fbpx

قانون ولكن

0 795

دخلت مكتبي، تريد استشارة قانونية، بدت مترددة، والخوف والحزن قد اجتمعا في عينيها.

 قالت: لأنك امرأة قصدتك، قد تتفهمين حالي أكثر.

 قلت: تفضلي، ولا تخشي شيئاً، فأنا مصغية إليك، ومن صلب مهنتي، الإصغاء والاهتمام والحرص والأمانة.

قالت لي: أستاذة، أنا متزوجة منذ خمسة عشر عاماً، وليس لدي أطفال، وقد سلكت كل الطرق الطبية بغية الإنجاب، إلّا أنني فشلت، لقد خسرنا الكثير من المال، وأضعنا وقتاً في انتظار طفلٍ يملأ علينا حياتنا.

قلت: بماذا أستطيع أن أساعدك.

أجابت: كيف نستطيع تبني طفلٍ؟. لقد سمعنا أن كثيرات يرمين أطفالهن في الشوارع، وعلى أبواب دور العبادة في هذه الحرب، هنالك أطفال كثر يحتاجون أبوين.

قلت لها: عزيزتي، التبني غير مسموح بالقانون السوري، إنما هنالك نظام الكفالة.

قالت: أنا أريد أن أعطيه اسمي، وكلّ ما أملك.

ودمعت عيناها، من يستطيع إيقاف دموعها في تلك اللحظة، إنها الأمومة.

الأمومة إحساس يمتلك الأنثى، على الأغلب يمثّل هذا الإحساس معنى المحبة والعطاء والبذل، فلطالما كانت هناك مغالطات في مصطلح الأمومة، ويحقّ لنا القول: من الذي يعوض فاقدة الأمومة؟، الجواب، لا أحد يعوضها هذا الإحساس غير وجود طفلٍ تربيه وتعتني به ويناديها ماما.

الأمومة مصطلح جوهره الحب والتضحية والإيثار، وهذا هو جوهر الإنسانية، ومنه تنبثق أغلب المشاعر الإنسانية، هكذا أترجمه أنا كأمٍ، وقد يعدّ بعضهم ذلك نوعاً من التطرف بالمشاعر، إنها الحالة الطبيعة لأي أم، وما نراه من استثناءات، فهي عابرة، ولا تُنقص من معناه ومضمونه.

إذاً، هذا الشعور الإنساني العظيم، ينبغي حمايته ورعايته، لنشر المحبة والتسامح في المجتمع، عبر رفع كل قيودٍ تحدُّ منه.

 الأمومة لا تقتضي الولادة، إنما التربية والرعاية، والأم البيولوجية، قد تفتقد لمعنى الأمومة الحقيقي، بينما تكمن الأمومة أحياناً في المرأة المربية الراعية والمعطاء بلا حدودٍ، التي تحتضن طفلاً، وتعطيه كل ما لديها من وقتٍ وجهدٍ ومالٍ واسمٍ وعاطفةٍ متدفقة.

إذا لم تستجب القوانين لمتطلبات التطور والانفتاح، التي يحتاجها المجتمع، وتبقى قاصرةً محدودةً وجامدة، فهي حاجزٌ ومانعٌ من التطور والتقدم، وبالتالي، تفقد مبرر وجودها، فتلك القواعد الجامدة المنبثقة عن المعتقد والمورث الديني، ينبغي إعادة النظر فيها، لتكون داعمة وسنداً لكل حاجة ومطلب مجتمعي.

أجل، التبني مطلب لدى الكثيرين وهو كما أراه الحلّ الجذري لأحد أهم نتائج الحرب، فكم من طفلٍ فقد والديه  يحتاج إلى أسرة ترعاه، وهذا الفقد يكون بسبب وفاة الوالدة أو بسبب تخليها عن طفلها.

 ويمكننا القول، هنالك من تخلّى عن طفله، إما بسبب الخوف من الفضيحة، أو بسبب الفقر وعدم القدرة على تربيته ورعايته، وقد شهدت المدن السورية، التي كانت ساحة حربٍ، كثيراً من حالات التخلي عن الأطفال بطرق متعددة.

إذا كان مردّ التحريم هو ضياع الأنساب، فالمنطق الإنساني يقول: إن التطور العلمي يتيح معرفة ذلك بالتحليل البيولوجي، إذا احتجنا لذلك يوماً ما، فماذا ينفع الطفل أي نسبٍ، إذا لم يقترن بالانتماء الحقيقي، عبر المحبة والعطاء والبذل من الأبوين تجاه هذا الطفل؟.

حين يعيش طفلٌ في ميتم، فإنه سيفتقد أهم عنصر، وهو الاحتضان الحقيقي والعاطفة، التي يحصل عليها في كنف أسرة، يكون هو من أوليّات حياتها، ومحور اهتمامها، فما هو الأصلح للمجتمع، أن تبقى شريحةٌ نتاج ميتمٍ، ستكون بلا شكٍ الأكثر ضعفاً في المجتمع، وقد تكون مصدراً لمشاكل تُعزى إليها، على أنها المسببة للمشاكل والجرائم، أحياناً يقولون باللهجة العامية، (مو معروف قرعة أبوه من وين). للأسف هذا إرث مجتمعنا المتخلف، يعشّش في أدمغة كثيرين.

لذلك نحتاج إلى رفع سوية المجتمع، عبر سن القوانين والتشريعات، التي يجب أن تتناسب مع الحاجات، نحتاج إلى نشر الثقافة الإنسانية، والنظرة المتمدنة، نحو الفرد كإنسان، بغضّ النظر عن أصله ولونه ومعتقده، لأن قيمته كإنسان، يستمدها من كونه إنساناً، ومن أعماله وسلوكه المترجمان لإنسانيته.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني