fbpx

قراءة في رواية “أبو عمر المصري”

0 320
  • تأليف: عز الدين شكري فشير
  • إصدار: دار الشروق
  • ط3، ورقيه، 2014

هذه الرواية الثانية التي نقرؤها للكاتب عز الدين فشير، ونكتشف عبرها أننا أمام روائي متميز جداً، يلامس الموضوعات التي يعالجها بدقة وجدارة وقدرة عالية، وموضوعاته ملحة وتمثل مآزق إنساننا العربي، في هذه المرحلة، وتتابعها بمصداقية عالية، ففي روايته هذه، يعالج الظروف الموضوعية المنتجة للتطرف المؤدي للإرهاب وتبعاته.

تعتمد الرواية أسلوب الخطف خلفاً، حيث تدور أحداث النهايات لتعود بعد ذلك تستقرئ حياة بطل الرواية من أولها.

أبو عمر المصري ومن مكمنه، يراقب اللواء سمير المسؤول في الأمن منذ أسابيع وينتظر لحظة مواتية ليصوب عليه بندقيته القناصة ليرديه قتيلاً، في ختام رحلة انتقام طويله ممن خرقوا (قانون العدالة) وظلموا الناس!، يصوب، يرن هاتفه ويرد في لحظة حرجة، يخبره أحدهم أن ابنه الموجود بالسودان برعاية المجموعات الجهادية متهم بالخيانة وحكم عليه بالقتل، وسينفذ ذلك بعد يومين.

ذهل من الخبر وتفاجأ كيف يحكم على ابنه بغيابه، ويقرر أنه سيذهب إليهم ويتصرف قبل التنفيذ وينقذ ابنه، يصوب مجدداً، يطلق رصاصته القاتلة، ويردي اللواء قتيلاً، يغادر مكانه ويذهب ليتابع موضوع ابنه.

فخر الدين الذي سيصبح أبو عمر المصري لاحقاً، هو من الشباب المصري الذي وعى على الدنيا في قريته، حيث كان وأهله ضحية ظلم عمه كبير عائلتهم الذي سلبهم حقوقهم، وكذلك ناظر مدرسته الظالم له ولزملائه الطلاب دون وجه حق، وأن هناك ظلم اجتماعي وسياسي على الناس ورمزه السلطة الحاكمة، وشارك بالنشاطات الطلابية المنددة واعتقل مع زملائه، أحدهم قتل تحت التعذيب، وهو خرج وفي نفسه جرح بليغ، وإصرار على تعديل ميزان العدالة، اختار أن يدرس الحقوق ونجح فيها وعندما أصبح محامياً، صار هو وبعض زملائه، محامي السياسيين والفقراء والمظلومين، وعندما خدم في الجيش كان في حفر الباطن في السعودية، ورفض أن يقاتل مع الأمريكان ضد العراق، وحوكم هناك وكاد أن يعدم، عمل كمحام وطورد من السلطة وأمنها وأغلقوا مكتبهم، وأصبح فخر الدين وزملاؤه يلتقون بالناس في المقهى، ويتابعون مشاكلهم ودعاويهم، ولم تستطع السلطة ومنتفعيها منعهم من أن يشكلوا ظاهرة مزعجة لهم، فقرر الأمن التخلص من فخر الدين وراقبوه لفترة هو وابن خالته عيسى، رصدوهم وأردوا عيسى قتيلاً بعملية اغتيال، وظنوا أن المقتول فخر الدين، الضابط الأمني المسؤول هو العميد سمير، اختفى فخر الدين وصحبه من المحامين، وأدركوا خطورة وضعهم، وانهم تجاوزوا خطوطاً حمراء، وأن حياتهم في خطر، وبحثوا عن مخارج، أحدهم قرر أن يلتحق في الدير كراهب مغادراً حياة الظلم والظالمين، والآخر قرر أن يعود إلى قريته ويكون بجوار أخيه المنتمي للجماعات الإسلامية، التي تنشط لكسب الشباب ودفعهم للذهاب للجهاد في أفغانستان ضد الروس الملحدين، وبعلم السلطة ورضاها، أما فخر الدين فقد انتحل شخصية ابن خالته عيسى، وأعلن أنه هو (فخر الدين) من قتل، وقرر السفر لفرنسا مستفيداً من منحة أتت لعيسى ليكمل دراسة الدكتوراه بالقانون، وهكذا كان، فخر الدين لم يستسلم فقد قرر أن تكون رحلة التخصص وقتاً للتفكير بكيفية إدارة صراعه مع الظلم والظالمين، متمثلة بالسلطة الحاكمة في مصر وأجهزتها الأمنية، في فرنسا يعايش واقع المصريين والعرب هناك، سيكتشف أن هناك مظلومية أخرى يعيشها ذوي الأصول العربية والإسلامية، وأن هناك تمييز عنصري مبطن، سيضطر أن يسكن في حي الجزائريين الشعبي، وسيجد من يشجعه على مغادرة الحي، والابتعاد عن هؤلاء الناس لأنهم في قعر السلم الاجتماعي، وأنه أن أراد أن يصعد اجتماعياً ومهنياً عليه أن يلتحق بالفرنسيين فكراً وسلوكاً وحتى في أمكنة عيشهم، اصطدم بأسلوب أساتذته المسؤولين عن رسالته الفوقي والمضطهد، ولم يحدد ما هو موضوعه الذي سيدرسه، ويريده أن يرتبط صميمياً، بقضيته الشخصية، مظلوم ويريد استرداد حقه، وكجزء من شعب مصري يرزح تحت ظروف قهر وتخلف واستغلال واستبداد سياسي، تعرف على بعض من بلدياته كالبحيري المحامي الذي يعمل في ورش الدهان في ضواحي باريس لكي يعيش وإماماً لأحد مساجده، واستعاد علاقته مع حبيبته السابقة شيرين، التي كانت حبيبته من أيام الدراسة، والتي لم تستطع أن تواجه والدها بعلاقتها بفخر الدين، وقررت أن تتزوج على رأيه، واستقرت مع زوجها في باريس، وأنجبت منه طفله، لكن حياتها لم تكن على ما يرام، التقت مع فخر الدين مراراً، ومع الوقت باحت له بسوء عيشها، وزادت حياتها سوء، بعد حضوره لفرنسا ومعرفة زوجها بذلك، ووصلت إلى مرحلة مغادرة بيت الزوجية مع طفلتها، ولجأت لفخر الدين، وسكنت عنده، ومع الوقت تعايشا كزوجين، ورفض زوجها تطليقها، وكانت هي تحب فخر الدين وتخاف الزواج منه، ولا تريد الإنجاب ثانية لتحافظ على إرثها من والدها لابنتها، تحب فخر الدين، وتكره منطقه غير المقبول للحياة، وأنه ثائر يناطح طواحين الهواء، تخاصمه قليلاً وتعود إليه دائماً، وتعايشهم الدائم تحمل طفلها منه، وتقرر إسقاط الطفل لكن ذلك مستحيل طبياً، وتعلم زوجها أنها تريد الطلاق ثم تتزوج فخر الدين، ويبتزها زوجها بأن يأخذ ابنتها منها، وترفض، وتدخل في حالة رفض نفسي للحمل، وتدمن على المهدئات، التي استحكمت بها، وفخر الدين لا يدري كيف يتصرف، يحب شيرين ويريد الطفل ومستعد لأي ثمن، شيرين تدخل المشفى أغلب وقت الحمل وتصل لنهايته منهكه، وتنجب طفلها، وتوفيت هي، يتنازل زوج شيرين عن الطفل لفخر الدين، ويسميه عمر، ويكتشف بعد ولادة ابنه وموت حبيبته، أن ما هرب منه في مصر وجده أمامه في فرنسا، ظلم بوجه آخر، وقرر أن يترك حكاية الدكتوراه في القانون، وأن يختار طريق عمل يقربه من عودته لمصر لينتقم من كل أعدائه، ويؤمن له البحيري فرصة عمل كمحاسب في السودان في شركة خليجية، تعمل في استثمار الأرض وتربية الحيوانات، ويحمل ابنه الرضيع وذهب به للسودان، يصل للخرطوم ويكتشف أن السودان غارق في صراعاته البينية وتخلفه وفقره، يحضر امرأة تحتضن ابنه، ويعمل محاسباً في شركة يديرها رجل سعودي يلقبونه الشيخ، سيتعرف على أجواء الشركة ومحاسبتها، وسيكشف حجمها الكبير وامتدادها في السودان وخارجها، وسلطة أصحابها واتساع نفوذهم، وسيكتشف أنه موضع اختبار بعمله وولائه ومهنيته، وينجح في إقناعهم بمصداقيته، فهو لا يريد من عمله إلا مرحلة تجهيز للعودة لمصر والانتقام، خاصة أن ظروف خالته هناك كانت سيئة، وأن ابنة عمه وابنها التحقوا بها، وأن زملاءه تشردوا وبعضهم سجن أو قتل من قبل الأمن، استمر بالعمل والتقدم بالشركة، وصار محاسبها الأساسي، وبدأ يكتشف أن للشركة عمقاً آخر غير العمل الزراعي وتربية الحيوان والتجارة، بل هي غطاء لانتقال الأموال واستيراد شحنات الأسلحة وغطاء لمراكز التدريب على السلاح واللياقة البدنية، علم فخر الدين بذلك أول بأول واكتشف أن الشيخ يقف على رأس شبكة تمتد في كل العالم، وتستقطب الشباب المسلم وتدربه وترسله إلى أفغانستان، وعلم أن الدولة السودانية تعلم بذلك وتتستر عليه، اكتسب ثقة الشيخ فبدأ يدخل دورات تدريب على ركوب الخيل والسلاح وعلى تحمل المشاق، كل ذلك اعتبره فخر الدين مهماً لمهمة الانتقام التي يريدها، كان يميز بين طريقه هو وأنه يود الانتقام ممن هضم حقه وشرده وقتل ابن خالته عيسى في مصر، أما الشيخ والجهاديين فلهم أهداف أخرى في أفغانستان وغيرها، استمر فخر الدين على هذه الحال حتى جاء ملتحقاً بهم صديقه حسين، وهو أحد أفراد مجموعة المحامين الذي هرب للصعيد والتحق بأخيه والجهاديين، جاء يخبره بسوء الحال ومزيد من الإساءة من الأمن والسلطة في مصر بحق الناس، وجاء كذلك صديقه الآخر البحيري من باريس، فقد ضيقت عليهم السلطات ومنعتهم من العمل، وتوسعت في حملة الاعتقالات في مساجد باريس وكان هو أحد أئمتها، وتداولوا بالأمر وقرروا أن ينتقموا من السلطة المصرية التي كانت سبب تشردهم وظلمهم، وذلك من خلال تدمير قنصليتها في الخرطوم عبر عبوة ناسفة، فكروا بالأمر لوحدهم واستعانوا ببعض الباكستانيين والأفغان، لم يخبروا الشيخ بنيتهم، ونفذوا العمل، فشلوا بقتل المسؤول الأمني، وقتل بعض المراجعين وبعض الحراس، وكانت نتيجة العمل محرجة للحكومة السودانية، وغصة في قلب فخر الدين، وقررت الحكومة ترحيل من قام بالعمل، ورحل فخر الدين والبحيري وحسين إلى أفغانستان، لا ملجأ لهم غيرها، وذلك عبر التنقل بين عدة دول أفريقية، وكان أحدها في سفينة غرقت وأنقذ البحيري فخر الدين ومات هو، ونجا حسين أيضاً.

وصلا أفغانستان وكانت ممتلئة بفصائل المجاهدين من كل البلدان، والتحقوا بالمجموعة المصرية، وكانت هناك توصية بهم من قبل الشيخ، وقرر حسين وفخر الدين أن يكونا مع الجهاديين وبايعوهما، وأقسما على الطاعة، ولهم حق المشورة، في هذه الفترة اكتشف فخر الدين أن طريقه يزداد صعوبة، وأن عليه أن يستثمر وجوده في أفغانستان ويتدرب ليعود وينفذ انتقامه الشخصي، كان يختلف مع نظرة المجاهدين العرب في التورط بقتال الغرب وأمريكا، خاصة بعد أن سقط الحكم الداعم السوفييت في أفغانستان، واختلاف المجموعات المقاتلة، بين شاه مسعود ورباني، وثم صعود شباب الطلبة، (الطالبان) ووقوف المجاهدين العرب على الحياد بداية، ثم انتصروا لطالبان، أصبحوا يقاتلون معهم، ثم أعلنوا جهادهم العالمي ضد أمريكا وحلفائها، دخل فخر الدين وحسين في دورات تدريبية عدة أتقنوا فيها الرماية وتحمل الإجهاد، وأساليب الصراع الجسدي وقتال الأسلحة البيضاء، بالمختصر صارا مقاتلين متميزين وقويين ولهما سمعتهما، وتميز فخر الدين بالتصويب الدقيق وأصبح قناصاً بارعاً، وبدأ يدخل في صراعات طالبان ضد الآخرين، واستمر كذلك حوالي ثلاث سنوات، حيث عاد الشيخ لأفغانستان بعد طردهم من السودان، وأصبح فخر الدين قريباً منه، ولكن لم يقتنع بطريقتهم وأعمالهم، رغم أنه كان قاتلاً بارعاً، ينفذ كل ما يطلب منه بنجاح، لكنه كان يخطط للعودة إلى مصر وتصفية حساباته هناك، وكان قد تعرف على هند الصحفية الفلسطينية الأصل، التي تعمل لوكالة أجنبيه في أوساط الحرب الأفغانية، وكانت بينهما قصة أقرب للحب عوضت عن حرمانهم الإنساني والجسدي، ومع الوقت أصبحت جزءاً من حياته، وكان يتابع أخبار ابنه عمر الذي تركه في صحبة أم ياسر وزوجها الشيخ حمزة بين أولادها، تربيه حتى يتفرغ فخر الدين من معاركه ويعود ليأخذ ابنه، وفي بداية القرن الجديد، يقرر فخر الدين أن يغادر أفغانستان ويعود إلى مصر، ويلتقي بهند وينسق معها أن عادت أن يلتقيا، وعاد إلى السودان والتقى بالشيخ حمزة وبابنه وأم ياسر التي تحتضنه، وغادر من هناك إلى مصر عبر الصحراء بمسيرة أربعين يوم، ليدخل مصر، وقد قلبت الدنيا بأحداث 11 أيلول 2001، حيث ضربت أمريكا من القاعدة، ويظهر للعلن وقد أعد إفادة عن ماضيه، بأنه وعبر خمسة عشر عاماً عاشها في الخارج، كان بداية في فرنسا منتحلاً اسم ابن خاله عيسى، ثم غادر إلى ليبيا وعمل هناك، وعاد إلى مصر من هناك عندما طرد ودخل لمصر بطريقة غير رسمية، وأنه لم يعد مزعجاً للسلطات وأنه يريد الأمان والعيش فقط، وأنه سيشتري سيارة أجرة ويعيش بالعمل عليها، وسيعيش مع خالته وابنة عمه وابنها في بيته القديم، وهكذا كان.

عاد وتلقفه الأمن وراقبه وتأكد من توبته، وسمح له بشراء سيارة أجرة، ومنح رخصة سواقه وصار يعمل سائق تاكسي، وأصبح مقرباً من الأمن ويلبي طلباتهم، وخاصة النقيب أيمن الرئيس الجديد للأمن السياسي في حيهم، استقر فخر الدين وثبت عنه أنه إنسان بحاله، وسرعان ما عادت هند لمصر والتقت به، وأخبرها بأنه سيبدأ بعملية انتقام شخصي تعدل ميزان العدل، تبدأ بالصغار كعمّه الذي ظلمهم، وناظر المدرسة، ووكيل النيابة الذي أغلق ملف مقتله سابقاً، دون تحقيق جدي، ووصولاً إلى اللواء سمير الذي قتل عيسى ابن خاله على أنه فخر الدين نفسه، والذي مازال للآن على رأس أهم مؤسسة أمنية في مصر، وهكذا أصبح لفخر الدين حياتان، الأولى سائق تكسي مواظب على عمله يعيل خالته وابنة عمه، ويراجع الأمن دورياً ويخدمهم بسيارته، سواء عائلة النقيب أيمن أو قسم الأمن نفسه، وحياة أخرى يختار ضحاياه ويخطط لقتلهم بأساليب مختلفة، وتساعده في ذلك هند ويقضي على ضحاياه بعد أن يلتقي بهم ويخبرهم بذنوبهم وأنهم يستحقون القتل ويقتلون، وأحياناً يقتل من يراه يستحق ذلك ولو لم يكن في الخطة الموضوعة، كان يعتقد أنه يرتاح نفسياً، وضميره سيهدأ، لكن ذلك لم يحصل، وخاصة أن هند ناقشته أكثر من مرة مؤكدة له، “إنك لن تحقق العدل ولن تغير من واقع الأمر شيئاً، فموت واحد مخطئ يعوض عنه بعشرات، وما زال الظرف العام ينتج الأسوأ دوماً، وأنه كان الأجدر بك أن تعمل قدر طاقتك وتكون أكثر انسانية وخدمة للآخرين”، لم يكن يتقبل، وقرر أن ينتقم للعدالة قدر الإمكان، ساعد خالته وابنة عمته وابنها، وساعد بعض أطفال حيّه بالتعليم، وانتظر أن يقتل اللواء سمير أخيراً، ولكن لم يعرف ماذا سيفعل بعد ذلك، قتل النائب العام السابق، وكذلك نقيب المحامين السابق، ويستنفر الأمن ويبدأ حملة اعتقالات كبيرة في أوساط الإسلاميين، لعله يصل لطرف خيط يعرف من خلاله من يقوم بالاغتيالات المدروسة، ولكن وهو يقتل اللواء سمير يأتيه اتصال بأن الجماعة التي تحتضن ابنه قررت قتله، لأنه خانها وأخبر عنها الأمن، وأمامه يومين فقط، أذهل للخبر، وقتل اللواء سمير، وانسحب من مكمنه، واتصل بهند وخطط معها كيف يصل للسودان في يوم واحد، ويذهب معها في مركب بحري ويعبر للسودان وهي تعود، ويصل للشيخ حمزة ويفاجئهم بوجوده، ويطلب ابنه ويحضروه له، ويخبروه أنه خانهم مع الأمن المصري وأنهم خطفوه وآخر، وأنهم مارسوا الرذيلة معه، وهددوه أن يخبر عنهم كل شيء، وأنهم طلبوا منه نقل متفجرة لمقرهم لقتلهم جميعاً، وأنه ضبط قبل العمل واعترف، واجتمع مجلس الشورى وقرر إعدامه، ذهل فخر الدين وتفاجأ بولده الذي حضر مذهولاً وغير مهتم بأي شيء، سأل فخر الدين لماذا لم يخبروه بما حصل وهو والده، وله عليهم كلهم أفضال، وقيل له إنه كان بعيداً، وإنه خرج من الحركة، والأفضل له أن يبارك الخطوة، وهنا بادر فخر الدين وضرب حارس الشيخ وأفقده وعيه، وهدد الشيخ حمزة بحياته، أو يعطوه ولده ويغادر وليس لهم معه أو ابنه أي شيء، وهكذا كان، لكن مشكلة فخر الدين لم تنته هنا، فابنه كان قد صام عن الكلام وعن الطعام والشراب، وكأنه يعلن انتحاراً ذاتياً، وأخذه فخر الدين في طريق العودة إلى مصر عبر الصحراء مجدداً، بصحبة فرس وناقتين وبعض الماء والغذاء، وعمر لا يستجيب، ودخل في حالة غيبوبة وكاد يموت، وتوقف فخر الدين في إحدى المغارات، وبدأ الاهتمام بابنه، فهو لن يستطيع دخول الصحراء لأربعين يوماً إن لم يكن عمر بحالة صحية جيدة، أما عمر فقد كان يعاقب والده على تقصيره نحوه، فهو يعرف ما فعل، ويحمل أبيه المسؤولية الكاملة، متهماً إياه بأنه لم يكن أباه، ولم يره ولم يرعاه، وتركه في يد معلمين يذلوه، والشيخ حمزة الذي استدرجه منذ طفولته وفعل معه الرذيلة، وعندما أخبر زوجته أم ياسر لجمته وأسكتته، وأصبح مع الزمن مدمناً لهذه الممارسة، وصار عند الشيخ حمزة أكثر من طفل واشتعلت المنافسة بينهم، وعندما كبر قليلاً، قرر أن والده مجرم، فكيف يترك ابنه بين هؤلاء، وأنهم كلهم مجرمون وأنهم يستحقون القتل، وأنه هو من بادر بالذهاب إلى الأمن وأعلن استعداده للمساعدة، وهو حزين الآن لأنه لم يستطع أن يزرع متفجرات بهم وقتلهم جميعاً، والآن جاء من يدعي أنه أبوه ليسمع منه حكايته، ومن ثم يقتله غسلًا لعار الرذيلة، وعار أنه أراد قتل الجماعة أيضاً، لكن فخر الدين لا يستسلم لصمت ابنه أو محاولة انتحاره، ويعالجه وعلى أيام طويلة في مغارة في الصحراء ليستعيد ابنه له، لكن عمر يقرر أن ينتقم من أبيه، ويوهمه أنه يستجيب ثم يهرب منه ويتركه يموت في الصحراء، عقوبة له ويذهب على فرسه ومائه وبقايا غذائه، وهكذا يحصل، ويتفاجأ فخر الدين ويبحث عن ابنه أربعة أيام في كل الاتجاهات ولا يجده، وفي يومه الخامس وهو مدرك أنه هالك يسقط في قلب الصحراء، ويصحو على ابنه يلقمه الماء والطعام في المغارة، لتبدأ رحلة بوح متبادل، ويعترف الأب بخطئه ويعتذر ويعده بأنه سيعوض له في الأيام القادمة عن الماضي، والابن لا يرى أن هناك فرصة للتعويض، ويجب أن يعودا إلى القاهرة ويصلا إلى بيته ويلتحقا بخالته التي تحتاج العناية والعلاج، وابنة عمه التي صارت تدير مركزاً لرعاية المسنين، وابنها الذي يعمل على شبكة الإنترنت، ويخلق له فضاء تفاعلياً إنسانياً وكباب رزق أيضاً، وليدخل عمر في هذه الحياة محاولاً أن يجدد ذاته ويبني حياته، وكذلك فخر الدين والد أبو عمر المصري.

هنا تنتهي الرواية، وأما عن قراءتها، فنقول: إن الرواية تحدثنا عن سبب وجود ونمو الجماعات المتطرفة الإسلامية، وتحمل المسؤولية، السلطات المستبدة وراعية الظلم والتخلف والفساد والتمييز الاجتماعي، الفقر وغياب العمل والأمان والحياة الإنسانية السوية، ويدعم ذلك فكر إسلامي متخلف ظلامي معاد لروح الإسلام، ولجوهره أصلاً، ووجود القوى الدولية المعادية لنا كعرب ومسلمين وكيف يستثمرون كل ذلك لتكون الضحية، قاتل ومقتول وبلاد مختلفة وظلم غشوم ودائم.

في الرواية إرهاصات أعمال تنتصر للإنسان عبر ممكنات الدكتورة شيماء عملها الطبي، وابنة عمه ومركز رعاية المسنين، وابنها وشبكة تواصله عبر الإنترنت، كلهم كانوا يبذرون للربيع العربي الذي سيأتي قريباً، وأتى وأثمر وحورب وعادت ظروف صناعة التطرف مجدداً.

وما زلنا ننتظر أن ينتصر إنساننا ويحقق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والديمقراطية والحياة الأفضل.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني