قراءة في رواية: ارتطام لم يسمع له دوي
الكاتبة: بثينة العيسى
الناشر: منشورات تكوين – الكويت.
ط7 ورقية 2019م.
بثينة العيسى روائية كويتية متميزة جداً، قرأت أغلب رواياتها وكتبت عنها.
ارتطام لم يسمع له دوي رواية تعتمد أسلوب الكتابة على لسان الشخصية المحورية فيها فرح، معتمدة لغة المتكلم.
تبدأ الرواية من لحظة وصول الفتاة الكويتية فرح إلى السويد، فرح ابنة التسعة عشر عاماً، جاءت لتشارك في مسابقة دولية في علم الأحياء. تفوقت في الكويت على كل المنافسين، وجاءت للتنافس على مستوى العالم. فرح ممتلئة بذاتها ونجاحها ومواظبتها، كما تعتز بكويتيتها وأنها ابنة هذه الصحراء التي تركت على بشرتها سمرة، وفي نفسها أحاسيس الانتماء للعمق العربي، والتاريخ الإسلامي. تعرف إنها لم تتحرر تماماً من التمييز ضد المرأة تماما في الكويت، وأنها لولا تدخل جدتها مع والدها، وتدخل والدتها مع اخوتها الشباب كيلا يمنعونها من السفر فتاة بمفردها إلى أوروبا. لما استطاعت أن تسافر وتحط الرحال في بلاد الخضرة والجمال والتطور السويد.
سافرت بصحبة أستاذها الذي كان يرعى شؤونها على امتداد سنتين، يناهز عمره بعمر والدها، لم يكن بريئاً تماماً باهتمامه بها، كان يتحرش بها في كثير من الأحيان. وصلت إلى “أوبسالا” في السويد، والتقت هناك بضاري الشاب الكويتي الذي كان مكلفاً برعايتها ومساعدتها طوال فترة وجودها هناك، كان مريحاً لها بعدها عن أستاذها. كما لفت نظرها ضاري الشاب الكويتي الذي علمت أنه يعيش في السويد منذ أحد عشر عاماً. تعايشاً كثيراً، كان حذر فرح حاضراً كل الوقت، كما كان حضور ضاري واضحاً، وآراؤه قاسية وصادمة. تحدث معها عن عدم جدوى حضورها لهذه المسابقة، وأوضح لها أن الفرق المعرفي بين ما تعلمته في الكويت وما وصل إليه العالم عشرات السنين، كان ذلك محبطاً لها، لكنها أصرت على الدراسة والتحضير للامتحان العملي وبعده النظري. لكنها فجعت بالامتحان العملي، لقد تبين أن ما تعلمته يعود لعشرات السنين السابقة، وأنها لم تعرف الإجابة عن الأسئلة وأنها أجابت عشوائياً. لقد فجعت من واقع تخلّف ما تعلمته وأندادها. كان ذلك يؤكد رأي ضاري منذ البداية، كان قليل الاهتمام بأنه كويتي، وأن السويد والغرب أفضل بكثير لكنه يظهر أحياناً مشاعر حنين متناقضة. بدأت العلاقة بين فرح وضاري تتوطّد، تساءلت عن سبب مجيئه إلى السويد، وعدم عودته له، وعن عدوانيته الظاهرة تجاه الكويت، فهو بالمحصلة وطنه ووطنها. اعترف لها أنه يحب وطنه لكن وطنه لا يحبه، أباح لها أنه “بدون” وهذا يعني أنه من الفئة الاجتماعية الكويتية التي تعيش في الكويت منذ أجيال عبر عشرات السنين ولكن غير معترف بهم ككويتيين، وهذا ينعكس على تعليمهم الذي لا يتجاوز البكالوريا وعملهم الذي لا يستوي دون كفيل، وتزاوجهم غير الموثق رسمياً بدوائر الدولة، وصارت كل مقومات حياتهم مأزومة، وسرعان ما أصبحوا ملاحقين من الدولة بصفتهم خارجين عن القانون لأتفه الأسباب، ومطلوب أن يكونوا تحت وصاية وكفالة كويتي آخر. هؤلاء البدون يعيشون جحيماً في وطنهم.
كانت هذه المعلومات قاسية على فرح، حاولت أن تقنعه أن يعود للكويت بصفته سويدياً، رفض العودة وأوضح المفارقة أن سنوات معدودة في السويد جعلته سويدياً، بينما أجيال من البدون في الكويت لم تجعلهم يحصلون على حق التجنس بجنسية بلادهم أباً عن جد. كان ذلك مؤلماً لفرح التي بدأت تتفتح على واقع مختلف لوطنها الذي تحب، وتتمنى ألا يكون فيه هذا الواقع، إضافة لفشلها في الامتحان لتخلف بلادها العلمي وحصولها على الدرجة الأخيرة بين جميع المتسابقين. لقد وجدت فرح في ضاري حبها الذي احتل قلبها. ووجد ضاري فيها امتداده في وطن افتقده وغادره رغما عنه. أحبها كثيراً، عاشوا فترة من الالتفاف على مشاعرهم. حصل البوح أخيراً. طلب ضاري من فرح أن تبقى في السويد ويتزوجا. رفضت، لم تكن قادرة على اتخاذ هكذا قرار أكبر من قدراتها وتحملها؛ أن تخسر وطنها وأهلها وكل ذاتها التي تركتها هناك. طلبت منه أن يعود إلى الكويت على أنه سويدي وتستمر علاقتهم ويتزوجا بعد ذلك. لكنه رفض أن يعود للوطن الذي لفظه. كان لابد لهذا اللقاء من أن ينتهي على فراق بين حبيبين أحبا بعضهما بسرعة الضوء، عبر خمسة أيام. لكن واقع حياة كل منهما تجعل الافتراق حتمياً ويعود كل منهما لسابق حياته. لكنهما ممتلئان بحب لن يغادرهما إطلاقاً. وربما هذا عزاؤهما على فراقهما.
تنتهي الرواية بعودة فرح إلى الكويت واستمرار ضاري العيش في السويد.
في التعليق على الرواية نقول:
إننا أمام رواية أخرى لبثينة العيسى، تمس عوالم النفس الإنسانية بالعمق لفرح وضاري، وما يعتمل داخل نفسيهما. كما تطل على مشكلة البدون في الكويت، دون تكلف، وبصفتها مشكلة إنسانية ومشكلة حقوق أولاً وأخيراً. لم يحل للآن بصفته مشكلة وجودية لكثير من أهل الكويت، تجعلهم يعيشون مفتقدين لأبسط الحقوق الإنسانية. من جنسية وتعليم وعمل ومساواة مع بقية أبناء الوطن الواحد.
إلى متى سنبقى أبناء الأمة العربية في بلدانها المختلفة نعيش ما ينتهك إنسانية الناس، من دول استبدادية وفساد وقهر وتخلف واحتلال وظلم وفقر!!
متى يحصل إنساننا العربي على حقوقه بالكرامة والحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية والحياة الأفضل!!
متى يحقق إنساننا العربي إنسانيته كاملة غير منقوصة؟!.