن التنوير الإسلامي، وقضايا المرأة وحقوقها. لكنه يمتحن بابنه الذي وفي غفلة منه، يجنده الشباب الإسلامي الجهادي ويؤثرون به، فيترك أهله ويرحل إلى أفغانستان ليكون مجاهدا فينتصر أو “يستشهد”. ؟!!. الأب يعاني فهذا ابنه الوحيد يتحول الى مقاتل فإما قاتل أو مقتول وفي قضية لا تعنيه، ويعتقد أنه يجاهد في سبيل الله.
يستحضر الأب ابنه ويبدأ معه رحلة حوار عميق عبر اصطحابه في رحلة عودة إلى جذوره في قريتهم بالصعيد. ليقف معه على عتبات البيوت، ويستحضر أهلها أحياء وأموات. ومعها حياتهم وتعايشهم وإسلامهم الأخلاقي السلوكي. يصل للقرية بصحبة طيف ابنه، يحدثه فهذا بيت كان صاحبه فقيراً ويعمل وزوجته لتأمين لقمة عيشهم، وكيف بنوا أمام بيتهم منهل ماء بارد لكل عابر سبيل، وبعضهم زرع الأشجار وبنى المصاطب لجلوس العابرين. وآخر حافظ القرآن يمثل نموذجاً إنسانياً يسير على الأرض، يتصرف وفق أخلاق التراحم وتنوير عقول الناس ومكارم الأخلاق. وهذا بيت جارهم المسيحي الذي لا يختلف عنهم في أي شيء. إلا في ذهابه للكنيسة للعبادة وذهابهم للجامع للهدف نفسه أيضاً. ما عدا ذلك هم أخوة وأهل ومتضامنون في كل شيء. عند كل بيت يعيد على ولده حديثه عن إسلام الناس الفطري وتعايشهم. وإن تشدده وصحبه لا يعبر عن حقيقة الإسلام. وإن منطق التكفير والدخول إلى ضمائر الناس واتهامها ليس صحيحاً وليس مفيداً ويضر في التعايش الاجتماعي. يصطحبه إلى بيت أحدهم الذي عمل مثله متأثراً بالدعوة السلفية الجهادية وذهب ليقاتل مثله. لكنه لم يستطع أن يغطي على سيرته السيئة وسلوكياته المشينة. وآخر يمثل المرتزق من الدين، يعالج المرضى ويطرد الجن ويكشف المستور ويحل مشاكل الزوجية ويدّعي العلم بالغيب، يستثمر الإسلام في أسوأ صورة، سوقه رائج، مشاكل الناس كبيرة وهمومهم عظيمة، وهو يبيع أوهامه لهم. يصطحبه إلى شيخ الجامع، الرجل النقي الطاهر النموذج البسيط الفطري للإسلام المجتمعي المنتصر للحق وللمحبة بين الناس، المواسي لهم عند الملمات، الساعي بالخير في حال الاختلاف، الرجل الحكيم الطيب المتواضع. نموذج الرجل الضامن الاجتماعي. يصطحبنا إلى بيت الغازية. راقصة الأفراح، متذكراً مراهقته، ومتعلماً درس الاحترام للحلال. والبعد عن استسهال الاعتداء على أعراض الناس. فهي غازية وترقص في الأفراح كمهنة. لكنها زوجة وأم، مخلصة لبيتها وعائلتها. يأخذه لبيت العمدة ومعرفته أن ترأسه للقرية لمجرد أنه صاحب مال وإن كان أحمق. يصطحبه لبيوت الفقراء التي تثمر أبناء وبنات محامين ومدرسين وأطباء. بعضهم هاجر بعيداً لبلاد النفط يبحث عن رزقه. وغيره وغيره. في كل ترحاله بين بيوت القرية وحكاياها، يؤكد لولده نموذج الإسلام المعيش بين الناس، نموذج الخير والعدل وفضائل الأخلاق والتعايش والعمل الدؤوب لحياة أفضل، تُنتزع من ظروف حياة قاسية. يتحدث مع طيف ابنه ويحاول استدراجه إلى العودة إلى العقل والفهم الإنساني للإسلام. في قليل من البراهين الدينية والعقلية. وفي كثير من أمثلة الحياة ونماذج البشر والعيش المشترك مع المختلفين دينياً وعقلياً وامكانيات.
يحاول الأب أن يسترد ابنه نفسياً وعقلياً وأن يعيده من (جهاده) المدّعى وضياعه الأكيد. فقد فقده منذ زمن بعيد. ولم يحصل إلّا على رسالة يتيمه منه، يدعوه للتوبة بها. ويحضّه على عدم مناكفة الجماعات الجهادية. ويحذره من أن يدهم قد تصل إليه وتقتص منه.
تنتهي الرواية بعد زيارته القرية مصطحباً طيف ابنه، ومتمنياً لو كان معه، ولو أثر به بما حدّثه واسترده له وإلى إنسانيته.
في قراءة الرواية نقول: في الرواية جانب منتقص كان يجب أن يذكر حتى تكتمل الصورة، إن السلفي المتطرف العنفي، هو صناعة فكر إسلامي ليس سوياً نعم، وكذلك هناك ظرف اجتماعي اقتصادي سياسي مليء بالمظلومية.
فالقهر الاجتماعي والتخلف والاستغلال والفساد وغياب العدل والمساواة والفقر المفروض، واستبداد السلطات ورعاية التفاوت الاجتماعي والانهيار الأخلاقي من قبلها. غياب الأمان المعيشي وفرص العمل، والعلم غير النافع، وغياب التنوير الديني.. الخ. كل ذلك أدى لما أدى اليه من وجود السلفي الجهادي الضائع وأمثاله. أما الحل فهو تنوير ديني وإعادة الحقوق للناس كلهم، وبناء مجتمع الحرية المسؤولة، والكرامة الإنسانية. والعدل الاجتماعي، والدولة الديمقراطية، دولة الحقوق. وأن يصبح كل الناس ورشة عمل واحدة تعمل لبناء الحياة الأفضل.