fbpx

قراءة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

0 413

مع الاهتمام بأعمال اللجنة الدستورية وإعداد دستور للسوريين أردت أن أقوم بإضاءة متواضعة على مبادئ حقوق الإنسان والشرعة الدولية لحقوق الإنسان سواء حالف هذه اللجنة النجاح أم لم يحالفها ولابدّ في البداية من توضيح مفهوم حقوق الإنسان.

حقوق الإنسان هي مجموعة من الحقوق التي يمتلكها كل إنسان، بغض النظر عن جنسيته، أو دينه، أو لون، بشرته، أو عرقه، أو طائفته، أو مركزه الاجتماعي أو.. الخ.

وهذه الحقوق عالمية وغير قابلة للتصرف، ومكفولة لجميع الأشخاص كونهم بشراً. أي لا تختلف من بلدٍ لآخر ولا من منطقة جغرافية لأخرى ولا من شعبٍ لشعبٍ آخر.

وضروري هنا التوضيح بين الحق الطبيعي والحق المدني أو القانوني.

الحق الطبيعي: هو مجموعة الحقوق التي يكتسبها الفرد بالطبيعة. أي أنها هبة طبيعية إذ تولد معه، فهي لكل إنسان من الجنس البشري، لا تُنزع من الشخص ولا من الشعوب. وتلتصق بالإنسان، وكرامته الإنسانية؛ وحريته، ويجب أن يعيها ويدركها، كما يجب على المجتمع أن يؤمّن الشروط على مختلف الأصعدة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية، لجعل ممارستها وصيانتها أمراً ممكناً، ومحاربة الحواجز التي تحول دونها، أو تنتهك حرمتها.

فعلاوة على الحقوق التي يحرزها الإنسان بعمله، يمثل الحق الطبيعي، الحقوق الأخرى الأساسية التي يجب أن يحصل عليها لأنها متعلقة بكرامته الجوهرية بصفته إنساناً..

ولا يمكن النظر للحقوق الطبيعية بوصفها حقوقاً فردية مكتفية بذاتها، بل هي محدودة بالمجتمع والخيرات العامة للأفراد الآخرين، فالفردية المطلقة تضعف الروابط الأخوية بين الناس، ويحل مكانها الرعب، والحقد، والخوف، وتتجلى حقوق الأفراد بحق الحياة، والحرية، والكرامة الإنسانية، والمساواة، والملكية الخاصة، والزواج وتأسيس عائلة، والثقافة، والتعلم، والتدين، أو الإلحاد.

أما حقوق الجماعات الطبيعية: تتجلى بحماية البيئة، وحماية المستضعفين، واحترام حضارات الشعوب، وحق تقرير المصير.

أما الحقوق المدنية والسياسية فهي التي مُنحت من قبل الدولة لجميع المواطنين، أي القوانين الوضعية، وهذه قد تكون مختلفة من فيلسوف لآخر، ومن دولة لأخرى، أي القوانين الناظمة للعلاقات الاجتماعية، والأحوال الشخصية المتعلقة بحياة الفرد ضمن المجتمع وليست من الحقوق الطبيعية بل تخدمها وتتعلق بها.

مجال حقوق الإنسان واسع، ويغطي عدداً كبيراً من الحقوق؛ على سبيل المثال: الحق في الحرية، والحق في المساواة أمام القانون، والحق في حرية التنقل، والحق في الحصول على جنسية، والحق في حرية تكوين الجمعيات، والحق في مستوى معيشي لائق، الحق في العمل.. إلخ

أما حقوق الإنسان على المستوى الدولي مفهوم متطور وغير ثابت فهو متحرك مع تطور الحياة بجوانبها المختلفة اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية.

فقد تطوّر مفهوم حقوق الإنسان على الصعيد الدولي منذ عام 1948، عندما اعتمد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صاغته لجنة حقوق الإنسان، واعتمدته بدورها الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان النص الأول الذي أعلن عالمية هذه الحقوق. وهو يكرس الحقوق الأساسية الـثلاثين التي التزمت الدول الموقعة على احترامها، وتنفيذها داخل أراضيها. اليوم، قد شملت (ضمّنت) العديد من الدول بعض هذه الحقوق في دساتيرها. كما أصبحت مبادئ حقوق الإنسان وانسجامها مع دساتير هذا البلد أو ذاك معياراً لعلمانية هذه الدولة وديمقراطيتها.

ويعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بمثابة مُثل عليا يُسعى للوصول إليها، وليس ملزماً قانونيا. ولكن تم قبولها من قبل الجميع. من أجل خلق حد أدنى من مستوى الحماية.

تم تعزيز هذا الإعلان بسرعة من قبل مجموعة من المعاهدات الدولية، وخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واعتمد أخيراً في عام 1966. بتصديق هذه العهود، لذلك الدول مُلزمة باحترام الحقوق الواردة فيها وضمانها، وبسن القوانين اللازمة، والتي يتم تقييمها بشكل دوري من قبل مجموعة من الخبراء.

(لدينا الآن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعهدان (1-العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، 2- والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية(.

الإعلان والعهدان معروفان بشكل غير رسمي باسم “الشرعة الدولية لحقوق الإنسان”، وهما حجر الأساس في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان.

فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه الشعوب والأمم كافة، ويسعى لتحقيقه كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ الإجراءات الكفيلة لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها والشعوب الخاضعة لسلطانها. لا أريد أن أستعرض مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمكنكم الاطلاع عليها بسهولة.

بعد مراجعة هذه المواد نستطيع أن نقول: إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينطلق من المبادئ الأساسية الآتية (أي يستند على المبادئ العامة الآتية)

  1. الاعتراف بالكرامة الإنسانية المتأصلة في جميع أفراد الجنس البشري.
  2. جميع أفراد الجنس البشري متساوون في الحقوق، وهذه الحقوق أساسٌ للحرية والعدالة والسلام.
  3. مهمة القانون حماية حقوق الإنسان وإلا سيضطر للتمرد ومحاربة الاستبداد والظلم.
  4. العمل على تعزيز العلاقات الودية بين الدول وتنميتها.
  5. التأكيد على الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدراته رجلاً كان أو امرأة، ولا تمييز بينهما في الحقوق والواجبات.
  6. رفع مستوى الحياة الإنسانية بجو واسع من الحرية.
  7. تتعهد الدول بضمان حقوق الإنسان واحترامها وتفعيلها، وترى أن للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات أهمية كبرى للوفاء بهذا التعهد.

لذلك مهمة الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو هدف لكل شعوب العالم والأمم والدول وهيئات المجتمع والعمل مجتمعين لتوطيد هذه الحقوق وإشاعة الحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ كل الإجراءات لضمانها وإدراكها ووعيها.

المادة الأولى تؤكد على أن الناس أحرارٌ متساوون في الحقوق، وما يميزهم عن باقي الكائنات هو العقل والوجدان لذلك يجب أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء ويسود بينهم التسامح والود وروح المسؤولية الإنسانية بشكل عام.

بينما نرى أن المادة الثانية والثالثة تؤكدان بالنتيجة على أن الإنسان قد يولد مسلماً أو مسيحياً، غنياً أو فقيراً، أسودَ أو أبيضَ، طويلاً أو قصيراً، يتحدث اللغة الفرنسية أو الإنكليزية أو العربية، سورياً أو يابانياً أو ألمانياً، كل ذلك ليس له مبرر للتمييز بينه وبين الآخرين فله ولكل فرد أياً كان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات التي يشملها هذا الإعلان، إذاً لكل إنسان حق الحياة بأمان وسلام وتحقيق إرادته وكرامته.

ونرى المادة الرابعة قد ألغت نظاماً اجتماعياً اقتصادياً يتعارض مع الطبيعة الإنسانية ألا وهو نظام العبودية (الرق) وألغت كل أنواع التمييز بين الإنسان السيد والإنسان العبد أو الرقيق وحذرت من أن يسترق شخصٌ شخصاً آخر أو يستعبده.

أما المادة الخامسة فقد نبهت وحذرت وأقرت بأنه لا يجوز التعذيب وأي معاملة تحط من الكرامة، وهذا يحتاج منا ومن كل الحقوقيين بالعالم والمهتمين بحقوق الإنسان أن يتابعوا تنفيذ وتطبيق هذه المادة ميدانياً لأن ما يجري في سجون وكهوف بعض الدول المستبدة وغير المستبدة الشيء الكثير.

أما المواد الأخرى تؤكد على الحق الشخصي في الرأي والمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية في الدولة والمجتمع وأن تميز كل فرد بالأهلية الاعتبارية القانونية لممارسة حقوقه وأداء واجباته بحماية القانون، وجميع الناس متساوون في ذلك.

كما تؤكد هذه المواد أو بعضها على الهوية الشخصية الاعتبارية ووجوب صونها من كل عمل ينتهك حقوقها وتحدد لماذا وكيف ومتى يتعرض الإنسان للمساءلة ضمن حقوقه المصانة في هذه المواد.

ونلاحظ أن هذه المواد تؤكد أن هذه الحقوق هي أساسية ومهمة لأنها تؤكد وتساعد على تحقيق الحقوق الطبيعية كحق الحياة والحرية والكرامة والتي جاءت في مقدمة هذا الإعلان.

بينما المواد من السابعة إلى الحادية عشر، تؤكد على أن لتحقيق العدالة والمساواة وضمان الحريات يتطلب كل ذلك نزاهة القضاء واستقلاليته وهذا ذو أهمية كبرى في بناء دولة المواطنة، دولة القانون حيث جميع أفرادها متساوون في الحقوق والواجبات دون أي تمييز للون أو جنس أو طائفة أو دين أو..

نستنتج مما سبق بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو أساس القانون الدولي لحقوق الإنسان.

وهذا يتطلب من الدول وهيئات المجتمع المدني ومؤسساته والقوى الدولية والمنظمات الإنسانية منفردة ومجتمعة وهيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها والإدارات المنبثقة عنها والتابعة لها وغيرها أن تتحمل مسؤولياتها بمتابعة تطبيق مبادئ حقوق الإنسان على كل بقعة مأهولة وتعمل جادة لإصدار قوانين واتخاذ آليات ملزمة لكل الدول بتطبيق شرعة حقوق الإنسان على كوكب الأرض.

خلاصة القول: إن المنظمات الحكومية وغير الحكومية معنية بتطبيق قوانين حقوق الإنسان وتلتزم بالمتابعة ونشر الوعي الحقوقي وفي الدفاع عن حقوق الإنسان.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني