fbpx

قانون قيصر وخسائر إيران في سوريا

0 468

مع دخول قانون قيصر حيز التنفيذ الفعلي، وإعلان الخارجية الأمريكية عن أسماء عدد من الشخصيات السورية والمؤسسات التي تستهدفها الحزمة الأولى من العقوبات، والتي ترمي في مجملها لمعاقبة نظام بشار الأسد على الجرائم التي ارتكبها بحق المدنيين من السوريين، إلا أن نصوص ذلك القانون – وفق ما هو معلن – تتخطى الداخل السوري بما تفرضه من عقوبات على كل من تعاون مع هذا النظام الفاشي. 

فقرة القانون التي تتحدث عن “الأشخاص الأجانب الذين ينخرطون في معاملات معينة، سيكون من حق الرئيس الأمريكي فرض عقوبات عليهم إذا ما سعوا إلى تقديم أي نوع من الدعم سواء تقني أو مالي للنظام السوري أو التعاقد معه أو مع الحكومة السورية أو المؤسسات التي يسيطر عليها النظام السوري”، تقودنا مباشرة إلى كل من روسيا وإيران أكبر الداعمين لآل الأسد. 

فإذا ما كانت روسيا قد تمكنت من اللعب على عدة حبال في وقت واحد منذ اندلاع الحرب في سوريا، إذ استخدمت حق النقض “الفيتو” 11 مرة لمنع صدور إدانات بحق النظام السوري من مجلس الأمن، وأدانت بشدة العقوبات الأمريكية على سوريا، بينما جاءت تصريحات عدد من مسؤوليها لتشير إلى وجود اتفاق غير معلن مع واشنطن بشأن آليات إدارة الصراع في سوريا، وأهمية خلق واقع سياسي جديد للتخلص من حكم آل الأسد، حيث أوضحت تصريحات مسؤولين في الكرملين ووسائل الإعلام التابعة له وجود ضوء أخضر من القيادة الروسية لبدء عملية إسقاطه فعلياً، إذ تم نشر العديد من قصص فساد رموز نظام الأسد بمن فيهم بشار شخصياً وزوجته أسماء الأسد وأفراد عائلته. 

أما إيران فتبدو أنها المستهدف الرئيس من تلك الفقرة، بحكم كونها أكثر الفاعلين على الأراضي السورية ليس فقط عسكرياً بل اقتصادياً أيضاً، حيث تنتشر الشركات الخاصة الإيرانية التي تسعى بكل قوتها للاستفادة من تداعيات الحرب في سوريا، والسيطرة على مختلف الموارد الطبيعية السورية، والتحكم في البنية التحتية بها، وذلك لتعويض خسائرها نتيجة العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. 

ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية سعت من خلال تطبيق قانون قيصر إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، إغلاق السبل كافة في وجه بشار الأسد، وخنقه اقتصاديًا، ومنع أية محاولة تستهدف إنقاذ نظامه أو إطالة أمد استمراره في تجاوزاته بحق الشعب السوري، وفي نفس الوقت تحجيم الدور الإيراني وكبح جماح تغوله في منطقة الشرق الأوسط، من سوريا إلى العراق مروراً بلبنان واليمن، الأمر الذي أصبح – من وجهة النظر الأمريكية – يمثل خطراً حقيقياً على مقدرات المنطقة ويهدد مصالحها بها. 

واشنطن رجحت خيار سلاح العقوبات الاقتصادية، الذي يعفيها من التدخل عسكرياً لمواجهة إيران، في مغامرة غير محسوبة العواقب، دون التقين من مداها وما يمكن أن تحرزه من نتائج، ناهيك عما يستنزفه ذلك من أموال طائلة سيتم تسديدها من جيوب دافعي الضرائب الأمريكية، ما قد يضعها في موقف المساءلة أمام مجلس الشيوخ، ويعرضها لانتقادات الرأي العام الأمريكي الذي أصبح يتململ من كثرة الوجود العسكري الأمريكي في مختلف بقاع الأرض. 

وتراهن الإدارة الامريكية على أن العقوبات المقررة في قانون قيصر ستجبر إيران على سحب معظم قواتها العسكرية الموجودة على الأرض السورية لدعم نظام آل الأسد، حيث من الصعوبة بمكان الوفاء بمتطلبات تلك القوات المالية في ظل القيود التي يفرضها القانون، إلى جانب صعوبة استمرار عملياتها لتهريب الأموال إلى الداخل السوري. 

وهو الأمر الذي بدأت أولى نتائجه في الظهور حتى قبل بدء تطبيق قانون قيصر، حيث انهارت العملات المحلية في كل من إيران وسوريا ولبنان أيضاً بمجرد الإعلان عن اقتراب موعد تطبيق العقوبات الأمريكية التي أقرها قانون قيصر، الأمر الذي أدى إلى موجة من الاحتجاجات الجماهيرية في الداخل السوري بمدينة السويداء أو في بيروت بلبنان، بينما يعيش الشارع الإيراني حالة من الغليان المرشح للانفجار في أي لحظة، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والغلاء الذي يلتهم ميزانيات الأسر في الدول الثلاث، وهي الأزمة المرشحة للتفاقم خلال المرحلة اللاحقة على تطبيق العقوبات، وانعكاسات ذلك على تفاصيل الحياة اليومية لمواطنيهم. 

ومع عدم قدرة النظام السوري على إدارة الملف الاقتصادي في البلاد بصورة فاعلة وانتهاء مرحلة تبييض الأموال في المصارف اللبنانية أصبحت إيران عاجزة – مهما بذلت من جهد – عن الحفاظ على نظام بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا، رغم ما بذلته من محاولات تأمينه ولو مؤقتاً من التداعيات السلبية لتلك العقوبات اقتصادياً، حيث قامت خلال الفترة السابقة لتطبيق العقوبات بالكثير من عمليات تهريب العملة الصعبة، وغسيل الأموال، وتجارة المخدرات، مستخدمة في ذلك الأراضي العراقية. 

ومع بدء تطبيق القانون أطلق المسؤولون الإيرانيون عدة تصريحات حول تعزيز التعاون الاقتصادي مع سوريا، وأنهم بصدد افتتاح مكتب لغرفة التجارة الإيرانية في دمشق، من أجل المساهمة في تطوير الاستثمارات المشتركة بين البلدين!!. 

وهي التصريحات التي هدفت من إطلاقها إلى الظهور بمظهر القوة، والتي بدت وكأنها تحدياً لنصوص قانون قيصر الذي يفرض عقوبات على كل من يقدم خدمات أو معلومات للمساعدة في صيانة أو توسيع الإنتاج المحلي لحكومة نظام الأسد في قطاع النفط والغاز أو قطاع الطيران العسكري، أو قطاع البناء والهندسة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. 

لا يمكن لأحد إنكار أن إيران هي أكثر الأطراف الفاعلة على الساحة السورية ضرراً، سواء بسبب عدد قواتها وأسلحتها وعتادها على الأرض السورية، أو فيما يخص ما تم إنفاقه من خزانة الشعب الإيراني على الحرب في سوريا، حيث كشف “حشمت الله فلاحت” عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية في إيران أن بلاده قدمن ما بين 20-30 مليار دولار لدعم نظام بشار الأسد، وفق أسس الاستراتيجية الإيرانية الرامية إلى خلق وجود دائم لها على الأراضي السورية، يمنحها الحق في الحصول على الجزء الأكبر من كعكة إعادة الإعمار بعد الحرب، مطالباً بضرورة إعادتها إلى الخزانة الإيرانية والشعب الإيراني.

وتتمثل أكبر مخاوف إيران من تطبيق قانون قيصر في خسارة مكتسباتها التي حققتها على مدى سنوات الحرب التسع، حيث أصبحت سوريا شريكها التجاري الأكبر، بعد أن تحولت إلى سوق مفتوح لتصريف المنتجات الإيرانية ما أدى إلى تحسن ميزانها التجاري، إلى جانب اتفاقيات استثمار مناجم الفوسفات بريف حمص، التي تمنحها الحق في التنقيب عن الفوسفات واستثماره لمدة 50 عاماً، والاتفاقية الخاصة بإنشاء مصفاة للنفط قرب مدينة حمص بطاقة تكرير تصل إلى 140 ألف برميل نفط يومياً، ولا ننسى بطبيعة الحال الاتفاقيات التي عقدتها الشركات الإيرانية وضمنت من خلالها حصة كبيرة في مجال إعادة الإعمار.

إلا أن تطور الأوضاع، وما صاحب تطبيق قانون قيصر في أيامه الأولى من نتائج، وما آلت إليه الأمور الاقتصادية على الأرض في سوريا ولبنان، كلها عوامل تؤكد على حقيقة واحدة مفادها أن إيران لن تستطيع الصمود كثيراً في دعمها لنظام الأسد، وأن ما سعت لتحقيقه من مكاسب في سوريا لن تقطف ثماره كما كانت تريد وتأمل.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني